مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

الرُّتْبَة ودلالَة الألفاظِ في قَوله تَعالى : « كُنتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ »

د. عَبْد الرَّحْمَن بودرَع
ذهبَ أحدُ الباحثين في مَجلس علميٍّ من مَجالس المُحاوَرَةِ والتَّدارُس إلى أنّ الخيريةَ في قوله تعالى: (كنتُم خير أمّة أخْرِجَت للنّاس تأمرونَ بالمَعروفِ وتَنهَوْنَ عن المُنكَر وتؤمنون بالله) قُدّمَت في الآيَة، وجاءت في مقدمتها المعاملاتُ وجاء الإيمانُ بعدها لأنه شخصيّ، متأخّرا؛ لأنه بين العبد وربّه، أما المعاملاتُ فبين الناس جميعاً، لذلك تقدمت الخيرية– هذا هو الاسلام الحق — خير للناس [هكذا قالَ]
و في سياق الرّدّ على هذا التّوجيه أقول وبالله التّوفيقُ:
ولكن ألا ترى أنّ المُعامَلات تُبْنى على الإيمان، والخطابُ ههنا [كنتُم] لأمّة الإسلام، وليس لعامّة الشعوب، فلو كان لعامّة شعوب الأرض لَجاز فيه ما قُلتَ ، فالمُعاملاتُ التي ذكرْتَ مُقيّدةٌ بالإيمان ومشروطةٌ بشرطه، ولولاها لكانوا كسائر الشعوب لا خيريةَ يمتازون بها عنهم، ألا ترى أنّ أوّل ما شهدَ به أهلُ النارِ في الحِجاج الذي حوجِجوا [حوجُّوا] به أنّهم قالوا: «قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ » [المُدثّر: 43-47] فالمُحاسَبَة بدأت باعترافهم بترك الصلاة قبل الانتقال إلى أوجه البرّ الأخرى، فلا يشفع لأحد يومَ القيامة خيرُه وإحسانُه إلى النّاس أجمعينَ، ما لم يكنْ مؤمناً موحِّداً مصلياً فلا تقلْ لنا إنّ قاعدةَ المعاملات هي الأصل والأهمّ ، بل القاعدةُ الأهمّ هي الإيمان بأركانه ثمّ الإسلام بأركانه، وتأتي المُعامَلات مبنيةً على ذلك كلّه، بل أرى أنّ استدلالَك فيه نظرٌ؛ لأنّ الذي قلتَ إنّه تقديمٌ للمُعامَلات لا يبدو كذلك: فالأمرُ بالمعروف والنّهي عن المنكر على النّحو الذي حدّدتْه الشّريعةُ الإسلاميّة خاصٌ بالإسلام أي هو أمرٌ ونهيٌ مبنيان على الإيمان والتوحيد والفرق بين الحَلال والحرام، وجَلب المَصالح ودَرْء المَفاسد كما حدّدها الشرعُ لا كَما تَعارَفها الناسُ في العالَم أو وضعتْها الأمم المتّحدة في مواثيقها الدّوليّة، حتّى وإن اتّفقَ أنّ القانونَ الوضعيّ يُوافقُ الشريعةَ في كثير من فقراته وبنوده، فلا يُعتدّ به في الإسلام حتّى يكون مبنياً على شرط الإيمان والتّوحيد .

ذهبَ أحدُ الباحثين في مَجلس علميٍّ من مَجالس المُحاوَرَةِ والتَّدارُس إلى أنّ الخيريةَ في قوله تعالى: (كنتُم خير أمّة أخْرِجَت للنّاس تأمرونَ بالمَعروفِ وتَنهَوْنَ عن المُنكَر وتؤمنون بالله) قُدّمَت في الآيَة، وجاءت في مقدمتها المعاملاتُ وجاء الإيمانُ بعدها لأنه شخصيّ، متأخّرا؛ لأنه بين العبد وربّه، أما المعاملاتُ فبين الناس جميعاً، لذلك تقدمت الخيرية– هذا هو الاسلام الحق — خير للناس [هكذا قالَ]

و في سياق الرّدّ على هذا التّوجيه أقول وبالله التّوفيقُ:

 ولكن ألا ترى أنّ المُعامَلات تُبْنى على الإيمان، والخطابُ ههنا [كنتُم] لأمّة الإسلام، وليس لعامّة الشعوب، فلو كان لعامّة شعوب الأرض لَجاز فيه ما قُلتَ ، فالمُعاملاتُ التي ذكرْتَ مُقيّدةٌ بالإيمان ومشروطةٌ بشرطه، ولولاها لكانوا كسائر الشعوب لا خيريةَ يمتازون بها عنهم، ألا ترى أنّ أوّل ما شهدَ به أهلُ النارِ في الحِجاج الذي حوجِجوا [حوجُّوا] به أنّهم قالوا: «قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ » [المُدثّر: 43-47] فالمُحاسَبَة بدأت باعترافهم بترك الصلاة قبل الانتقال إلى أوجه البرّ الأخرى، فلا يشفع لأحد يومَ القيامة خيرُه وإحسانُه إلى النّاس أجمعينَ، ما لم يكنْ مؤمناً موحِّداً مصلياً فلا تقلْ لنا إنّ قاعدةَ المعاملات هي الأصل والأهمّ ، بل القاعدةُ الأهمّ هي الإيمان بأركانه ثمّ الإسلام بأركانه، وتأتي المُعامَلات مبنيةً على ذلك كلّه، بل أرى أنّ استدلالَك فيه نظرٌ؛ لأنّ الذي قلتَ إنّه تقديمٌ للمُعامَلات لا يبدو كذلك: فالأمرُ بالمعروف والنّهي عن المنكر على النّحو الذي حدّدتْه الشّريعةُ الإسلاميّة خاصٌ بالإسلام أي هو أمرٌ ونهيٌ مبنيان على الإيمان والتوحيد والفرق بين الحَلال والحرام، وجَلب المَصالح ودَرْء المَفاسد كما حدّدها الشرعُ لا كَما تَعارَفها الناسُ في العالَم أو وضعتْها الأمم المتّحدة في مواثيقها الدّوليّة، حتّى وإن اتّفقَ أنّ القانونَ الوضعيّ يُوافقُ الشريعةَ في كثير من فقراته وبنوده، فلا يُعتدّ به في الإسلام حتّى يكون مبنياً على شرط الإيمان والتّوحيد .

ثمّ أسألُكَ: ما قولُك في الصورةِ المَعْكوسَة: مَن جاءَ بمُعاملات طيبة مع خلق الله كلّهم ونفعَ الدّنيا بعلمه وعَمَله، ولكنّه لا إيمانَ له أو لا توحيدَ له أو هو مشرك أو وثني أو كافر أو مجوسي، هل يدخُلُ هذا في قوله تعالى : كنتُم خير أمّةٍ أخرجَت للناس .

فالذي أقصدُه في مَقالتي السابقَة أنّ المُعاملَةَ هي الدّين [الدّين المُعامَلَة] ولا تكونُ المُعامَلَةُ مُختصَرةً مُختَزَلَةً بأنّها من الدّين، كما وَرَدَ في الحديثِ الموجَز الذي هو أنموذجٌ عالٍ من نَماذجِ جَوامعِ الكلمِ، إلاّ بشرطِ التوحيد والإيمان واتِّخاذ الإسلام قاعدةً لكلّ معاملةٍ حَسَنَةٍ ، فإن لم تكن المُعاملةُ مبنيةً على قاعدةِ التقوى وتوحيد الله تعالى والالتزامِ بشرائعه، فلا تخرجُ عن كونها معاملةً إنسانيّةً يُفيدُ بها الناسُ بعضُهُم بعضاً وينفعُ بعضُهم بعضاً وينالونَ أجورَهم المادّيةَ في الدّنيا إمّا مالاً أو ثَناءً أو حظوةً أو شهرةً.

وأضيفُ إلى ذلك كلّه أنّ العبرَة في ترتيب الكَلامِ وتَقْديم الخيريّة في الآيَة، ليس بتقديم لفظ على لفظٍ واتّخاذِ المُقدَّمِ محطَّ العناية والاهتمامِ مُطلَقاً؛ لأنّ الخيريّة المُقدّمَة مُقيّدةٌ مشروطةٌ، فلو قُلْنا : كنتُم خير أمّة وتوقَّفْنا، لكان المعْنى مدْحاً مُطلقاً وتفضيلاً لأمّة على أمّة من غير دليلٍ يُرجّحُ الأفضليّةَ وينسبُها إلى تلك الأمّة، ولكنّ المُرادَ عكسُ ذلك: كنتم خيرَ أمة إذا أمرتُم بالمعروف ونهيتُم عن المنكر وآمنتُم بالله، فإن لم تَفْعلوا فلستُم خيرَ الأمم بل تستوونَ والأممَ الأخرى في ما تنفَعُ به غيرَها، ولكنّكم إذا آمنتم بالله وعملتُم بمُقتضى الإيمان [وذلك بنبذ كلّ أنواع الشرك والكُفر والظّلم ومُبطلاتِ الإيمان والإسلام]، وأمرتم بالمعروف وفقاً لقَواعد الشرع في ذلكَ ، ونهيتُم عن المنكر كَما علّمكُم رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّمَ ؛ فأنتُم حينئذ تدخُلون في نطاقِ الخيريّة ، فَلا معْنى لقول القائل: إنّ المُعامَلَةَ سبب الخيريّة أمّا الإيمان فهو شخصيّ لأنّنا عند ذلك سنُبطلُ شرط الشّرع في أمور المُعامَلات كلِّها فلا بدّ من الفرق بين الجهتَيْن، ووضع الآية في سياقِها الصّحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق