مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

السلكث المثنى النظام بما للصحابة الكرام على جميعهم الرضوان والسلام من الكرامات والمكرمات العظام

للعلامة المؤرخ حسن بن علي بن عبدالملك الكتامي

المعروف بابن القطان (كان حيا 662هـ)

 

بقلم: عبداللطيف السملالي

من أوفى الكتب المغربية التي صنفت في كرامات الصحابة رضوان الله عليهم، الجامعة لجليل مناقبهم والمستعرضة لجميل فضائلهم، كتاب: (السلك المثنى النظام بما للصحابة الكرام على جميعهم الرضوان والسلام من الكرامات والمكرمات العظام) للعلامة المؤرخ حسن ابن علي بن عبدالملك الكتامي المعروف بابن القطان (كان حيا 662هـ).

  ويفيد عنوان الكتاب أن مؤلفه جعل موضوعه مخصصا لكرامات ومكرمات الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وتيسيرا لمعرفة مضمون عمله، وتبيينا لدواعي انكبابه على هذا التأليف، بادر العلامة ابن القطان إلى توضيح ما باشر تحريره في مقدمة الكتاب قائلا:

« فإن الأمر المطاع العلي المؤمّن المرتضى، أدام الله بهاء الدنيا بطول بقائه، واعتلاء الدين بسوق اعتلائه، كان نفذ لعبده المُقَيّد لهذا الكتاب، الذي خدمته له، أيده الله بضروب الآداب شِنْشِنَةٌ له، ودأب بجمع كتاب في كرامات صحابة سيد الأولين والآخرين….فعند شروع المملوك في الامتثال وبروز كتاب: (انسجامات السحابة بكرامات الصحابة) في حُلله يختال، وإن لم يكن بلغ حينئذ مبلغ التمام والكمال بل هو في زمن التهذيب والتصوير والانفعال، صدر أمر ثان كريم مطاع عال، بأن تضاف إلى الكرامات نبذ من فضائلهم رضي الله تعالى عنهم، وما لهم من كريم السجايا والخلال، حتى يكون المجموع مشتملا على الكرامات والمكرمات أوعب اشتمالا…..وسميته بكتاب: (السلك المثنى النظام بما للصحابة الكرام على جميعهم الرضوان والسلام من الكرامات والمكرمات العظام). وهو خمسة أجزاء: مقدمتان، وثلاثة كتب، تشتمل على نبذ من فضائلهم، ولمع من معاليهم رضي الله عنهم أجمعين».

وتبين لنا من السطور أعلاه أن الأمر السامي هو صادر من الخليفة عمر المرتضى الموحدي (646 ـ 665هـ)، فهو الذي أشار على المؤلف ابن القطان بوضع كتاب في كرامات الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أولا، ثم تلقى الأمر الآخر من السلطان نفسه بإضافة نبذ من فضائل ومكرمات أولئك الزمرة الطيبة من أصحاب النبي عليهم من الله الرضا والرضوان، فاجتهد المصنف في تحقيق رغبة سيده ومولاه، وجد في جمع مواد كتابه مستقصيا أخبار وكرامات ومناقب تلك الصفوة المباركة ممن تفيأوا ظلال عصر النبوة وصحبوا النبي عليه الصلاة والسلام في غدوه ورواحه.

وحسب تقديم ابن القطان فإن كتابه قسم إلى خمسة أجزاء: اشتملت على مقدمتين، وثلاثة كتب. ومع الأسف لم ينته إلينا من هذا السِّفْر القيم إلا مقدمتان وكتاب واحد، وأما الكتابان الآخران فلا نعلم عنهما شيئا.     

ويعالج هذا الكتاب موضوع كرامات ومكرمات الصحابة رضوان الله عليهم من جوانب عدة، كما أن البحث في موضوع الكرامات وما يتعلق به، فرض على المؤلف أن يتناوله من زوايا مختلفة طلباً منه للإلـمام به، واستيعاب قضاياه والإحاطة بموضوعه بشكل شمولي. وقد سعى المؤلف جاهدا إلى تحديد المفاهيم والمصطلحات المفتاحية التي يتمحور حولها موضوع كتابه، واجتهد في الربط بينها معرفياً، مؤصلاً في الآن ذاته بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية، ورابطاً الموضوع بالصحابة رضوان الله عليهم، ولمكانتهم المعتبرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد تضمنت المقدمة الأولى خمسة فصول، وكان لتحديد المفاهيم والمصطلحات فيها النصيب الأوفر، وهذا بيان ما جاء فيها:

1- في تبيين من الصحابي ومن الولي؟
2- في تبيين ما هي الكرامة؟ والفرق بينها وبين الآية والمعجزة.
3- في تقرير أن شهود بدر كرامة، وأن بيعة الرضوان كرامة لأصحابها.
4- في الشواهد على صحة كرامات الأولياء من الكتاب والسنة والآثار.
5- في معنى الفضيلة والمَنْقَبة.

أما المقدمة الثانية فتشتمل على فصلين: أودع في الأول على العموم مجموعة من مناقب المهاجرين والأنصار، متحدثا عن صبر المهاجرين، وعن مؤازرة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم. والفصل الآخر ذكر فيه بإيجاز مجمل كراماتهم جميعا من حيث ذكرهم والثناء عليهم الوارد في القرآن، ومن حيث ما وعدوا بالجنة.

وبخصوص الكتاب الأول من هذا السفر قصر فيه ابن القطان ذكر العشرة المشهود لهم بالجنة مع نبذ من مناقبهم، وما وجد من كراماتهم، وما ساوق ذلك من أنسابهم وموالدهم ووفياتهم. وقد ضم هذا القسم في أصله صدراً، وأحد عشر بابا ( وُجِدَتْ منه أربعة أبواب فقط).

أورد المؤلف في الصدر مجموع الأحاديث الشاهدة لأولئك العشرة الكرام من الصحابة رضوان الله عليهم بالجنة.

وقد نال الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم النصيب الكبير من هذا الكتاب (السلك المثنى النظام بما للصحابة الكرام على جميعهم الرضوان والسلام من الكرامات والمكرمات العظام)، وأفرد المؤلف لكل خليفة راشد بابا موسعا، اشتمل على كل ما له ارتباط بمجمل مسار حياته، من سرد فضائله وذكر كراماته، مع التذكير بنسبه ومواقفه إلى أن ختمت أنفاسه. وقد عرض المؤلف مواد الكتاب الأول ـ كما انتهى إليناـ على الشكل التالي:

1- باب: في ذكر أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بلمع من مناقبه، وبما وجد من كراماته، وما تبع ذلك من أسمائه ونسبه ووفاته ونحو ذلك.
2- باب: في ذكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بنبذ من فضائله ومناقبه ومعاليه وما وجد من كراماته وما ساوق ذلك، من نسبه وأوَّلِيّتِه ووفاته.
3- باب:  في ذكر أمير المؤمنين أبي عمر عثمان بن عفان رضي الله عنه، بلُمَع من فضائله الزكية ومعاليه العلية، وبما وجد من كراماته، وما ساوق ذلك من مبدئه ووفاته ونحو ذلك.
4- باب:  في ذكر أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب  رضي الله عنه، بنبذ من فضائله ومعاليه ، وما وجد من كراماته، وما ساوق ذلك من مولده ووفاته ونسبه وصفته، وما نحا نحو ذلك من سائر حالاته.

وحَفَلَ هذا السّفْر بجملة وافرة من المناقب العلية ونخبة معتبرة من الفضائل الزكية لأولئك الخلفاء الكرام البررة رضوان الله عليهم، استند المؤلف في سردها على كتب الحديث والتاريخ وتراجم الصحابة. فكان كلما عدد كل منقبة أو كرامة إلا وكان يُعَضّدُها بآثار وشواهد تؤكد ذلك. وللتمثيل للمناقب التي سردها للخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، أعرض فيما يلي بعضا منها، فهو:

   * أحد السابقين إلى الإيمان.
   * أنفق ماله في سبيل الله.
   * زاد الناس في أعطياتهم التي فرضها الخليفة عمر رضي الله عنه.
   * أول من غزا في البحر.
   * جمع القرآن في مصحف واحد.

وأما كراماته التي عددها فهي كثيرة، واجتهد المؤلف في تعزيزها بخبر أو أثر يشهد عليها، غير أنَّ ابن القطان لم يكن يتحرى التمحيص في صحة الروايات التي يسردها، ولم يكن يعزوها إلى مصادرها. ومن تلك الكرامات التي ذكرها له:

   – كان نورا أمام نور النبي صلى الله عليه وسلم، قبل خلق جبريل عليه السلام.
   – ذكره في التوراة.
   – زَوَّجَهُ النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه.
   – جاء جبريل عليه السلام بتفاحة من الجنة مكتوب فيها له سطر.
   – استحياء الملائكة منه.
   – إجابة دعوته.
   – بكاء الجن عليه بعد الموت.

ومن خلال مطالعة فصول كتاب (السلك المثنى النظام بما للصحابة الكرام على جميعهم الرضوان والسلام من الكرامات والمكرمات العظام)، ومراجعة أبوابه تلمس سعة اطلاع المؤلف على كتب كثيرة، أحسن استثمار موادها في صياغة كتابه هذا، وموارده في مصنفه لا تخرج عن كتب الحديث، والأصول، والسيرة، والتاريخ، والأخبار والأنساب، والتراجم، ومعرفة الصحابة، واللغة، والتصوف. ومجمل المصادر التي تشكلت منها فصول هذا الكتاب هي مصادر أساسية لا يستغني عنها مؤلف في طرق مثل هذا الموضوع القيم، وفيما يلي أهم الموارد هذا الكتاب:

   – السيرة النبوية. محمد بن إسحاق (ت 151هـ).
   – كتاب العين. الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ).
   – المغازي. محمد بن عمر الواقدي (ت207هـ).
   – تاريخ الخلفاء. علي بن محمد المدائني (ت 228هـ).
   – نسب قريش. الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي الأسدي (ت 256هـ).
   – الجامع المسند الصحيح. محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ).
   – الشريعة. أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّي (ت 360هـ).
   – المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261هـ).
   – السنن (الجامع الكبير). محمد بن عيسى الترمذي (ت 279هـ).
   – مُروج الذّهب ومعادن الجوهر. علي بن الحسين المسعودي (ت346هـ).
   – إعجاز القرآن. أبو بكر بن الطيب الباقلاني (ت 402هـ).
   – رسالة في علم التصوف. عبدالكريم القشيري (ت 456هـ).
   – دلائل النبوة. أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ).
   – الاستيعاب في معرفة الأصحاب. أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي (ت 463هـ).
   – المستصفى من علم الأصول. أبو حامد الغزالي (ت 505هـ).
   – ذيل الاستيعاب. محمد بن خلف بن فتحون الأندلسي (ت 520هـ).
   – مشارق الأنوار على صحاح الآثار. عياض بن موسى السبتي اليحصبي (ت544هـ).
   – صفة الصفوة. عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت 597هـ).

الأحكام من آي خير الأنام. حسن بن علي الكتامي المعروف بابن القطان (كان حيا 662هـ). صاحب الكتاب.
وجملة القول إن كتاب (السلك المثنى النظام بما للصحابة الكرام على جميعهم الرضوان والسلام من الكرامات والمكرمات العظام)، اشتمل على معلومات غزيرة عن حياة الخلفاء الأربعة من بدايتهم إلى انتقالهم إلى الملإ الأعلى، مستعرضا بتفصيل مناقبهم السّنِيَّة وكراماتهم العَلِيّة، ومهَّد المؤلف لذلك بمقدمتين جامعتين قصد بهما تحديد بعض المصطلحات والمفاهيم حتى يكون القارئ على بينة من موضوعه من ذلك معنى: الصحابي، الولي، الكرامة، المعجزة.

ولما كان يغلب على المؤلف اهتمامه بالتاريخ، وانكبابه على كتب الإخباريين، فقد شحن كتابه على جلالة موضوعه بمجموعة من الروايات الكثيرة التي تحتاج إلى الناقد البصير ليمحص موضوعها من صحيحها.

ومما يجمل التذكير به في هذا السياق أن هذا الكتاب القيم تعرف منه نسختان خطيتان محفوظتان في بعض الخزانات المغربية:

   – الأولى: توجد في خزانة جامع القرويين بمدينة فاس. تحمل رقم: 243. وهي نسخة غير تامة. تشتمل على 117 لوحة.
   – الأخرى: توجد في الخزانة الحسنية بمدينة الرباط. تحمل رقم: 223. وهي نسخة تامة تتألف من 306 صفحات.

 وقد كان هذا الكتاب محط اهتمام بعض الدارسين المغاربة، وشمروا عن ساعد الجد لتحقيق نصوصه، ودراسة مضمونه في إطار بحوث جامعية لنيل شهادة الدكتوراه، ومن أولئك الباحثين:

1- الباحث حسن العشاب. دراسة وتحقيق. إشراف الدكتور: عبدالرزاق وورقیة. جامعة محمد بن عبدالله. كلية الآداب والعلوم الإنسانية. فاس. نوقشت الأطروحة بتاريخ  09 ینایر 2013م.
2- الباحث حسن البربوشي. دراسة ‏وتحقيق السفر الأول من الكتاب. إشراف الدكتور: سعيد المغناوي، جامعة محمد بن عبدالله. كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس – فاس، نوقشت الأطروحة في: 05 فبراير 2015م.

ومن حسن حظ هذا السفر القيم أنه لم يكتب أن ينزو في رفوف الخزانات مثل كثير من الآثار المكتوبة، وينهال عليه غبار النسيان والإهمال، بل وجد طريقه إلى النشر قبل سنتين، فقد بادرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغرب إلى نشره، وهو بتحقيق أحد الباحثين المنوهين بهما أعلاه، وندرج فيما يلي بيانات كاملة عن هذه النشرة الوحيدة المعروفة لهذا المطبوع:

اسم الكتاب: السلك المثنى النظام بما للصحابة الكرام على جميعهم الرضوان والسلام من الكرامات والمكرمات العظام.

تأليف: أبو محمد حسن بن علي بن عبدالملك الكتامي المعروف بابن القطان (المتوفى في العقد السابع من القرن السابع الهجري).

 دراسة وتحقيق: حسن العشاب.

 منشورات: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. المملكة المغربية. دار أبي رقراق للطباعة والنشر. الرباط.

تاريخ النشر: 1437هـ/ 2016م

عدد الصفحات: 503.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق