مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -12- محمد بن محمد بن محارب الصريحي

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها: 

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-12- محمد بن محمد بن محارب الصريحي(1)

محمد بن محمد بن محارب الصريحي من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن أبي الجيش.

حاله وأوليّته: أصل سلفه من حصن يُسر من عمل مرسية، من بيت حسب وأصالة، ولخؤولته بالجهة التاكرونيّة ثورة.

وقلت فيه في «عائد الصلة»: كان من صدور المقرئين، وأعلام المتصدّرين تفنّنا، واضطلاعا، وإدراكا، ونظرا، إماما في الفرائض والحساب، قائما على العربية، مشاركا في الفقه والأصول وكثير من العلوم العقلية.

قعد للإقراء بمالقة، وخطب بجامع الرّبض.

مشيخته: قرأ على الأستاذ القاضي المتفنّن أبي عبد الله بن بكر، ولازمه. ثم ساء ما بينهما في مسألة وقعت بمالقة، وهي تجويز الخلف في وعد الله، شنّع فيها على شيخنا المذكور. ونسبه إلى أن قال: وعدُ الله ليس بلازم الصّدق، بل يجوز فيه الخلف؛ إذ الأشياء في حقه متساوية. وكتب في ذلك أسئلةً للعلماء بالمغرب، فقاطعه وهجره. ولمّا ولي القاضي أبو عبد الله بن بكر القضاء، خافه، فوجّه عنه إثر ولايته، فلم يشكّ في الشّرّ، فلما دخل عليه، رحّب به، وأظهر له القبول عليه، والعفو عنه، واستأنف مودّته، فكانت تُعدّ في مآثر القاضي، رحمه الله.

ورحل المذكور إلى سبتة، فقرأ بها على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، ومن عاصره، ثم عاد إلى مالقة، فالتزم التدريس بها إلى حين وفاته.

دخوله غرناطة: دخل غرناطة مرات، متعلّما، وطالب حاج. ودُعي إلى الإقراء بمدرستها النّصرية، عام تسعة وأربعين وسبعمائة، فقدم على الباب السّلطاني، واعتذر بما قُبل فيه عذره. وكان قد شرع في تقييدٍ مفيد على كتاب «التسهيل» لابن مالك، في غاية النبل والاستيفاء، والحصر والتّوجيه، عاقته المنية عن إتمامه.

وفاته: توفي بمالقة في كائنة الطاعون الأعظم في أخريات ربيع الآخر من عام خمسين وسبعمائة، بعد أن تصدّق بمال كثير، وعهد بريع مجد لطلبة العلم، وحبس عليهم كتبه.

  1.  مصادر الترجمة: الإحاطة في أخبار غرناطة 3/55، نيل الابتهاج ص418-419، شذرات الذهب 8/286

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق