مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -7- عثمان بن عمر الناشري

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها: 

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-7- عثمان بن عمر الناشري(1)

عُثْمَان بنُ عمرَ بنِ أبي بكر بنِ عليّ بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله العَفِيف النَّاشِرِيّ المقري الشَّافِعِي، ابن أخي القاِي موفق الدّين، عليّ وابن عمّ القاضي الطّيب بن أحمد بن أبي بكر وتلميذه. 

له تصنيف فِي الناشريّين سماه البستان الزَّاهِر في طبقات علماء بني ناشر، طالعته وهو مفيد، واستطرد فيه لغيرِهم مع فوائد ومسائل؛ بل وعمِل شرحا على الحاوي والإرشاد في مجلدين، مات عَنهُ مسودة. 

أخذ الْقرَاءَاتِ عن ابن الجزريّ؛ تلا عَلَيْهِ ختمةً للعشر، والشهاب أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَشْعَرِيّ، وعلي بن مُحَمَّد الشرعبي. 

صنَّف فِي القراءاتِ الْهِدَايَة إِلَى تَحْقِيق الرِّوَايَة فِي رِوَايَة قالون والدوري، والدر النَّاظِم فِي رِوَايَة حَفْص عَن عَاصِم، وشرح الدرة المضية، وَغير ذَلِك. 

حجَّ وجاور، وَكَانَ فَقِيها مقرئا، مولده سنة خمس وَثَمَانمِائَة وَمَات بعد الْأَرْبَعين؛ أفادنيه حَمْزَة النَّاشِرِيّ، وَفِي أثْنَاء كِتَابه فِي الناشريين مِمَّا يدْخل فِي تَرْجَمته أَشْيَاء، ومولده إِنَّمَا هُوَ فِي ربيع الثَّانِي سنة أَربع. 

كَانَ فَقِيها، عَالماً، محققاً لعلوم جمة منها: الفقه، والقراءات، والفرائض، وغيرها، مَعَ مُشَاركَة فِي الْأَدَب وَالشعر. وَيُقَال أَنه بلغ فِي شرح الإرشاد إلى أثناء الصَّداق، ودرَّس بمدارس فِي زَبيد، ثمَّ رتبه الظَّاهِر فِي تدريس مدرسته، وَكَانَ مُبارك التدريس، انْتفع بِهِ جمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَولي أَيْضا إِمَامَة الظَّاهِرِيَّة، فَلَمَّا اخْتَلَّ الْأَمر انتقل إِلَى أَب فِي أَوَاخِر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين باستدعاء مَالِكهَا أَسد الدّين أَحْمد بن اللَّيْث السيري الهمذاني، صَاحب حصن جب؛ فرتّبه مدرسا بمدرسة الأَسدِية الَّتِي أنشأها هُنَاكَ، وأضاف إِلَيْهِ إمامتها وتدريس الْقرَاءَات بهَا، وَكَذَا أعطَاهُ تدريس غَيرهَا كالجلالية، وتصدر للْفَتْوَى والإقراء.

وفي سنة ثمان وأربعين وقع باليمن طاعون عظيم، كان معظمُه في الجبال، ومات فيه خلائق لا يحصون،  فَلم يلبث أَن مَاتَ فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشري ذِي الْحجَّة مِنْهَا بالطاعون، وَكَانَ آخر كَلَامه الْإِقْرَار بِالشَّهَادَتَيْنِ، وتأسف الْخلق على فَقده، وَشهد جنَازَته من لَا يُحْصى، ورثاه بعض الشُّعَرَاء رَحمَه الله وإيانا.

  1.  مصادر الترجمة: الضوء اللامع 5/ 134-135، قلادة النحر 6/ 422، الأعلام 4/ 211.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق