مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةمفاهيم

السمــعيــات

 

تعريف السمعيات:
السمعيات كلمة منسوبة إلى السمع من سمع يسمع سمعا، قال الخليل بن أحمد :«السمع: الأذن»[1]، وقال ابن منظور:«السمع: حس الأذن»[2].
والسمعيات تُعرف أيضا باسم آخر وهو الغيبيات، والمقصود بها “كل ما لا سبيل إلى الإيمان به إلا عن طريق الخبر اليقيني” كما ذكر الدكتور محمد سعيد البوطي في كتابه كبرى اليقينيات الكونية[3].
موضوع السمعيات:
  قسم إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (ت.478هـ) موضوع السمعيات إلى: إعادة الخلق، عذاب القبر وسؤال منكر ونكير، الجنة والنار والصراط والميزان، الشفاعة، الآجال والأرزاق، الإيمان ومعناه، والتوبة وشروطها [4].
في حين ربط السلالجي(564هـ) في “برهانيته” بين السمعيات والنبوات مبينا أن الإيمان بالرسل ستلزم الإيمان بكل ما جاء به من :” الحشر والنشر وعذاب القبر وسؤال الملكين والصراط والميزان والحوض وأنباء الآخرة جملة وتفصيلا”[5].
ونجد ابن خمير السبتي (ت.614هـ) في “كتابه مقدمات المراشد إلى علم العقائد” قد وضع مقدمة ذكر فيها السمعيات التي يجب الإيمان بها ثم فصَّل الكلام في كيفية الموت، سؤال القبر وعذابه ونعيمه، والحساب والإعادة والصحف والميزان، والحوض والشفاعة، والصراط والجنة والنار[6].
قول الأشاعرة في السمعيات:
عذاب القبر وسؤال الملكين:
أنكر الملاحدة والخوارج وبعض الباطنية عذاب القبر، وأنكره أيضا بعض المعتزلة أتباع ضرار بن عمرو، كما ذكر ابن حزم في كتابه “الفصل في الملل والأهواء والنحل”[7]. وأثبت أبو  الحسن الأشعري عذاب القبر[8]، وكذا القاضي البقلاني[9] قال: “والدليل على إثبات عذاب القبر قوله تعالى:{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاّ}[10] قال أبو هريرة : يعني عذاب القبر[11]. وأيضا ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: “أعوذ بالله من عذاب القبر”[12]. 
الحشروالنشر: 
الحشر عبارة عن جمع الأجساد وإحيائها، وسوقها إلى الموقف وغيره من مواطن الآخرة، والنشر عبارة عن إحيائها بعد مماتها، وأجمع أهل الحق على أن الله تعالى يحي الأبدان بعد موتها، والدليل عليه، أن الإعادة  إما أن تكون بمعنى إعادة الجواهر بعد إعدامها، أو بمعنى ضمها وجمعها بعد تبديدها، وكلاهما ممكن، وكل ممكن أخبر به الصادق الأمين فهو حق[ 13].
ويرى  الشيخ عبد القادر الفاسي(ت.1091هـ) أن من الواجب تصديق الأنبياء بما أخبرو به ومن جملتها مسألة إعادة الأرواح إلى الأبدان قائلا: “ومن بعث الخلق بعد الموت بأجسادهم التي كانوا عليها في الدنيا للحساب والثواب والعقاب[14]،  و يضيف: “والأرواح بعـد الموت باقية، ولا فناء لـها على الصحيـح، وقيـل تفنى عند القيامـة، ثم ترجع للأجساد، وقبل القيامـة منعمـة أو معذبـة”[15].
الصراط والحوض والميزان:
يراد بالصراط شرعا جسر ممدود على متن جهنم أرق من الشعرة وأحد من السيف، وقد دلت عليه نصوص شرعية  كقوله تعالى :{ فاهدهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون}[16]،  وقال الإمام الأشعري أن السلف : “أجمعوا على أن الصراط جسر ممدود على جهنم يجوز عليه العباد بقدر أعمالهم، وأنهم يتفاوتون في السرعة والإبطاء على قدر ذلك”[17]. 
وأنكر وجوده والمشي عليه الملاحدة وبعض المبتدعة خاصة بسبب الحديث الذي جاء فيه وصفه على أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف.
أما الميزان فهو حق ورد به القرآن والسنة، وهو بعمود وكفتين عند أهل السنة أحدهما للحسنات  والأخرى للسيئات، الأولى. يقول الغزالي :” هو حق، قال الله تعالى:{ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} وقال تعالى:{ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه}الآية  ووجهها أن الله تعالى يحدث في صحائف الأعمال وزنا بحسب درجات الأعمال عند الله تعالى فتصير مقادير أعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل في العقاب أو الفضل في العفو وتضعيف الثواب[18]، وأضاف الآمدي أن :”الوزن بالميزان فإنه يحتمل أن يكون للصحف المشتملة على الحسنات والسيئات المكتوب فيها أفعال العبد من خيره وشره ونفعه وضره، ويخلق الله تعالى فيها ثقلا وخفة على حسب التفاوت الذي يعلمه تعالى في حسناته وسيئاته ويحتمل أن يكون ميزان الأفعال عند الله تعالى بما يليق بالأفعال وهو المستأثر بعلمه وحده لا على نحو الميزان اللائق من المدخرات والمعدودات وغيرها من الموزونات شاهدا”[19].
أما الحوض فمعناه  شرعا حو ض النبي صلى الله عليه وسلم، له أربع أركان، من شرب منه شربة لا يضمأ أبدا، وقد أثبت القرآن بقوله:{ إنا أعطيناك الكوثر}ـ يقول الإمام الأشعري:” وأجمع المسلمون على أن لرسول الله حوضا يوم القيامة ترده أمته لا يضمأ من شرب منهم”[20].
الجنة والنار:
وأما الجنة والنار فتبوتهما مما علم من الدين ضرورة، وهما مخلوقتان بدليل قوله تعالى :{ أعدت للمتقين}[21] ، وهبوط آدم  منها ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لهما في الإسراء وغيره[22] يقول الشيخ عبد القادر الفاسي:” الجنـة والنار، وكلاهما مخلوقتان موجودتان الآن دائمتان”[23].
وقد أنكر جماعة من المعتزلة خلقهما، وزعموا أنه لا فائدة  في خلقهما قبل الثواب والعقاب، وحملوا ” أعدت ” على أنه من باب التعبير عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه، وحملوا الجنة في قصة آدام عليه السلام على بستان من بساتين الأرض”[24].
الشفاعة:
ذهب علماء الأمة إلى القول بوقوع الشفاعة في الآخرة، وخالف فيها المعتزلة  والخوارج، قال أبو الحسن الأشعري ردا على المعتزلة الذين أنكروها: “وقال أهل السنة والاستقامة بشفاعة رسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته”[25].
 واستدل الجويني على إثبات الشفاعة فقال: “من استقر في عقله أن الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء، وتقرر لديه بما قدمناه أنه لا يجب على رب الأرباب ثواب ولا عقاب، لم ينكر جواز غفرانه وعفوه”[26] ، وأثبت الشفاعة الشيخ عبد القادر الفاسي  بقوله:” وشفاعـة الرسـول -صلى الله عليه وسلم-، ولـه شفاعات، وشفاعـة سائـر الرسل والمقربيـن، وسائـر المؤمنيـن. ونفوذ الوعيـد في طائفـة مـن المؤمنيـن بدخول النار، وعـدم خلـود المؤمنيـن في النار”[27].
وتنقسم الشفاعة إلى أنواع ، فأعظمها شفاعة رسول الله لأهل الحشر لإراحتهم من طول الموقف وأهواله، ومنها إدخال طائفة من أمته بغير حساب، ومنها شفاعته في من استحق دخول النار أن لا يدخلها، ومنها شفاعته في إخراج المؤمنين والموحدين منها بعد دخولهم فيها.
الساعة و أشراطها: 
يقول الشيخ عبد القادر الفاسي في عقيدته: “وللساعة علامات أخبـر بـها النبي -صلى الله عليه وسلم-، كخـروج الدجال، الأعور الكذاب، وطلـوع الشمس من مغربـها، وخـروج الدابـة، وظهـور المهـدي الفاطمي، من ولـد فاطمـة -رضي اللـه عنها-، يـملأ الأرض عـدلا، ونزول عيسى بن مـريم -عليه السلام- بالشام مجددا لهذه الأمـة، غيـر ناسخ لها، حاكما بكتاب اللـه، كالخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم، مع قيام وصف النبـوءة بـه، فيكسـر الصليب ويقتل الخنزيـر، ويبطل الجزيـة، فلا يقبل إلا الإيمان”[28].
 ويقول المرادي(ت. 48هـ)  في عقيدته: “وهذه الأشراط المؤكدة تغلق معها باب التوبة، فلا يقبلها الله  من كافر به ولا من عاص له، وذلك قوله:{ يوم ياتي بعض آيات ربك لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا}. ثم يقيم الناس كذلك ما شاء الله، ثم تسير الجبال، وتشقق السماء وتسقط كسفا، فتحشر الوحوش إلى الناس، وتعطل العشار، ثم ينفخ في الصور، فيهلك من النفخ فيه من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يثبت الناس أمواتا ما شاء الله، وليس في الوجود حي إلا الله”[29].
واختلف أهل العلم هاهنا فقيل: يعدم – سبحانه – السماوات والأرض والجنة والنار والعرش وكل ما عاد نفسه القديمة وصفاته، ثم يعيد ذلك بعد عدمه كما بدأه أول مرة. واستدل على هذا بقوله تعالى:{ كل شيء هالك إلا وجهه}[30]، وقوله :{ كما بدأنا أول خلق نعيده}[31].
إعداد الباحثة حفصة البقالي.
الهوامش:
1- معجم الخليل بن أحمد1/348.
2- لسان العرب لابن منظور8/162.
3- كبرى اليقينيات الكونية لمحمد سعيد البوطي، ص:301.
4-  انظر:العقيدة النظامية لأبي المعالي الجويني، ص:76-93.
5- العقيدة البرهانية للسلالجي، ص30.
6- انظر: مقدمات المراشيد إلى علم العقائد لابن خمير السبتي، ص:269-325. 7- الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، 4/55-56.
8- الإبانة عن أصول الديانة،ص:247.
9- الإنصاف، ص 48-49.
10- سورة طه الآية 124.
11- فتح الباري شرح صحيح البخاري لإبن حجر العسقلاني8/433.
12- المصدر السابق2/318.
13- شرح السنوسية الكبرى،ص394-395.
14- عقيدة آهل الإيمان، ص: 9.
15- المصدر السابق، ص: 9.
16- سورة الصافات، 32.
17- رسالة إلى أهل الثغر أبي الحسن الأشعري ، ص:163.
18- إحياء علوم الدين الغزالي ، 1/114.
19- الآمدي غاية الكلام في علم الكلام 1/305.
20- رسالة إلى أهل الثغر، ص289.
21- سورة آل عمران آية 133.
22- شرح السنوسية الكبرى ص:400.
23- عقيدة أهل الإيمان ص: 8.
24- شرح السنوسية الكبرى ص: 400.
25- مقالات الإسلامين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري، 2 354.
26- العقيدة النظامية للجويني، ص:81.
27- عقيدة أهل الإيمان، ص:9.
28- عقيدة أهل الإيمان، ص: 9.
29- عقيدة المرادي الحضرمي، ص: 321.
30-سورة القصص، الآية 88.
31- سورة الأنبياء،  الآية 103.

تعريف السمعيات:

السمعيات كلمة منسوبة إلى السمع من سمع يسمع سمعا، قال الخليل بن أحمد :«السمع: الأذن»[1]، وقال ابن منظور:«السمع: حس الأذن»[2].

والسمعيات تُعرف أيضا باسم آخر وهو الغيبيات، والمقصود بها “كل ما لا سبيل إلى الإيمان به إلا عن طريق الخبر اليقيني” كما ذكر الدكتور محمد سعيد البوطي في كتابه كبرى اليقينيات الكونية[3].

موضوع السمعيات:

  قسم إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (ت.478هـ) موضوع السمعيات إلى: إعادة الخلق، عذاب القبر وسؤال منكر ونكير، الجنة والنار والصراط والميزان، الشفاعة، الآجال والأرزاق، الإيمان ومعناه، والتوبة وشروطها [4].

في حين ربط السلالجي(564هـ) في “برهانيته” بين السمعيات والنبوات مبينا أن الإيمان بالرسل يستلزم الإيمان بكل ما جاء به من :” الحشر والنشر وعذاب القبر وسؤال الملكين والصراط والميزان والحوض وأنباء الآخرة جملة وتفصيلا”[5].

ونجد ابن خمير السبتي (ت.614هـ) في “كتابه مقدمات المراشد إلى علم العقائد” قد وضع مقدمة ذكر فيها السمعيات التي يجب الإيمان بها ثم فصَّل الكلام في كيفية الموت، وسؤال القبر وعذابه ونعيمه، والحساب والإعادة والصحف والميزان، والحوض والشفاعة، والصراط والجنة والنار[6].

قول الأشاعرة في السمعيات:

عذاب القبر وسؤال الملكين:

أنكر الملاحدة والخوارج وبعض الباطنية عذاب القبر، وأنكره أيضا بعض المعتزلة أتباع ضرار بن عمرو، كما ذكر ابن حزم في كتابه “الفصل في الملل والأهواء والنحل”[7]. وأثبت أبو  الحسن الأشعري عذاب القبر[8]، وكذا القاضي الباقلاني[9] قال: “والدليل على إثبات عذاب القبر قوله تعالى:{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاّ}[10] قال أبو هريرة : يعني عذاب القبر[11]. وأيضا ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: “أعوذ بالله من عذاب القبر”[12]. 

الحشر والنشر: 

الحشر عبارة عن جمع الأجساد وإحيائها، وسوقها إلى الموقف وغيره من مواطن الآخرة، والنشر عبارة عن إحيائها بعد مماتها، وأجمع أهل الحق على أن الله تعالى يحيي الأبدان بعد موتها، والدليل عليه، أن الإعادة  إما أن تكون بمعنى إعادة الجواهر بعد إعدامها، أو بمعنى ضمها وجمعها بعد تبديدها، وكلاهما ممكن، وكل ممكن أخبر به الصادق الأمين فهو حق[ 13].

ويرى  الشيخ عبد القادر الفاسي(ت.1091هـ) أن من الواجب تصديق الأنبياء بما أخبروا به ومن جملتها مسألة إعادة الأرواح إلى الأبدان قائلا: “ومن بعث الخلق بعد الموت بأجسادهم التي كانوا عليها في الدنيا للحساب والثواب والعقاب[14]،  و يضيف: “والأرواح بعـد الموت باقية، ولا فناء لـها على الصحيـح، وقيـل تفنى عند القيامـة، ثم ترجع للأجساد، وقبل القيامـة منعمـة أو معذبـة”[15].

الصراط والحوض والميزان:

يراد بالصراط شرعا جسر ممدود على متن جهنم أرق من الشعرة وأحد من السيف، وقد دلت عليه نصوص شرعية  كقوله تعالى :{فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون}[16]،  وقال الإمام الأشعري أن السلف : “أجمعوا على أن الصراط جسر ممدود على جهنم يجوز عليه العباد بقدر أعمالهم، وأنهم يتفاوتون في السرعة والإبطاء على قدر ذلك”[17]. 

وأنكر وجوده والمشي عليه الملاحدة وبعض المبتدعة خاصة بسبب الحديث الذي جاء فيه وصفه على أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف.

أما الميزان فهو حق ورد به القرآن والسنة، وهو بعمود وكفتين عند أهل السنة إحداهما للحسنات  والأخرى للسيئات. يقول الغزالي :” هو حق، قال الله تعالى:{ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} وقال تعالى:{فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه}الآية  ووجهها أن الله تعالى يحدث في صحائف الأعمال وزنا بحسب درجات الأعمال عند الله تعالى فتصير مقادير أعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل في العقاب أو الفضل في العفو وتضعيف الثواب[18]، وأضاف الآمدي أن :”الوزن بالميزان فإنه يحتمل أن يكون للصحف المشتملة على الحسنات والسيئات المكتوب فيها أفعال العبد من خيره وشره ونفعه وضره، ويخلق الله تعالى فيها ثقلا وخفة على حسب التفاوت الذي يعلمه تعالى في حسناته وسيئاته ويحتمل أن يكون ميزان الأفعال عند الله تعالى بما يليق بالأفعال وهو المستأثر بعلمه وحده لا على نحو الميزان اللائق من المدخرات والمعدودات وغيرها من الموزونات شاهدا”[19].

أما الحوض فمعناه  شرعا حوض النبي صلى الله عليه وسلم، له أربع أركان، من شرب منه شربة لا يظمأ أبدا، وقد أثبته القرآن بقوله: {إنا أعطيناك الكوثر}ـ يقول الإمام الأشعري:” وأجمع المسلمون على أن لرسول الله حوضا يوم القيامة ترده أمته لا يضمأ من شرب منهم”[20].

الجنة والنار:

وأما الجنة والنار فثبوتهما مما علم من الدين ضرورة، وهما مخلوقتان بدليل قوله تعالى :{ أعدت للمتقين}[21] ، وهبوط آدم  منها ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لهما في الإسراء وغيره[22] يقول الشيخ عبد القادر الفاسي: “الجنـة والنار، وكلاهما مخلوقتان موجودتان الآن دائمتان”[23].

وقد أنكر جماعة من المعتزلة خلقهما، وزعموا أنه لا فائدة  في خلقهما قبل الثواب والعقاب، وحملوا ” أعدت ” على أنه من باب التعبير عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه، وحملوا الجنة في قصة آدم عليه السلام على بستان من بساتين الأرض”[24].

الشفاعة:

ذهب علماء الأمة إلى القول بوقوع الشفاعة في الآخرة، وخالف فيها المعتزلة  والخوارج، قال أبو الحسن الأشعري ردا على المعتزلة الذين أنكروها: “وقال أهل السنة والاستقامة بشفاعة رسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته”[25].

 واستدل الجويني على إثبات الشفاعة فقال: “من استقر في عقله أن الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء، وتقرر لديه بما قدمناه أنه لا يجب على رب الأرباب ثواب ولا عقاب، لم ينكر جواز غفرانه وعفوه”[26] ، وأثبت الشفاعة الشيخ عبد القادر الفاسي  بقوله:” وشفاعـة الرسـول -صلى الله عليه وسلم-، ولـه شفاعات، وشفاعـة سائـر الرسل والمقربيـن، وسائـر المؤمنيـن. ونفوذ الوعيـد في طائفـة مـن المؤمنيـن بدخول النار، وعـدم خلـود المؤمنيـن في النار”[27].

وتنقسم الشفاعة إلى أنواع، فأعظمها شفاعة رسول الله لأهل الحشر لإراحتهم من طول الموقف وأهواله، ومنها إدخال طائفة من أمته بغير حساب، ومنها شفاعته في من استحق دخول النار أن لا يدخلها، ومنها شفاعته في إخراج المؤمنين والموحدين منها بعد دخولهم فيها.

الساعة و أشراطها: 

يقول الشيخ عبد القادر الفاسي في عقيدته: “وللساعة علامات أخبـر بـها النبي -صلى الله عليه وسلم-، كخـروج الدجال، الأعور الكذاب، وطلـوع الشمس من مغربـها، وخـروج الدابـة، وظهـور المهـدي الفاطمي، من ولـد فاطمـة -رضي اللـه عنها-، يـملأ الأرض عـدلا، ونزول عيسى بن مـريم -عليه السلام- بالشام مجددا لهذه الأمـة، غيـر ناسخ لها، حاكما بكتاب اللـه، كالخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم، مع قيام وصف النبـوءة بـه، فيكسـر الصليب ويقتل الخنزيـر، ويبطل الجزيـة، فلا يقبل إلا الإيمان”[28].

 ويقول المرادي(ت.489هـ)  في عقيدته: “وهذه الأشراط المؤكدة تغلق معها باب التوبة، فلا يقبلها الله  من كافر به ولا من عاص له، وذلك قوله: {يوم ياتي بعض آيات ربك لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا}. ثم يقيم الناس كذلك ما شاء الله، ثم تسير الجبال، وتشقق السماء وتسقط كسفا، فتحشر الوحوش إلى الناس، وتعطل العشار، ثم ينفخ في الصور، فيهلك من النفخ فيه من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يثبت الناس أمواتا ما شاء الله، وليس في الوجود حي إلا الله”[29].

واختلف أهل العلم هاهنا فقيل: يعدم – سبحانه – السماوات والأرض والجنة والنار والعرش وكل ماعدا نفسه القديمة وصفاته، ثم يعيد ذلك بعد عدمه كما بدأه أول مرة. واستدل على هذا بقوله تعالى:{ كل شيء هالك إلا وجهه}[30]، وقوله :{ كما بدأنا أول خلق نعيده}[31].                                                         

                                                            إعداد الباحثة حفصة البقالي

الهوامش:

1- معجم الخليل بن أحمد1/348.

2- لسان العرب لابن منظور8/162.

3- كبرى اليقينيات الكونية لمحمد سعيد البوطي، ص:301.

4-  انظر:العقيدة النظامية لأبي المعالي الجويني، ص:76-93.

5- العقيدة البرهانية للسلالجي، ص30.

6- انظر: مقدمات المراشيد إلى علم العقائد لابن خمير السبتي، ص:269-325.

7- الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، 4/55-56.

8- الإبانة عن أصول الديانة،ص:247.

9- الإنصاف، ص 48-49.

10- سورة طه الآية 124.

11- فتح الباري شرح صحيح البخاري لإبن حجر العسقلاني8/433.

12- المصدر السابق2/318.

13- شرح السنوسية الكبرى،ص394-395.

14- عقيدة آهل الإيمان، ص: 9.

15- المصدر السابق، ص: 9.

16- سورة الصافات، 32.

17- رسالة إلى أهل الثغر أبي الحسن الأشعري ، ص:163.

18- إحياء علوم الدين الغزالي ، 1/114.

19- الآمدي غاية الكلام في علم الكلام 1/305.

20- رسالة إلى أهل الثغر، ص289.

21- سورة آل عمران آية 133.

22- شرح السنوسية الكبرى ص:400.

23- عقيدة أهل الإيمان ص: 8.

24- شرح السنوسية الكبرى ص: 400.

25- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري، 2 354.

26- العقيدة النظامية للجويني، ص:81.

27- عقيدة أهل الإيمان، ص:9.

28- عقيدة أهل الإيمان، ص: 9.

29- عقيدة المرادي الحضرمي، ص: 321.

30-سورة القصص، الآية 88.

31- سورة الأنبياء،  الآية 103.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق