مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -11- أبو الفتح محمد بن أبي بكر المنوفي المقري يعرف بابن الحمصاني

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها:

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-11- أبو الفتح محمد بن أبي بكر المنوفي المقري يعرف بابن الحمصاني

محمد بنُ أبي بكر بنِ محمد بن أبي بكر الشمس، أبو الفتح بن الشرف بن ناصر الدين، المنوفي السرسي الأصل، القاهري الشافعي المقري، ويعرف بـ«ابن الحمصاني»، وربما يقول «الحمصي» نسبة لحرفة جده لأمه.

وُلد تقريبا سنة إحدى عشرة وثمانمائة، ونشأ فحفظ القرآن، والعمدة، والتنبيه، والشاطبيتين، وألفية النحو، وبعض جمع الجوامع، والمنهاج، والأصليين، وغيرها. وعرض العمدة على الولي العراقي في سنة اثنتين وعشرين، ثم التنبيه في سنة ست وعشرين وهو معزول، وأمره بالتوجه للقاضي المستقر ليعرض عليه قبل كتابته لئلا تكون رؤيته لخط أحد وتقديم غيره عليه مانعا لسماعه في آخرين، كالبساطي وابن المغلي ..

واعتنى بالقراءات فكان من شيوخه بالقاهرة فيها: الشيخ حبيب، ثم التاج بن تمرية، ثم الأمين بنموسى؛ والثلاثة كانوا شيوخ القراءات بالشيخونية على الترتيب هكذا، وابن كزلبغا، بل سمع على ابن الجزري، وأخذها بمكة حين مجاورته بها عن: الزين بن عياش، وقرأ عليه قصيدته «غاية المطلوب»، وعن علي الديروطي، وتلا لعاصم وغيره في ختمتين على محمد الكيلاني.

وتميز في القراءات، واشتغل بغيرها يسيرا؛ فأخذ الفقه عن الشرف السبكي، والجمال يوسف الأمشاطي، وقرأ المتوسط شرح الحاجبية مع المتن على السيفي الحنفي، ولازمه في فنون، وكتب على الزين بن الصائغ، وسمع على الزين الزركشي صحيح مسلم، وعلى ابن حجر في جامع طولون، وأم هانئ الهورينية وآخرين بالقاهرة، وحسين الأهدل وأبي الفتح المراغي وابن عياش بمكة، وقرأ ألفية النحو على الشهاب السكندري المقري.

وولي الإمامة بجامع ابن طولون، ودرس القراءات بالشيخونية بعد شيخة الأمين، وتصدى للإقراء؛ فانتفع به خلق. وممن قرأ عليه: الزين زكريا الدميري إمام الحسنية، والشمس النوبي، وصحِب خير بك حديد فكان يقرأ عليه.

وهو إنسان خير ساكن متواضع، قصدني للإشهاد عليه في إجازة، ومرة لعرض ابنه علي وسمعت كلامه، ومسّه مكروه من ابن الأسيوطي مع كونه في عداد طلبته فصبر، ورأيته شهد عليه في إجازة فوصفه فيها بالشيخ، الإمام، العالم، الفاضل، الكامل، الصالح، شيخ الإقراء، وأستاذ القراء، الإمام بالجامع الطولوني نفعنا الله ببركته.

مات في رجب سنة سبع وتسعين بالطاعون رحمه الله وإيانا.

  • الضوء اللامع 7/190-191.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق