مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

الرؤية الكلية لموسوعة النساء والإسلام

لا شك أن لعلومنا ومعارفنا الإسلامية جوانبها المضيئة الكثيرة، غير أنها عادت ولآماد متعاقبة من انحسار البحث في جوانب الرؤية الكلية والتمثل النسقي، مما كانت له تجلياته وآثاره المباشرة في مجال امتلاك النواظم المنهاجية التي تسمح بتوسع ونماء متماهيين لهذه العلوم والمعارف مع مرتكزات وضوابط المرجعية المؤسسة: الوحي، مما بات يقتضي استدراكا ناجزا.
وعلم الفقه عموما، وفقه المرأة خصوصا.. ليس بنشاز عن هذه القاعدة العامة، إذ الاستنباطات المختلفة التي شهدت مضماره، والتي أضحت اليوم تعتبر ثوابت فيه، قل أن تم الانتباه إلى الأنساق المعرفية والتصورية، والمركبات المفاهيمية الكامنة وراءها، وإلى أصول الاستعمالات المصطلحية التي تؤثث مجالاتها.. ومدى اتساقها مع أصول الرؤية الكامنة في الوحي، مما يقتضي أيضا بحثا ناجزا مستأنفا تحرر فيه معالم رؤية الوحي للمرأة بشكل واضح، كما وجب أن يتم النظر التفحصي والتقويمي للأنساق المعرفية والمركبات المفاهيمية والاستعمالات المصطلحية السائدة في هذا الفقه، لتتم مراجعة مختلف الاستنباطات المكونة له في ضوء كل ذلك…
فقضية المرأة وما يتعلق بها من خلق وفطرة، ومن شؤون الحياة سواء على المستوى الذاتي الفردي أو على مستوى الأسرة أو مستوى الأمة أو الوجود الإنساني كله.. لا شك مستوعب في الرؤية القرآنية لغائية الخلق وتكامليته في إطار سنن الغيب والشهادة، غير أنها رؤية – كما سبق- تحتاج إلى تجريد وتحرير.
والرؤية الكلية القرآنية لقضية المرأة، يتم الدخول إليها عبر مجموعة من المفاهيم المفاتيح: الله، الإسلام، الخلق، النفس الواحدة، الزوج، الأهل، الذكر والأنثى، الرجل والمرأة… وهذه الألفاظ ليست مترادفة، وإنما لكل لفظ استعماله الخاص في مختلف سياقات الخطاب القرآني التي ترد فيه. إلا أنه لا يمكن الجزم منذ الآن بأي الألفاظ يشكل المفهوم المفتاحي المركزي في قضيتنا هذه، هل هو المرأة؟ أم النساء؟ أم الأنثى؟ لأنه لا يمكن تبين ذلك إلا بعد استكمال الدراسة المعجمية والمصطلحية كما هي مبينة في مظانها المنهاجية.
سوف نحرص في عملنا هذا – إن شاء الله- على أن تشتمل مجموعة المفاهيم المفتاحية مفهومي الله والإسلام، لأنه لا يمكن فهم قضية المرأة إلا في إطار منظومة التوحيد، فالتوحيد ليس مفهوما دينيا بالمعنى الضيق للدين، بل هو رؤية للكون تنعكس على منهج التفكير ومسلك التفاعل الاجتماعي. ففي منظومة الإسلام التوحيدية يوجد الله المركز، خالق الكون والإنسان، وتوجد الأرض مستودع هذا الإنسان ومستقره والتي جعل فيها خليفة حاملا للأمانة ذكرا كان أم أنثى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ النحل 97.
بدون هذه المفاتيح إذن، لا تمكن الإحاطة بالقضية كلية ولا استكمال التصور للقضية.
هناك أمر ثان، وجب التنبيه إليه أثناء مراجعة وبناء التراث الإسلامي الذي أنتج حول المرأة، وهو التمييز بين النص المؤسِّس والنص المؤسَّس، لأن هذا الأخير مع طول الأمد عبر عصور الجمود والتقليد أضحى هو المرجع. وهذا ما وجب أن يستدرك بالعلم والتأصيل التاريخي والشرعي، أما الرفض لما هو كائن والدفاع عما كان وعما يجب أن يكون، فهما أمران غير مجديين، ولا مناص من قراءة نسقية تستحضر أبعاد الوحي ومقاصده لاستكمال التمثل، واستبانة حلول واقعية للإشكالات التي راكمتها القراءات المجزئة والمعضية لنصوص الوحي.
أمر ثالث وجب التنبيه إليه، وهو أن قضية المرأة وإشكالاتها ليس مردها كلها إلى النص الشرعي، وإنما يتداخل فيها الشرع بالعرف، وبالعادات الاجتماعية والتقاليد مما وجب بصدده استعمال مفاتيح علوم التاريخ والاجتماع.
يتبين من خلال ما سبق، أن هذا العمل الموسوعي عمل تكاملي وجب أن تتضافر لإنجازه جهود أهل مختلف الاختصاصات بواسطة منتديات تفكير ومنابر حوار وحلقات تأمل ونقاش، وندوات ومؤتمرات، يأمل مركز التفكير والبحث في قضايا المرأة أن يطلق مبادرات بشأنها في تعاون مع كل أهل الاهتمام والإرادات الطيبة بهذا الخصوص.والله الهادي إلى سواء السبيل.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق