مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -8- أحمد بن مبارك اللمطي

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها: 

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-8-أحمد بن مبارك اللمطي (1)

العالم العلامة، الجهبذ الفهامة، المشارك المحقق، الحافظ المتضلع المتبحر، المجتهد القدوة المحرر، أبو العباس، أحمد بن مبارك بن محمد بن علي السجلماسي، الَّلمَطي أصلا، البكري الصديقي؛ يتصل نسبه بسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ولد رحمه الله في حدود التسعين وألف ببلده سجلماسة.

وجمع القرآن الكريم بجميع القراءات السبع ببلده على ابن خالته، وابن عم جد والده: الإمام الكبير أبي العباس أحمد الحبيب، وقرأ عليه شيئا من النحو أيضا.

ثم دخل فاسا بقصد القراءة سنة عشر ومائة وألف؛ فأخذ عن عامة شيوخها كأبي عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسي، والحاج أحمد الجَرَندي، ومحمد المسناوي، ومحمد بن أحمد القسمطيني، وعلي الحريشي، وأبي عبد الله بُرْدُلة، وغيرهم.

وكان رحمه الله شيخا متبحرا، وإماما حجة متصدرا، انتهت إليه الرياسة في جميع العلوم، واستكمل أدوات الاجتهاد على الخصوص والعموم، فكان له باع طويل، وتبحر في البيان والأصول والحديث، والقراءات والتفسير، وله عارضة في المقابلة بين أقاويل العلماء والبحث معهم، ويجيب عنهم بمقتضى الصناعة والآلات، ويصرح لنفسه بالاجتهاد، ويرد على الأكابر من المتقدمين والمتأخرين، وكان رحمه الله محبا للغرباء، مواسيا للضعفاء، خاشعا متواضعا.

درس بفاس ختمات من التفسير، وجمع الجوامع، وصحيح البخاري، والشفا للقاضي عياض، ومختصر السنوسي، والسّلّم وغير ذلك.

وقد ألف تآليف عديدة، منها: المقالة الوافية في شرح القصيدة الدالية لمحمد بن مبارك المغراوي، والذهب الإبريز في مناقب عبد العزيز الدباغ، وكشف اللبس عن المسائل الخمس، والأجوبة التسكيطية في الأسئلة السبكية، وتأليف في دلالة العام على بعض أفراده، وله تقاييد وأجوبة. وأخذ عنه جماعة من العلماء يطول ذكرهم.

توفي بالطاعون بفاس ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى عام خمسة أو ستة وخمسين ومائة وألف.

  1.  مصادر الترجمة: سلوة الأنفاس 2/228-230، تراجم قراء المغرب الأقصى ص107-108.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق