مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

الحلقة الثامنة – بلاغة التتميم من خلال فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب للإمام العلامة شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبيّ (ت:743هـ)

إن القرآن الكريم هو المثل الأعلى في البلاغة، وبهر العقول بمسلكه الغريب، ومنزعه العجيب، وسبكه البديع وحبكه الرفيع، واحتوى بين دفتيه على نكت بلاغية لطيفة وطرر بيانية منيفة، ومنها أسلوب التتميم، الذي قام الإمام الطيبي –رحمه الله – بتتبعه واستقرائه، وحرص على تفصيل مجمله وتبيين مشكله.

تعريف التتميم:

التتميم في اللغةِ مصدر تمم الشيء يتممه تتميما، إذا أكمله،  وأما في اصطلاح البلاغيين فهو –كما قال الطيبي رحمه الله –: «تقييد الكلام بتابع يفيد مبالغة أو صيانةً عن احتمال المكروه»(1)، وهو نفس التعريف الذي ذكره في التبيان(2)، وعرفه القزويني بأنه: «أن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة تفيد نكتة»(3). وقال الزركشي – رحمه الله -: «القسم الخامس والعشرون: التتميم، وهو أن يتم الكلام فيلحق به ما يكمله إما مبالغة أو احترازا أو احتياطا، وقيل هو أن يأخذ في معنى فيذكره غير مشروح وربما كان السامع لا يتأمله ليعود المتكلم إليه شارحا كقوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} ، فالتتميم في قوله: {على حبه} جعل الهاء كناية عن الطعام مع اشتهائه. وكذلك قوله: {وآتى المال على حبه} وكقوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة} ،فقوله: {وهو مؤمن} تتميم في غاية الحسن»(4).

ونجد الطيبي – رحمه الله – يجعل التتميم ضمن أبواب البديع في «التبيان»، ومثله يحيى بن حمزة العلويّ في «الطراز»، وأما القزويني – رحمه الله – فأدرجه ضمن مباحث الإطناب، ولا مشاحة في الاصطلاح، كما نبه إلى ذلك السُّيوطي في «عقودِ الجُمان».

وبين التتميم والتكميل (أي الاحتراس) شبه قويّ(5) حتى قال البهاء السبكي: «وليت شعري: أي فرق في اللغة بين التكميل والتتميم وهما شيء واحد؟»(6)، حتى إن بعض البلاغيين جعلهما شيئا واحدا، كالعسكري في «صناعتيه» الذي جمعهما في فصل واحد، وقال: «الفصل التّاسع عشر في التتميم والتكميل، وهو أن توفيَ المعنى حظَّه من الجودة، وتعطيه نصيبه من الصحة؛ ثم لا تغادر معنى يكون فيه تمامه إلا تورده، أو لفظا يكون فيه توكيده إلا تذكره»(7)، ثم ساق الأمثلة التي يذكرها أهل البلاغة في بابي التتميم والتكميل.

ومثله العلوي في «طرازه»، فلم يذكر التكميل بل ذكر التتميم، وجعله على ثلاثة أوجه، ذكر في الوجه الثاني الأمثلة التي يذكرها أهل البلاغة في باب التكميل، ومنها البيت المشهور لطرفة بن العبد، قال: «وثانيها [أي ثاني أوجه التتميم الثلاثة] أن تكون واردة على جهة الصيانة عن احتمال الخطأ فترد رافعة له، ومثاله ما قاله بعض الشعراء: [الكامل]

فسقى ديارك غير مفسدها … صوب الرّبيع وديمة تهمي

فقوله: (غير مفسدها) فضلة واردة لرفع الإيهام الحاصل ممن يدعو على الديار بكثرة المطر ليكون مفسدا لها، فانظر إلى موقع هذه اللفظة ما أرقه وما ذاك إلا من أجل ما اشتملت عليه من هذا الاحتراز الذي ذكرناه»(8).

وذكر الحموي في خزانته ما نصه: «ولقد وهم جماعة من المؤلفين، وخلطوا التكميل بالتتميم، وساقوا في باب التتميم شواهد التكميل وبالعكس. وتأتي شواهد التكميل في مواضعها، والفرق بين التكميل والتتميم: أن التتميم يرد على الناقص فيتمه، والتكميل يرد على المعنى التام فيكمله، إذ الكمال أمر زائد على التتميم، وأيضًا، فإن التمام يكون متممًا لمعاني النقص لا لأغراض الشعر ومقاصده، والتكميل يكملها»(9).

ويظهر من تعريف الإمام الطيبي –رحمه الله تعالى – أن التتميم على وجهين: وجه يكون للمبالغة وآخر للصيانة عن احتمال المكروه.

أمثلة:

** قوله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة:3]، قال الطيبي –رحمه الله -: «قال صاحبا “الإيجاز” و”الانتصاف”: الرحمن أبلغ؛ لأنه كالعلم إذ كان لا يوصف به غير الله، فكأنه الموصوف. وهو أقدم؛ إذ الأصل في نعم الله أن تكون عظيمة، فالبداية بما يدل على عظمها أولى. هذا أحسن الأقوال وأقرب إلى مراد المصنف؛ يعني أن هذا الأسلوب ليس من باب الترقي، بل هو من باب التتميم: وهو تقييد الكلام بتابع يفيد مبالغة؛ وذلك أنه تعالى لما ذكر ما دل على جلائل النعم وعظائمها، أراد المبالغة والاستيعاب، فتمم بما دل على دقائقها وروادفها؛ ليدل به على أنه مولى النعم كلها: ظواهرها وبواطنها، جلائلها ودقائقها، وهو المراد بقوله هنا: “أردفه الرحيم، كالتتمة والرديف”، وفي “الفاتحة” قوله: “من كونه منعماً بالنعم كلها: الظاهرة والباطنة والجلائل والدقائق”، ولو قصد الترقي لفاتت المبالغة المذكورة وذهب به معنى التعميم المطلوب في ألفاظ “الفاتحة” كما سبق. وذلك أن الترقي يحصل فيما إذا قلت: فلان يعلم التصريف والنحو، والتتميم لا يحصل إلا من قولك: يعلم معاني كلام الله المجيد والتصريف؛ إذ من شرط التتميم الأخذ بما هو الأعلى في الشيء، ثم ما هو أحط منه ليستوعب جميع ما يدخل تحت ذلك الشيء؛ لأنهم لا يعدلون عن الأصل والقياس إلا لتوخي نكتة، والجواب إذن من باب الأسلوب الحكيم، والله أعلم.

والذي عليه ظاهر كلام الإمام: أنه من باب التكميل وهو أن يؤتى بكلام في فن، فيرى أنه ناقص فيه فيكمل بآخر، فإنه تعالى لما قال: “الرحمن” توهم أن جلائل النعم منه، وأن الدقائق لا يجوز أن تنسب إليه لحقارتها، فكمل بالرحيم. وينصره ما روينا عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع”، وزاد: “حتى يسأله الملح”، أخرجه الترمذي»(1/715)

** قوله: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[البقرة:74] ففي قوله: (لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ) تتميم، ومعناه: «ومنها ما ينشق انشقاقا بالطول أو بالعرض فينبع منه الماء». قال الطيبي –رحمه الله -: «فيه على ما فسر معنى التتميم دون الترقي، ليكون على وزان قوله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة: 3] إذ لو أريد الترقي لقيل: إن منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وإن منها لما يتفجر منه الأنهار. وفائدته: استيعاب جميع الانفعالات التي على خلاف طبيعة هذا الجوهر، وهو أبلغ من الترقي. نعم، الترقي من قوله: (لَمَا يَتَفَجَّرُ) إلى آخره إلى قوله: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ) تتميم للتتميم»(2/544).

** قوله: (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)[البقرة: 84]، قال الطيبي –رحمه الله -: «يجوز أن يكون (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) حالاً على سبيل التتميم، وعلى هذا عطف جملة على جملة للإلزام والتبكيت»(2/560).

** قوله: (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[البقرة: 211]. نبه الطيبي –رحمه الله – على أن قوله: (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ) تتميم، قال الزمخشريّ: «فإن قلت: ما معنى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ)؟ قلت: معناه: من بعد ما تمكن من معرفتها أو عرفها، كقوله: (ثُمَّ يُحَرِفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ) [البقرة: 75]؛ لأنه إذا لم يتمكن من معرفتها أو لم يعرفها فكأنها غائبة عنه»(3/330).

** قوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 245)، قال الطّيبي –رحمه الله -: «وقوله: (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ) تتميم للتحريض على الإنفاق، وإيذان بأن الإنفاق والإمساك لا ينقص من المال ولا يزيد، بل الله هو الموسع والمقتر، هذا على تأويل الإقراض بالإنفاق في سبيل الله كالتجريد للاستعارة، وعلى تأويل المجاهدة في نفسها وإما بمعنى المفعول كالترشيح لها»(3/456).

** قوله: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) [البقرة:255]، ذكر الطيبي أن قوله هذا أبلغ لو قال: (لا تأخذه نوم ولا سنة)، وقال: «وقلت: المذكور أبلغ من عكسه، وهو من باب فحوى الخطاب والتتميم، وذلك أن قوله تعالى: (لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ) يفيد انتفاء السنة، واندرج تحته انتفاء النوم بالطريق الأولى على باب قوله: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا) [الإسراء: 23] ثم جيء بقوله: (وَلا نَوْمٌ) تأكيداً للنوم المنفي ضمناً، ولو عكس لكان من باب الترقي على معنى: لا تأخذه سنة فكيف بالنوم؟ كما قال المصنف في قوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء: 172]، كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية، فكيف بالمسيح. وقد نبهت في “الرحمن الرحيم” على أن التتميم أبلغ من الترقي، فأحسن تدبره فإنه لطيف جداً، ومنه قوله تعالى: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا) [الكهف: 49]، قال صاحب “المثل السائر”: إن وجود المؤاخذة على الصغيرة يلزم منه وجود المؤاخذة على الكبيرة، وعلى القياس: ينبغي أن يكون لا يغادر كبيرة ولا صغيرة؛ لأنه إذا لم يغادر صغيرة فمن الأولى أن لا يغادر كبيرة، وأما إذا لم يغادر كبيرة فإنه يجوز أن يغادر صغيرة؛ لأنه إذا لم يعف عن الصغيرة اقتضى القياس أنه لا يعفو عن الكبيرة، وإذا لم يعف عن الكبيرة فيجوز أن يعفو عن الصغيرة، وكذلك ورد قوله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا) [الإسراء: 23]».(3/ 486)

** قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ…)[البقرة:266] قال الزمخشري –رحمه الله -: « فإن قلت: كيف قال: (جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) ثم قال: (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ)؟…»، قال الطيبي في بسط كلامه: «قوله: (فإن قلت: كيف قال: (جَنَّةٌ)؟ )، وجه السؤال أن النخيل والأعناب نوعنا من أنواع الأشجار المثمرة وداخلان تحت قوله: (لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) فما وجه اختصاصهما بالذكر ثم إتباعهما بقوله: (مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ)؟ أجاب عنه بجوابين، أحدهما: أنه من باب التتميم على منوال (الرحمن الرحيم)، ذكر أولاً: ما هما أفضلا الجنس وأكملاه نفعاً، وأراد بهما جميع الجنس بالتغليب، ثم أردفهما بما يشتمل على الجنس ليكون كالتتمة والرديف لهما، ألا ترى كيف قال في (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ): لما قال: الرحمن تناول جلائل النعم وعظائمها، أردفه بالرحيم ليتناول ما دق منها، وقال ها هنا: “ثم أردفهما” ذكر كل الثمرات صيانة للكلام عن توهم غير الشمول. وثانيهما: أنه من باب التكميل، فيكون ذكرهما من إطلاق أعظم الشيء على الشيء كله، فعلم من هذا: أن له جنة كثيرة الأشجار والأثمار ولم يعلم أن له فيها منافع أخر غيرهما فقيل له: (فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) ليعلم أن له غيرهما، يدل عليه تنظيره بقوله: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ) [الكهف: 34]، وفسره بقوله: “أي: كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الدثرة من الذهب والفضة وغيرهما” والله أعلم»(3/528).

** قوله تعالى: (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[البقرة:117] قال الزمخشري: «شبه ما كانوا ينفقون من أموالهم في المكارم والمفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس لا يبتغون به وجه اللَّه بالزرع الذي حسه البرد فذهب حطاما. وقيل: هو ما كانوا يتقربون به إلى اللَّه مع كفرهم. وقيل: ما أنفقوا في عداوة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضاع عنهم؛ لأنهم لم يبلغوا بإنفاقه ما أنفقوه لأجله. وشبه بحرث قوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ»، قال الطيبي –رحمه الله -: «قوله: (وشبه بحرث قوم): عطف على قوله: “شبه ما كانوا ينفقون” على طريقة التتميم وإعادة اللفظ لإناطة معنى آخر، يعني: ما اكتفى بتشبيه النفقة بالزرع الذي ذهب حطاماً، بل خص الزرع بأن يكون لقوم ظالمين، ليكون أبلغ في القصد، لأن الإهلاك إذا كان عن سخط كان أشد وأبلغ، ثم إذا أخذ مع التشبيه معنى: (وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ليكون تتميماً آخر للمشبه به، على أن يكون (وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ) معطوفاً على مقدر هو استئناف كلام، المعنى: بلغ هلاك أهل الحرث واستئصالهم إلى حد إذا شهد الناظر إلى أحوالهم يقول مترفقاً: هؤلاء المرحومون حملوا ما لا يد لهم عليه، فقد ظلموا، فيجاب: بأنه ما حملهم الله ما لا طاقة لهم عليه وما ظلمهم ولكن أنفسهم يظلمون، يبلغ بالتشبيه إلى حد يناطح السماك في المبالغة لما علم في موضعه أن التشبيه كلما كان أكثر تفصيلاً كان أدخل في القبول وأبلغ في الاعتبار، وأما إذا جعل تتميماً للمشبه فلم يكن كذلك، وإلى الوجهين الإشارة بقوله: (وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ) الضمير للمنفقين أو لأصحاب الحرث الذين ظلموا أنفسهم) (4/229)

** قوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (*) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 128-129]، قال الطيبي –رحمه الله -: «وقوله: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تتميم مناد على أن جانب الرحمة راجح على جانب العذاب، وفي قوله: (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) تتميم لأمر التعذيب وإدماج لرجحان المغفرة، يعني: سبب التعذيب كونهم ظالمين، وإلا فالرحمة مقتضية للغفران. انظر إلى هذا النظم الأنيق والترتيب السوي، وأعجب بمن يفككه بالتقديم والتأخير ويقول: “يتصامون ويتعامون عن آيات الله فيخبطون خبط عشواء” عفا الله عنه» (4/258).

** قوله: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]، قال الطيبي –رحمه الله -: «قوله: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ) : متعلق بالنهي، أي: تتميم له كالتعليل، لأن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الصحابة الكرام تسلية لما أصابهم يوم أحد، فلا جائز أن يجري على حقيقة الشرط»(4/273).

** قوله: (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)[آل عمران:193]، قال الطيبي –رحمه الله -: «قوله: (ذُنُوبَنَا): كبائرنا، (سَيِّئَاتِنَا): صغائرنا) خولف بين معنييهما ليكون من باب التتميم للاستيعاب كقوله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة: 3]» (4/387).

** قوله: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (*) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[النساء:139]، قال الطيبي –رحمه الله -: «والفاء في {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ} للتعقيب، وهو تتميم لمعنى الإنكار، أي: يطلبون العزة عند الكفار بعد أن عرفوا أن العزة لله جميعاً»(5/195).

** قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) [المائدة:2]، ففي قوله: (وَلَا آمِّينَ) تتميم، «وهو: توخي المبالغة في النهي عن تعرض القاصدين مع كونهم مشركين وإن كانوا مجرمين»(5/ 259)

** قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[المائدة: 54]، فقوله: (لَوْمَةَ) و(لَائِمٍ) بتنكير اللفظتين مبالغتان؛ «لأنه ينتفي بانتفاء الخوف من اللومة الواحدة خوف جميع اللومات، لأن النكرة في سياق النفي تعم، ثم إذا انضم معها تنكير فاعلها يستوعب انتفاء خوف جميع اللوام، وهذا تتميم في تتميم، أي: لا يخافون شيئاً من اللوم من أحد من اللوام».(5/398)

** قوله: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[الأنعام: 102]، قال الطيبي:«وقوله: (وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ): تتميم للصفات، أو تكميل لأمر العبادة، فقوله: “وهو، مع تلك الصفات، مالك لكل شيءٍ من الأرزاق والآجال، رقيب على الأعمال” يحتملهما، أي: هو الحقيق بالعبادة، لأنه المنزه عن النقائص، والمنفرد بالإلهية، والمختص بالخالقية، ومع ذلك متكفل لأرزاق العباد، رقيب على أعمالهم، بيده آجالهم وسائر ما يرتفقون، ويحتاجون إليه، فلم لا يخصونه بالعبادة؟» (6/197).

** قوله: (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)[الأنعام: 154]، قوله: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)، قال الزمخشري: «أي: تتمةً للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل ما أمر به أو تماماً على الذي أحسن موسى من العلم والشرائع، من: أحسن الشيء؛ إذا أجاد معرفته، أي: زيادةً على علمه على وجه التتميم»، قال الطيبي: «وعلى العهد: (أحسن) إما بمعنى الإحسان في الطاعة، والامتثال بجميع ما أمر به، كقوله تعالى: (وأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ) [البقرة: 195]، أو بمعنى الجودة في العمل والإتقان فيه. قال الله تعالى في سورة يوسف: (من المحسنين) [يوسف: 36]: “من الذين يحسنون عبارة الرؤيا، ويجيدونها، أو من المحسنين إلى أهل السجن”. وفي هذا الوجه من المبالغة ما ليس في الأول، لأن الإحسان على الأول نفس الطاعة، وفي هذا زيادة عليها. ومن ثم قال: “أي: زيادة على علمه وجه التتميم”. والتتميم على هذا للاستيعاب، وعلى الأول بمعنى التكميل» (6/298).

** قوله: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ)[الأعراف: 80] فقوله: (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) أي: أنتم أوّل من عمله، كما قال الزمخشري، وذكر الطيبي أنها جملة «مبتدأة، مؤكدة لمعنى الإنكار، على سبيل التتميم والمبالغة فيه. أي: ما كفاكم ارتكاب هذه الفاحشة، حتى كنتم مقتدين فيها؟ كقولها:

وإن صخراً لتأتم الهداة به  ///  كأنه علم في رأسه نار» (6/459)

** قوله: (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ)[الأعراف: 108] فقوله: (للناظرين) يتعلق بـ (بيضاء)، والمعنى: فإذا هي بيضاء للنظارة، ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضها بياضاً عجيباً خارجاً عن العادة، يجتمع الناس للنظر إليه كما تجتمع النظارة للعجائب، قاله الزمخشري، قال الطيبي: «يريد: أن قوله تعالى: (للناظرين) من التتميم، كقول امرئ القيس:

حملت ردينياً كأن سنانه /// سنا لهبٍ لم يتصل بدخان

فإن النار الشاعلة إذا لم يتصل بها دخان، كانت أشد ثقوباً. جلب في البيت معنىً لتربية المعنى، كما أثبت في الآية معنىً لتربية المعنى» (6/506).

** قوله: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الأنفال:41]، فقوله: (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) بدلٌ، قال الطيبي: «وفي إبدال (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) من (يَوْمَ الْفُرْقَانِ) معنى التتميم، وأن المراد بالآيات القدرة، وفيه تصوير تلك الحالة الدالة على ضعف أحد الفريقين وقوة الآخر، وغلبة الضعيف على القوي بما أنزل الله من أسباب الفتح والنصرة، ولو قيل يوم بدر، لم يفد هذا المعنى، والذي يدل على التصوير إبدال قوله: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا) [الأنفال: 42] ثم إبدال (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال: 44]»(7/108).

** قوله: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81]، قال الطيبي: «ويمكن أن يقال: إن قوله: (لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) تتميم للتجهيل، أي: قل لهم هذا وجهلهم به، وليتهم يفقهون ما تعنيه بقولك. قال القاضي: ” (لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) أنها كيف هي، ما اختاروها بإيثار الدعة على الطاعة”»(7/317).

** قوله: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[يونس:27]، قال الطيبي: «لما أريد التتميم فيه وانضمام العبوسة والتحير مع الظلمة شبهت بالليل، وأوقع (مُظْلِماً) حالاً منه؛ ليتصور من ذلك تخمة السحاب وتكاثف المطر وما يلحق لمن حصل فيه من التحير والخوف والدهشة»(7/475).

** قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ)[يونس:42]، معناه – كما قال الزمخشري – :«أتطمع أنك تقدر على إسماع الصم ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم، لأنّ الأصم العاقل ربما تفرّس واستدل إذا وقع في صماخه دوي الصوت فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعاً، فقد تمّ الأمر» قال الطيبي: «قوله: (وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ) تتميم لقوله: (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ)، كما في قولك: أتكرم زيداً ولو أهانك. فـ”لو” بمعنى “إن”، فقوله: “لأن الأصم” تعليل لإرداف التتميم»(7/493)

** (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (*) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) [مريم: 75، 76]، قال الطيبي: «والذي يقتضيه النظمُ أن قوله: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً) تتميمٌ لمعنى قوله: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) ومشتملٌ على تسلية قلوب المؤمنين مما عسى أن يختلج فيها من مفاخرة الكفرة شيءٌ، كما أن قوله: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً) تتميم لوعيدهم، وكلاهما من تتمة الأمر بالجواب عن قولهم: (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً) كما قررنا»(10/93).

** قوله: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (*) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) [طه:17-18]، قال الزمخشري: «ذكر على التفصيل والإجمال المنافع المتعلقة بالعصا، كأنه أحس بما يعقب هذا السؤال من أمر عظيم يحدثه الله تعالى فقال: ما هي إلا عصا لا تنفع إلا منافع بنات جنسها وكما تنفع العيدان، ليكون جوابه مطابقا للغرض الذي فهمه من فحوى كلام ربه. ويجوز أن يريد عزّ وجلّ أن يعدّد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا ويستكثرها ويستعظمها، ثم يريه على عقب ذلك الآية العظيمة، كأنه يقول له: أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى المنسية عندها كل منفعة ومأربة كنت تعتدّ بها وتحتفل بشأنها». قال الطيبي معلقا على كلامه: «فعلى الأول: التعداد لأجل تحقير شأنها، والمراد بقوله: (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) التتميم للتحقير، أي: مآرب معدودة، وعلى الثاني: التعداد لأجل التعظيم، و (مَآرِبُ أُخْرَى): تتميم للتفخيم، أي: لا تُحصى ولا تُعد، ولعل هذا الوجه أحسن الوجوه،»(10/153).

** قوله: (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (*) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [طه: 118 – 119]. الشبع والرىّ والكسوة والكنّ: هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان،

«أُوردَ على خلاف ما عليه ترتيبُ الآية ليشيرَ إلى أنه من باب التتميم والاستيعاب، يعني كان من الظاهر أن يُضم الشبعُ والريُّ في قرنٍ واحد، و”الكسوةُ والكِنُّ” في آخر، فخولفَ لينبه على أن المذكور هي الأقطابُ التي يدورُ عليها الكفافُ، يعني إنما ضم الشبع واللبس ليؤذن بعدم استغناء الإنسان عنهما، وأنهما من أصولِ النعم، وجمع الاستلال والري ليُشير إلى أنهما تابعان لهُما ومُكملانِ لمنافعهما، وهذا أدخل في الامتنان من الظاهر، لما في تقديم أصول النعم وجلائلها، وإرداف توابعها ولواحقها: الإعلام باستجلابها لسائر ما يُفتقرُ إليها في الكفاف، كما سبق في تقديم (الرحمن) على (الرحيم)» (10/258)

** قوله: ({وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} [الأنبياء: 25 – 28] فقوله: (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)أى متوقعون من أمارة ضعيفة، كائنون على حذر ورقبة لا يأمنون مكر الله، وهو «تتميمٌ في غاية الحُسن لضبط أنفسهم، ورعاية أحوالهم كلها سابقها ولاحقها؛» (10/331).

** قوله: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)[الحج:71] قال الطيبي:«ثم انظُرْ إلى معنى التتميم والتنزُّلِ في قوله: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) إذ المعنى: ليس لهم دليلٌ قاطعٌ على صحة ما هم فيه، ولا لهم أيضاً ما يصح عند الضرورة أن يُتمسك به، ولا لهم ذو شوكةٍ يقهر الناس بالتعدي والظُّلم الصرفِ على عبادة ما يدعون» (10/ 528)

** قوله: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (*) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [النور: 16، 17]، قال الطيبي: «قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تتميمٌ لقوله تعالى: (يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا)، إما للزجر تهييجًا، وإما للتحريض على الاتعاظ تعليلًا» (11/42).

** قوله: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) [الفرقان: 59] فقوله: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) فقد اختلف في معاد الضمير في (به)، قال الطيبي: «والوجه أن يحمل قوله: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) على معنى التجريد، وأن يكون الضمير لله، ليكون كالتتميم لمعنى العلم الذي يعطيه قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) إلى قوله: (الرَّحْمَنُ)، كما أن قوله: (وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) تتميمٌ لمعنى قوله: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)»(11/274).

** قوله: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (*) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (*) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء:18-20] فقد نبه الطيبي على ما اشتمل عليه هذا الكلام من ضروب المعاني: «وأما البديع فإن وضع قوله: {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} موضع الكافرين كالتتميم صوناً عن إبهام تصور ما ينافي النبوة من الكفر، وإليه الإشارة بقوله: “ودفع الوصف بالكفر عن نفسه بأن وضع الضالين موضع الكافرين، ربئاً بمحل من رشح للنبوة”، وهذا لما شارك التتميم في إرادة الصيانة قلنا: هو كالتتميم، لأن التتميم هو: تقييد الكلام بتابع يفيد مبالغةً، أو صيانةً عن احتمال المكروه. قال أبو الطيب:

وتحتقر الدنيا احتقار مجربٍ /// يرى كل ما فيها- وحاشاك- فانيا

وتحريره: أنه لما قال: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} وأتى بهمزة التقرير على سبيل التوبيخ، ورتب عليه قوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} كما قررناه، أي: إني ربيتك، وأحسنت إليك لتفعل ما تقر به عيني، وتشكر إحساني إليك، لما تقرر في النفوس أن شكر المنعم واجب، فعكست القضية وقابلتها بالكفران؟ أجاب عليه السلام بقوله: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}، يعني: سلمت أن شكر المنعم واجبٌ، وأني عكست المجازاة، لكن أين النعمة؟ فإن تلك التربية التي مننت بها علي كانت مسببةً عن تعبيد قومي، فهي جديرةٌ بأن تجازى بتلك المجازاة، وإليه الإشارة بقوله: “نعم، فعلتها مجازياً لك، تسليماً لقوله: لأن نعمته عنده كانت جديرةً بأن تجازى بذلك الجزاء”، والله تعالى أعلم»(11/338).

** قوله: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) [النمل:80]، قال الزمخشري: «قوله تعالى: (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)؟ قلت: هو تأكيد لحال الأصم، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولى عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته»، وعبر عن ذلك الطيبي بقوله: «هو من باب التتميم، كقول امرئ القيس:

حملت ردينياً كأن سنانه /// سنا لهبٍ لم يتصل بدخان

فإن قوله: (لم يتصل بدخان) تتميمٌ»(11/582).

** قوله: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [النمل: 91] قال الطيبي:«أضاف الرب إلى البلدة إضافة تمليكٍ، وهو بمعنى: مالك، ثم عقب ذلك بقوله: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} على وجه التتميم، ليؤذن بالفرق بين الملكين، وأن أحدهما كالتابع، والآخر كالمتبوع»[11/601].

** قوله: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (*) إِنَّ الله يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [41 – 42]، فقوله: (إِنَّ الله يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) توكيد للمَثَل وزيادةٌ عليه، قال الطيبي: «أي: تَتْمِيمٌ له للمبالغة فيه؛ لأنَّه أَثْبَتَ في المَثَلِ وَهْنَ دِين عابدِ الوَثَنِ وضَعْفَه، وجُعل هنا عَدَمًا صِرْفًا، فـ(ما) في (مَا يَدْعُونَ) نافيةٌ» (12/174).

** قوله: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ): «تتمِيمٌ لمعنى التَّجهيلِ الذي يُعطيه قولُه: {يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} يعني: ما عَرَفوا أنَّ ما يَدْعونَه ليس بشيءٍ، ولا عَلِموا أنَّه {الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} حيث تَرَكوا عبادةَ القادِرِ الحَكيمِ إلى ما ليس معه مُصحِّحُ العِلْمِ والقُدرةِ»(12/175).

** قوله: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [الروم: 29]، قال الزمخشري: «قوله: (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان»، قال الطيبي: «وقلت: ليس الكلامُ في النُّصرةِ والخِذلانِ، بل في الهدايةِ والضَّلالِ {وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} كالتتميم لمعنى إرادة الإضلال والمَنْع من الهداية، وذلك أنّه تعالى عَقِيب ما عَدَّد الآياتِ البيِّناتِ والشواهدَ الدّالَة على الوحدانيّةِ ونَفْي الشَّريكِ وإثبات القول بالمَعاد وضَربَ المَثَل، وفَصَل ذلك بقوله: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

أراد أن يُسَلِّيَ حبيبَه صلى الله عليه وسلم ويُوطِّنَه على اليأس من إيمانهم، فأضرَبَ عن ذلك وقال: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم} وجَعل السَّبب في ذلك أنه تعالى ما أراد هدايتَهم وأنه مختوم على قلوبهم، ولذلك رتَّب عليهم قوله: {فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} على التَّقريع والإنكارِ، ثم ذَيَّل الكُلَّ بقولِه: {وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} يعني: إذا أراد اللهُ منهم ذلك لا مَخْلَص لهم منه، ولا أحدَ يُنقذهم لا أنتَ ولا غيرُك، فلا تذهب نفسُكَ عليهم حسرات، فاهتَمّ بخاصّةِ نفسك ومَنْ تَبِعَك، وأقِمْ وجهَك معهم للدِّين حنيفًا»(12/242).

** قوله: (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَاتِ بِهَا الله إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان:  16]، فقوله: (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) تتميم، قال الطيبي نقلا عن ابن المنير: «تَمّم خفاءَها في نفسها بخَفاءِ مكانِها من الصَّخرة. قالت الخنساء:

وإنَّ صَخرًا لَتاتَمُّ الهُداةُ بِه /// كأنَّه علَمٌ في رأسِه نارُ»(12/295).

** قوله: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا) [الأحزاب: 51]، فقوله: (كُلُّهُنَّ) بالرفع توكيد للضمير في (وَيَرْضَيْنَ)، وبالنصب توكيد للضمير (هنَّ) في (آتَيْتَهُنَّ)، قال الطيبي –رحمه الله -: « وقلت: في توكيدِ الفاعلِ دون المفعولِ إظهارٌ لكمالِ الرضى منهن وإن لم يكن الإيتاء كاملاً سَويًّا، وفي توكيد المفعول إظهارُ أنّهن مع كمال الإيتاء غيرُ كاملاتٍ في الرضى، والأول أبلغُ في المدح؛ لأن فيه معنى التتميم، وذلك أن المؤكِّدَ رفَع إبهامَ التجوُّزِ عن المؤكد»(12/464).

** قوله: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ: 2]، «قوله: (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) تَتْميمٌ لمعنى ما يَسْتلزمُه قولُه: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) إلى آخرهِ من الامتنانِ بمُوجبِ الحمْدِ من فَضائِله المُتكاثرةِ ومن التفريطِ فيما أوجبَ عليهم من الشُّكرِ على تلك النعمةِ الجَسيمة. أي: نَبَّه بهذا الإعلامِ على هَاذَيْن المعنَييْن، ثمَّ عقَّبه بهاذَيْن الوصفَيْن تتميمًا للمقصودِ، يعني: أنّ الله مع ما أولاهُم تلك النعمَ وشَهِدَ منهم ذلك التقصيرَ يزيدُ في تلكَ النِّعَمِ ويَغْفرُ لهم ذلك التفريط»(12/499)،

** قوله: (قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]، قال الطيبي –رحمه الله -: « إنما قيد الفعل بالظرف وهو {فِي هَذِهِ الدُّنْيَا} للإشعار بأن الدنيا مكان الإحسان ومزرعة لحرث الآخرة، فأريد تتميم ذلك المعنى فقيل: {أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ} لئلا يعتذر العامل لتفريطه في الأعمال بالاعتلال بالأوطان، وأنه لم يكن متمكنًا من التوفر على الإحسان في أرضه كأنه قيل لهم: اتقوا ربكم فيما تأتون به وتذرون، وتيقنوا بحصول أمرين: جزاء الإحسان وفسحة المكان فتهاجروا وتحولوا إن لم تتمكنوا من التقوى في أرضكم، ثم اتجه لهم أن يسألوا ويقولوا: فماذا يكون بعد تلك الحسنة لنا من الأجر حينئذ؟ فأجيبوا {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} يعني: أن الله تعالى وفي أجر من سبق عليكم من الأنبياء والصالحين بصبرهم على مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانًا إلى إحسانهم وطاعةً إلى طاعتهم، فلكم الأجر وتوفيته إذا اقتفيتم أثرهم واقتديتم بهداهم» (13/354).

** قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)[الطور: 21]، قال الطيبي –رحمه الله -: «فإن قلت: كيف اتصال {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} بما قبله؟ قلت: هو متصل به على وجه التتميم، إن فسرت الآيات من قوله: {إنَّ المُتَّقِينَ} بجملتها باتصال الثواب والجزاء إليهم تفضلًا، فإنه لما قيل: “وفرنا عليهم جميع ما ذكرنا من الثواب، وما نقصناهم من ثواب عملهم من شيء”، كما قال؛ علم أنهم فكوا رقابهم عما كانت مرهونة به من الكسب، فقيل: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} أي حالهم كيت وكيت، وغيرهم غير مفكوك بما كسبت، ونحوه قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ}» (15/53).

** قوله: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[المنافقون:1]، فقوله: (اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) تتميم، قال الطيبي –رحمه الله -: «قولهم: {نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وقول الله بعده: {واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} في أنك لرسول الله، يوهم أن قولهم هذا كذب، فوسط بقوله: {واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ} صيانةً لهذا الوهم. هذا نوع من التتميم لطيف المسلك، قال أبو الطيب:

وتحتقر الدنيا احتقار مجرب /// يرى كل ما فيها- وحاشاك- فانيا

“وحاشاك” تتميم، ومنه أخذ صاحب “المفتاح” حيث قال: {واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ} فصل في البين، ولو لم يكن لأوهم رد التكذيب إلى نفس الشهادة»(15/424).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) الفتوح (11/339) (1/715)

(2) التبيان (ص:217)

(3) الإيضاح (3/212)

(4) البرهان (3/70)

(5) انظر: معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (2/27)

(6) عروس الأفراح (1/614)

(7) الصناعتين (ص:389)

(8) الطراز (3/94)

(9) خزانة الأدب (1/273)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق