مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

الحلة السيراء فيمن حل بمراكش من القراء -4- أحمدُ بن عبد الرّحمن اللَّخْميُّ

(من كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي ت703ه‍)

 -4- أحمدُ بن عبد الرّحمن بن محمد بن سعيدِ بن حُرَيْث بن عاصِم بن مَضَاءِ بن مُهنَّد بن عُمَيْرٍ اللَّخْميُّ(1).

وكذا نَسَبُه في معجَم شيوخِه الذي جمَعَه له أبو الخَطّاب عُمرُ بن حَسَن بن الجُمَيِّل وطالَعَه به فوافَقَه عليه إلّا في ذكْرِه مهنَّدَ بن عُمَيْر، فإنه أنكرَهُما وقال: لا أعرفُهما، فقال له أبو الخَطّاب: يا سيّدي هما جَدّاك ذكَرَهما فُلان، يُشيرُ إلى بعض المؤرِّخينَ، فتوقَّفَ الشّيخ.

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: وهُو مع ذلك فيما يَظهَرُ لي نسَبٌ مُنقطع لبُعد زمانِ أحمدَ من زمانِ حُرَيث ..

وأحمدُ المترجَمُ به: قُرْطُبيٌّ جَيّانيُّ الأصل قديمًا ثم شرانية، أبو جعفرٍ وأبو العبّاس وأبو القاسم والأخيرةُ قليلة، أكثَرَ عن أبوَي الحَسَن: عامر زَوْج عمّتِه وشُرَيْح، وتلا بقراءتَي الحرميَّيْنِ عليه، وأبوَيْ بكر: ابن عبد الله ابن العَرَبي وابن محمد بن المُرْخي، وأبي جعفر بن عبد الرحمن البِطْرَوجي، وأبي الطاهِر محمد بن يوسُفَ الأَشْتَرْكُونيِّ، ولازَمَه مدّةً، وآباءِ عبد الله: جعفر حَفيدِ مكِّي، وابن محمد ابن المُناصِف، وابن مَسْعود بن أبي الخِصَال، وأبي عُمرَ أحمدَ بن صالح، وأبي القاسم عبد الرّحمن بن أحمدَ بن رضا، وتلا بالسَّبع عليه. وسَمع أبا بكر عبدَ العزيز بن مُدِير، وأبا الحَجّاج الأُنْديَّ، وأبا عبد الله بن موسى بن وَضّاح، وآباءَ محمد: ابن عليٍّ الرُّشَاطيَّ وابنَ المُرسِيِّ وعبدَ الحق بن عَطِيّة، وأبوَيْ مَرْوانَ: عبدَ الرحمن بن محمد بن قُزْمان وابنَ مسَرَّة، وصحِبَ أبا عبد الله بنَ أحمد ابن الحَمْزي، ولقِيَ بسَبْتةَ أبا الفَضْل عِيَاضًا، وكلُّهم أجاز له. وتلا بحرفِ نافع على أبي الحَسَن عبد الجليل بن عبد العزيز، ورَوى عن أبي جعفر بن محمد ابن المُرْخِي، وأبي الحَسَن عبد الرحيم الحِجَاري، وأبي عبد الله بن عبد الرّحمن بن مَعْمَر، وأبي العبّاس بن خَصِيب. وتأدَّبَ في العربيّة بأبي بكر بن سُليمان بن سَمَجُون، وأبي القاسم عبد الرّحمن ابن الرَّمّاك، ودرَسَ عنده «كتابَ سِيبَوَيْه»، وأخَذَ عن الشريفِ أبي محمدٍ عبد العزيز بن الحَسَن كلامَه نظمًا ونثرًا ولم يُذكَرْ أنّ أحدًا من هؤلاءِ أجاز له.

وكتَبَ إليه مجُيزًا ولم يلقَهُ: أبو بكر بنُ عبد الغنيّ بن فَنْدِلةَ، وأبو الحَسَن بن عبد الله بن مَوْهَب، وأبو مَرْوانَ بن عبد العزيز الباجِي.

هؤلاء شيوخُه الذين تحقَّقْنا وجوهَ تحمُّلِه عنهم، ومنهم -ولا نعرف الآن كيفيّةَ روايتِه عنهم-: أبو الحَسَن عبدُ الرّحمن بن بَقِيّ، وأبو العبّاس بن ثَعْبان، وأبو القاسم ابن بَشْكُوال، فهؤلاءِ شيوخُه.

وحَمَّلَه أبو يعقوبَ يوسُفُ بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن التادَليُّ المَرّاكُشِيُّ ابنُ الزّيّات الروايةَ عن أبي بحرٍ سُفيانَ بن العاص، وأبي الحَسَن يونُس بن محمد بن مُغيث، ويَبعُدُ عندي ذلك لإغفالِ أبي جعفرٍ هذا عَدَّهما في شيوخِه، فقد كانت روايتُه تعلو عنهما ولا سيّما عن أبي بحرٍ منهما.

رَوى عنه آباءُ بكر: غالبُ ابنُ الشَّرّاط، والمحَمَّدون: ابنُ عبد الله القُرْطُبيّ وابنُ عبد النُّور وابن محمد بن محُرِز، وأبو جعفر بن محمد أبو حُجّة، وأبو الحَجّاج: ابن حُسَين بن عُمر وابن عبد الصَّمد ابن نَمَويّ، وآباءُ الحَسَن: ابن عبد الله بن قُطْرال، وكتَبَ عنه بعضَ مدّةِ استقضائه، وابن عبد الصّمد ابن الجَنّان، وابنا المحمّدَيْن البَلَويُّ والشارِّي، وابن منصور وابن نَجَبة، وأبوا الحُسَين: عُبَيد الله المدائري ومحمدُ بن محمد بن سعيد بن زَرْقُون، وأبوا الخَطّاب: عُمرُ بن حَسَن بن الجُميِّل ومحمد بن أحمد بن خليل واختَصَّا بهِ، وأبو زكريّا هلال بن عَطِيّة، وبنو حَوْطِ الله: أبو سُليمانَ وأخوه أبو محمد وأبو عُمرَ محمدُ بن أبي محمد، وآباءُ عبد الله: ابن عبد الله الأَزْديُّ مُقيمُ سَبْتةَ وابنُ عبد الحقِّ التِّلِمْسيني وابنُ الصُّميل، وأبو العبّاس: المَوْرُوريُّ وابنُ محمد البُطَيْط، وأبوا علي: الحَسَن بن حَجَّاج وعُمرُ بن محمد ابن الشَّلَوبِين، وآباءُ القاسم: الأحمَدانِ: ابن أحمد البَلَويُّ شيخُنا وابن يَزيدَ بن بَقِيّ، والمحمّدانِ: ابن عبد الواحد بن محمد المَلّاحي وابن محمد بن عبد الرحمن ابن الحاجِّ، وعبدُ الرحيم بن إبراهيمَ ابن الفَرَس، وأبو محمد بن الحَسَن القُرْطُبي، وأبو الوليد محمد بن أحمدَ ابن الحاجِّ، وغيرُهم.

قال لي شيخُنا أبو القاسم البَلَوي: سمعتُ عليه في جماعةٍ كبيرة «المُشرِق» أحدَ تصانيفِه، بقراءة أبي محمد بن حَوْطِ الله في إشبيليَةَ، فلمّا فَرَغَ من قراءتِه استجازَه لنفسِه وللحاضرينَ فأجابَ إلى ذلك وأجاز لنا. وسأله أبو الخَطّاب أحمد بن محمد بن واجِب في صَدْرِ محرَّمِ ثنتينِ وتسعينَ وخمس مئة الإجازةَ العامّة في كلِّ ما يصحُّ إسنادُه إليه على اختلافِ أنواعِه لجميع مَن أراد الرِّوايةَ عنه من طلَبة العلم الموجودينَ من حينئَذٍ، فأسعَفَ بذلك وأجاز لهم، فرَوى عنه بهذه الإجازة جماعةٌ منهم: شيخانا: أبو إسحاقَ بن أحمد بن القَشّاش وأبو عليٍّ الحَسَن بن عليٍّ الماقري، وأبو القاسم القاسمُ بن محمد بن الطَّيْلَسان رحمَهم الله، وسواهم.

وكان مُقرئًا مجوِّدًا، محدِّثًا مُكثِرًا قديم السماع، واسع الرواية عاليَها، ضابطًا لما يحدِّث به، ثقةً فيما يأثره، نشأ مُنقطعًا إلى طلب العلم، وعُني أشدَّ العناية بلقاءِ الشّيوخ والأخْذِ عنهم، فكان أحَدَ من خُتِمت بهم المئة السادسةُ من أفراد العلماءِ وأكابِرِهم، ذاكرًا لمسائل الفقه، عارفًا بأصولِه متقدِّمًا في علم الكلام، ماهرًا في كثير من علوم الأوائل كالطبِّ والحساب والهندسة، ثاقبَ الذِّهن متوقِّد الذكاء، وغير ذلك، متينَ الدِّين، طاهرَ العِرض، حافظًا للُّغات بَصيرًا بالنَّحو مختارًا فيه، مجتهدًا في أحكام العربيّة منفرِدًا فيها بآراءٍ ومذاهبَ شَذَّ بها عن مألوفِ أهلها، وصنَّفَ فيما كان يعتقدُه منها كتابَه «المُشرِق» المذكورَ، و«تنزيهَ القرآن عن ما لا يليقُ بالبيان». وقد ناقَضَه في هذا التأليف أبو الحَسَن بن محمد بن خَرُوف ورَدَّ عليه بكتابٍ سماه: «تنزيهَ أئمّة النَّحو عن ما نُسِبَ إليهم من الخطإ والسَّهْو»، وكان بارعًا في فنِّ التصريف من العربيّة، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مجُيدًا متحقِّقًا في معقول ومنقول، غيرَ أنه أُصيبَ بفَقْدِ أصول أسمِعتِه عند استيلاءِ الروم -دمَّرَهم اللهُ- على المَرِية.. وكان طيِّب النفْس، كريمَ الأخلاق، حَسنَ اللقاء، جميلَ العِشْرة، لم يَنْطوِ قطُّ على إحْنةٍ لمسلم، عفيفَ اللِّسان صادقَ اللَّهجة، نزيهَ الهمّة كاملَ المروءة.

وأدركه عندَ استحكام شَبيبَته بَغْيُ أحدِ حسَدَتِه من بني عَصْره وأهل مِصرِه اضْطَرّه إلى التحوُّل عن وطنِه قُرْطُبة، والاضطراب في الأرض حتى لحِقَ بجبل تين مَلَل أحدِ الجبال الشامخة الغربيّة من مَرّاكُش، فاستَقرَّ به مدرِّسًا العلمَ ناشرًا ما لديه من المعارف، وذلك في عَشْرِ الأربعينَ وخمس مئة -ودولةُ عبد المؤمن وطائفتِه حينَئذٍ في إقبالها ورَوْنقِها وجِدَتِها- فأخَذَ عنه هناك أهلُ ذلك الموضع وغيرُهم، وأقرَأَ أبناءَ عبد المؤمن مدّةً وانتُفعَ به حتى اشتُهر وعُلِم قَدْرُه وفضلُه وعُرِفَ منصبُه وعَظُم صيتُه، وتَعرَّفَ مكانَه من العلم وجَلالتَه أبو يعقوبَ بن عبد المؤمن، وتقَرَّرَ لديه ما هو عليه من التفنُن في المعارِف وحُسن المشاركة في العلوم على تفاريقِها، فاستَدعاهُ واستَدناهُ ونوَّه به ما شاء وأحْظاه، وكان هو وإخوتُه عاملينَ على إيثارِه متنافسينَ في إعظامِه وإكبارِه، وتوَجَّه معَ أبي الحَسَن منهم إلى فاسَ كاتبًا عنه سنةَ .. وخمسينَ وخمس مئة، ثم توجَّه إلى قُرْطُبةَ سنةَ ثلاث وستينَ معَ أخيه أبي إسحاقَ كالشّيخ له، والناظرُ في مسائل طلبةِ الحضر وقاضيها حينَئذ أبو محمد بنُ مُغيث ابن الصّفّار، وبها من رُؤساءِ الطلبة أبو محمّد بن يَغْمور، فجَرَت بينَهم مُناقَضاتٌ أثمرت وَحشة بين أبي جعفرٍ وأبوَيْ محمد، غيرَ أنّ أبا جعفرٍ لم يَشغَلْ بالَه بأمرِهما ولا أخطَرَ بفِكرِه الإلمامَ بذكْرِهما وإن كانَ خواصُّه كثيرًا ما يَعرِضُونَ إليه بثَلْبِهما لديه فيُعرِضُ عنهم ولا يسمعُ منهم، إلى أن تحرّك السيِّد أبو إسحاقَ معَ وفدِ قُرطُبة إلى زيارةِ أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن بإشبيلِيَةَ واستَصحبَ أبا جعفرٍ مُكرَّمًا مبرورًا على جاري عادتِه، وفي تلك المدّة كتَبَ أحدُ المتشبّعينَ بالعلم ممّن كان له تردُّدٌ على أبي جعفر وتشيُّع في جانبِه، وُيعرف بالأرجوني، وكان ممن يُسخَرُ به لجهلِه وهَزْلِه، كتابًا إلى أبي جعفرٍ أودَعَه ضُروباً من الإزراءِ على أبي محمد ابن الصّفّار والتهكُّم به وتمثَّل فيه بهذا الشعر [الرجز]:

* هذا أوانُ الشِّدِّ فاشتدِّي زِيمْ *

يُحَرِّضُ فيه على مطالبة أبي محمد ابن الصّفّار، فكان من سوءِ الاتّفاق أن وقَعَتِ الرُّقعةُ بذلك إلى يدِ أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن، وكان رجُلَ جِدٍّ وتصميم في البُعد عن الهَزْل، فأكبَرَ أمرَها وأنِفَ لأبي جعفرٍ من انحطاطِه إلى مُشافهةِ ذلك النَّذْل واستعمالِه مثلَه ومُسامحتِه إيّاه في مُكاتبتِه إيّاه بمثل ما تضمّنتْه تلك الرُّقعة، فصَرَفَ أبا جعفرٍ عن حضور مجلسِه ووالَى الإعراضَ عنه مدّةً إلى أنِ اقتضَىِ رأيُ أبي يعقوبَ صَرفَ أخيه أبي زكريّا إلى بِجاية، فلمّا حان وقتُ وداعِه شَفعَ عندَه لأبي جعفر بقديم انقطاعِه إليهم وكبير حُرمتِه لديهم، ورَغَّبَ في العفوِ عنه وتقديمِه قاضيًا ببِجاية، فأشْفَعَه في ذلك كلِّه وانصَرفَ معَه أبو جعفرٍ مُوَفّى الحقِّ من البِرِّ والإكرام، مجُرًى على معهودِه من التنويه والاحترام، وأقام ببِجايةَ قاضيًا إلى أن توفِّي السيِّد أبو زكريّا، فاستقْدَمَه أبو يعقوبَ إلى حضرتِه وأعاده إلى مكانِه ومنزلتِه، وبقِيَ من كبار حُضّارِ مجلسِه إلى أن توفِّي قاضي الجماعة أبو موسى عيسى بنُ عِمران بمَرّاكُشَ يومَ .. لخمسٍ بقِينَ من شعبانِ ثمانٍ وسبعينَ وخمس مئة، فقُلِّد أبو جعفرٍ قضاءَ الجماعة ذلك اليوم، وقد كان استُقضيَ قبلَ بِجايةَ بفاس، وبعدَ موت أبي زكريّا بتونُسَ، فتقَلَّده واستقَرّ قاضيًا إلى أن توفِّي أبو يعقوبَ بن عبد المؤمن في العَشْرِ الأُخر من شهر ربيع الأوّل سنةَ ثمانينَ وخمس مئة، وصار الأمرُ بعدَه إلى ابنِه أبي يوسُفَ يعقوبَ المنصور، فأقرَّه على قضاء الجماعة، إلى أن تحرَّك معَه إلى إفريقيَّةَ الحركةَ الثانية المنسوبةَ إلى قَفْصة، وفَصَلَ عن مَرّاكُشَ إليها لثلاثٍ خَلَوْنَ من شوالِ اثنينِ وثمانينَ، ولمّا دَخَلَ المنصورُ القَيْروانَ وجال فيه معتبِرًا بآثارِه وعمِل على الإراحةِ فيه اعتَلَّ القاضي أبو جعفر، وكان للمنصور غَرَضٌ في إنهاضِ أبي عبد الله بن عليّ بن مَرْوانَ، المذكورِ بعدُ في موضعِه من هذا الكتاب إن شاء الله، وإسنادِ قضاء الجماعة إليه تَسَبُّبٌ لذلك بمرض أبي جعفر، وقَدمَ أبا عبد الله مكانه وأقلَعَ من القَيْروان إلى تونُس فاستقَرَّ بها أبو جعفر، وفَصَلَ المنصورُ إلى حضرةِ مَرّاكُش، ثمَّ أبَلَّ أبو جعفرٍ وخاطَبَ المنصورَ يستأذِنُه في القدوم على مَرّاكُش، فكتَبَ له بالتقديم على قضاءِ بِجاية فتولّاه بُرهةً ثم أخّر عنه، وتوجَّه إلى الأندَلُس للقاء المنصورِ بها فاستقَرَّ بإشبيلِيَةَ يُسمِعُ الحديث ويؤخَذُ عنه ضروبُ ما كان عندَه من العلوم.

وما ذكَرَه أبو الخَطّاب بن الجُميّل من أنّ أبا جعفرٍ كان المستعفيَ من القضاءِ معتِذراً بكَبر السنّ والضَّعف عن الوفاء بما يجبُ من القيام بالأحكام، وأن المنصورَ أسعَفَه في ذلك وأعفاه مُكرَّمًا مبروراً، فقولٌ لم يَنْبَنِ على تحقيق، وكذلك ما ذكَرَه الأستاذُ أبو محمد طَلْحةُ، من أنّ أبا القاسم بنَ بَقِي وَليَ خُطّةَ قضاءِ الجماعة لمّا أسَنَّ أبو جعفر ابنُ مَضَاء، غيرُ صحيح أيضًا، وإنّما وَلِيَ أبو القاسم قضاءَ الجماعة لمّا صُرِف عنه أبو عبد الله بنُ مَروانَ بإشبيلِيةَ لسببٍ سيُذكَرُ في اسم ابن مَروان إن شاء الله تعالى.

ولمّا قَدِمَ أبو جعفرٍ الأندَلُس تفَرَّغ لإفادةِ العلم صابرًا محتسِبًا ممكِّنًا طلّابَه منه إلى أن توفِّي عَفَا اللهُ عنه بإشبيلِيةَ قُبَيْلَ صلاة العصرِ من يوم الخميس لثمانٍ بَقِينَ من جُمادى الأولى سنةَ ثنتينِ وتسعينَ وخمس مئة، وصُلِّي عليه بجامع إشبيلِيَةَ عقِبَ صلاة الجمُعة من اليوم الثاني ليوم وفاتِه، ودُفِن إثْرَ الصلاة عليه بمقابرِ السادة خارجَ بابِ جَهْوَر أحدِ أبواب إشبيليَة، ومَوْلدُه بقُرطُبةَ ليلةَ عيدِ الفِطر من سنة إحدى عشْرةَ، وقيل: ثلاثَ عشْرةَ وخمس مئة، وهو أصحّ.

قرأتُ على شيخِنا أبي الحَسَنُ الرُّعَيْنيِّ رحمه اللهُ، ونُقلتُه من خطِّه: قال لي صاحبُنا المقرئُ أبو القاسم: أنشَدَني أبو القاسم ابنُ بَقِيّ وأبو بكر بن غالبٍ، قالا: أنشَدَنا أبو العبّاس ابن مَضاءٍ لنفسِه وقدِ اشتاقَ إلى قُرْطُبةَ وطنِه وهو ببلادِ العُدْوة [البسيط]:

يا لَيْتَ شِعريْ وليتٌ غيرُ نافعةٍ … من الصَّبابة هلْ في العُمْر تنفيسُ؟

متى أرى ناظرًا في جَفْن قُرْطُبةٍ … وقد تغيّبَ عن عَيْنيَّ نَفِّيسُ؟

وقد أنبأني بهذينِ البيتينِ إجازةً إن لم يكنْ سَماعًا شيخُنا أبو القاسم البَلَويُّ عن قائِلهما.

  • الذيل والتكملة 1/395-404.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق