مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الرسم النبويّ التوضيحيّ منارة هادية لإتقان صناعة الإنفوجرافيك التّربويّ

1-الرسم النبوي التوضيحي: إبداع في الشكل والمضمون

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “خط النبي صلى الله عليه وسلم خطّا مربَّعاً، وخطّ خطّاً في الوسط خارجاً منه، وخطّ خُططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: هذا الإنسان وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخُطط الصّغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا”[9].

ويُمكن تخيُّل الرّسم التوضيحيّ الذي خطّه الرسول صلى الله عليه وسلم على الشكل الآتي:

الرسم النبويّ التوضيحيّ 02

فالمربع يُصوّر الأجلَ المحيط بالإنسان الّذي يُشخِّصُه المستقيم داخل المربع. أما المستقيم الخارجُ منه فيُمثّل طول أمل الإنسان، وأما الخُطط الصِّغار المُوَجّهة صوب الخط المستقيم داخل المربع (الإنسان)  فهي الأعراض؛ وهي: “الآفات العارضة له”[10]، مُصيبة الإنسان لا محالة؛ لذلك عبّر عنها صلى الله عليه وسلّم بقوله: “فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا”، وعبّر بالنهش “استعارة من لدغ ذات السُّم مُبالَغةً في الإصابة والإهلاك”[11].

والمراد بالأمل في الحديث، المذموم منه؛ وهو الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فَمَن سَلِم من ذلك لم يُكلَّف بإزالته؛ لأنه  لولا الأمل ما تهنّى أحدٌ بعيش، ولا طابت نفسُه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا[12].

واللافت للنظر أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ابتدأ رسمه التوضيحيَّ برسم المربع الذي هو الأجل؛ وهو من أهم ما يجب على الإنسان أن يستحضره في حياته؛ لئلا يُلهيه طول الأمل عن استثمار مفاتيح النجاح في الدنيا والآخرة، ولئلا يُنهِك نفسَه ويُعِلّها فيُفضِيَ به ذلك إلى الاكتئاب، ومختلف العِلل النفسية.

وأضلاع هذا المربّع المتساوية المُغلِقة على الإنسان، يُمكن أن تُصوّر لنا أسوار الأقدار التي لا تخرقها سوابق همم الإنسان.

وخط طول أمل الإنسان يوجد خارج المربع؛ لأنه لم يقدّر له بلوغه فهو خارج أسوار الأقدار؛ فيكون بذلك ما يوجد في محيط المربع الداخلي هو مجال الإنسان في حياته الدنيا، ومُنتَهَى آماله ومُقامه الذي أقامه الله فيه.

فبهذا الرسم التوضيحيّ السّهل الممتنع، الذي استُعملت في صناعته وعرضه وسائل بسيطة، بيّن النبيّ صلى الله عليه وسلم لصحابته قيماً عظيمة؛ كالحثّ على التوسُّط والاعتدال في الأمل، واستحضار محدودية العمر، واستحالة الخلود في الدنيا، وهو ما يدفع الإنسان إلى الاجتهاد في أداء الواجبات بإخلاص، والتّحلي بالخلق الحسن، واجتناب مسالك الشرور، والصّبر على ما يعترضه في حياته من مصائب وابتلاءات.

وتكمُن أهمية رسمه صلى الله عليه وسلّم التواصلي والتربوي، في كونه يستدعي حاسة البصر للمشاركة في عملية الإدراك والاستيعاب؛ فيزيدُ ذلك كلامَه صلى الله عليه وسلم قُوةً ودلالةً ورسوخاً في الذِّهن؛ لأن المعاني المعقولة لا تستقرّ في الذهن إلا إذا صيغت في صورة حسّية قريبة المعنى، وهو دافع للمُختصين في مجال “الجرافيك”، من أجل صناعة رسومات توضيحية تربوية باستثمار الوسائل التكنولوجية الحديثة، ومن أجل تذليل عقبات العلوم والمعارف، وتيسير استيعاب مباحثها.

من أجل ذلك، أفردنا المحور الثاني لإيراد ضوابط إتقان صناعة الإنفوجرافيك التربويّ في ضوء ما تقدّم.

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق