مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةمفاهيم

الحكم العقلي في المذهب الأشعري

                   – مدخل عام –

 

توطئة للموضوع:

يشهد الدرس الأكاديمي في مختلف العلوم الإسلامية سوْرة الاهتمام بالمفاهيم العلمية؛ تنقيبًا في التراث العربي الإسلامي، وتأصيلًا على ضوء اللغة والوحيين، ودراسةً وفق ما استجد من الوسائل والمناهج. وهذه العناية عائدة إلى قيمتها المركزية في فهم الإنتاج العلمي والمحصول المعرفي في هذه العلوم واستيعابها وتنزيل أحكامها. ولا غرو، إذ المفاهيم مفاتيح العلوم؛ فلكل علم مفهوماتُه ومصطلحاته التي تنفتح بها مستغلقاتُه وتنفك غوامضه وتُقرّب أوابده، لذلك وجب على الباحث في كل مجال معرفي الإحاطة بمفاهيمه فهما وتوظيفا؛ فكلما كان الباحث أطول يدا في ضبط المفاهيم وأبعدَ غورا في توظيفها كلما كان علمُه أرشد وأحكم. ولا سبيل إلى النهوض بعلم من العلوم دون إعادة النظر في المفاهيم العُمْدة فيه باستشكالها ونخل مداليلها وتتبع استعمالاتها، بل والاجتراء ـ إذا ما قامت الحجة واستقام الدليل ـ على بيان تاريخيتها ومحدودية قدرتها التفسيرية بالنسبة إلى زماننا ومستجدات عصرنا.

وبخصوص علم الكلام الأشعري هنالك تعطش كبير من قبل الباحثين للتعرف إلى المفاهيم الكلامية التي تؤسس للعقائد الدينية من داخل منهج المتكلمين وفلسفتهم في تقعيد العقيدة وبسطها تقريرا وتبويبا وتدليلا؛ فلا ريب أننا نعيش في زمان احتدمت فيه المواجهات الفكرية والمعارك العقدية سواء بين المتدينين والملحدين، أو بين أتباع الأديان السماوية الثلاثة، أو داخل دائرة الإسلام نفسه، وأحيانا بين أبناء المذهب الواحد.. ويُتوسل في هذه المواجهات والمماحكات برِزَم من المصطلحات والحدود تُسبك في إطار قالب منهجي استدلالي، ما يجعل من استحكام المناهج العلمية وضبط المفاهيم الكلامية مطلبا ملحا وضرورة قصوى في خضم التدافع الفكري الكوني لبيان الحق وإزهاق الباطل؛ فمادام اللسان وسيلة للبيان والتبيين والاستدلال، يبقى المفهوم/الكلمة قطبَ الرحى في صناعة الأفكار وتقرير المذاهب وتقريب المناهج.   

من هذا المهيع المنهجي، تمثل المفاهيم الكلامية في المذهب الأشعري، بحسب تقديري العلمي، نسيجا متواشجا مغزولا بخيط من النظر العقلي الرصين؛ بحيث يتعلق كل مفهوم فيه بقرينه وضميمه، وذلك وفق بنية نسقية ووظيفية صارمة ساهم في بنائها و”نسجها”، خالفا عن سالف، كوكبةُ من كبار علماء العقيدة و”فقهاء” الشريعة. وبما أن علم الكلام استدلالٌ على قضايا الاعتقاد بأحكام العقول وأدلتها فإن أقمن مفاهيمه بالبحث والدراسة هو مفهوم “الحكم العقلي”؛ من جهة تعريفه وتقريبه وبيان منزلته في منهج المتكلمين وأهميته الإجرائية في تقرير العقائد الإيمانية، بل ومحوريته في بناء فهم للدين ينزل فيه العقل منزلة عليا تليق بمكانته في الوحي القرآني باعتباره مناط التكليف وحجة الله، بعد القرآن، على الإنسان، وكذلك من جهة استشكال المعيار (علميا كان أو غيرَه) في إسناد وصف “العقلي” لأحكام المتكلمين الأشاعرة العقدية وما يستتبع ذلك من إثبات “كونية” الحكم العقلي ومطلقيته أو نفيهما.  

●لمحة تاريخية عن ظهور المفهوم وبيان أهميته في المذهب الأشعري: 

ليس من الجدة في شيء الإقرارُ بأن العقائد في المذهب الأشعري تنبني على القول بوجوب النظر العقلي ـ إجماليا كان أو تفصيليا ـ وضرورةِ إصابة الأدلة وإقامة البراهين عليها حتى يصير الاعتقاد علما يقينيا مخرجا لصاحبه من ربقة الكفر أو الجهل أو التقليد ومنجيا إياه في الدارين. وعلى هذا الأساس صدّر جل أشاعرة المشرق والمغرب، ابتداء من القاضي أبي بكر(1)، كتبَهم بباب أو فصل أو مسألة في وجوب النظر العقلي والاستدلال على وجود الله وصفاته؛ لأنه تعالى لا يُعلم بضرورة الحس أو البديهة، وهذا بناء على قاعدة أشعرية راسخة قوامها ـ كما صاغها الغزالي ـ : «أن كل ما يمكن إثباته دون إثبات كلام الباري كمعرفة الله تعالى وصفاته ودرك استحالة المستحيلات وجواز الجائزات ووجوب الواجبات العقلية دون التكليفية بأسرها، فيستحيل دركه من السمع»(2). وهي قاعدة لا نجد أحدا من الأشاعرة المعتبرين شذ عنها أو استدرك عليها، وإلا كان خارجا عن المذهب. وبموجبها يتعذر التعرف إلى الله تعالى من طرُق الحواس والضرورة ـ وإلا لم يتخلف أحد عن الإيمان به تعالى ـ إلا من طريق النظر والاستدلال. وهذا النظر ينطلق من مجموعة من الأحكام العقلية القاضية إما بوجوب شيء أو استحالته أو جوازه كما ينتهي وفق سلسة من الاستدلالات والإلزامات إلى تقرير ما يجب لله تعالى وما يستحيل عليه وما يجوز له. وقد ارتكن الأشاعرة في تسويغ القول بإيجاب(3) النظر إلى بدائه العقول وأحكامها الضرورية التي يشترك فيها جميع العقلاء؛ إذ هي منشأ النظر ومدرك الاعتبار.

إن الخوض في مداليل مفهوم الحكم العقلي يكشف عن تعالقات متينة بينه وبين مجموعة من المفاهيم الأخرى الرئيسة في علم الكلام الأشعري من قبيل العقل والعلم والنظر والضرورة والبديهة..؛ إذ الحكم العقلي يقتضي ابتداء تواطئا على مفهوم محدد للعقل والعلم والنظر مع ما يستتبع ذلك من قول بوجوب النظر العقلي لمعرفة الله تعالى من عدمه، ومن ثم الحكم على من يذهب في المعتقدات مذهب التقليد أو الاتباع. كما يجلي البحث في هذا المفهوم ـ من حيث مصاديقُه ومستلزماتُه ـ مسوغاتِ الأشاعرة العقلية والنظرية في إثبات الصفات الإلهية بحسب التقسيمات المشهورة (النفسية والسلبية وصفات المعاني والمعنوية)، وسلوكِ مسلك التأويل في أخرى (الصفات الخبرية أو المتشابهات عموما) إمعانا في التنزيه، والقول بمبدأ التجويز وما ترتب عنه من أحكام أشعرية خالصة؛ كالقول بنفي العلية في أفعال الباري تعالى، والتكليف بما لا يطاق، ونقض القول بالصلاح والأصلح.. إلى غير ذلك من المسائل العقدية التي ابتناها الأشاعرة على مفهومهم من الحكم العقلي، هذا فضلا عن التمايزات ـ التي يقررها الأخذ بالحكم العقلي في العقائد ـ عن صنفي الأحكام الأخرى؛ الحكم العادي والحكم الوضعي، وما يلزم عنها من علاقة بين الدليل العقلي والدليل النقلي ومجريات العادات. (كما يظهر ذلك في الخطاطة التقريبية أسفله).

وبالجملة؛ يشكل الحكم العقلي في البنية الاستدلالية للمنهج الأشعري حجر الزاوية ونقطة الانطلاق ومحصل العقائد، ولذلك لم يكن عبثا حكمي عليه بأنه نسيج متشابك من المفاهيم المترابطة والتقريرات العقدية المتواشجة؛ بحيث إذا انخرم الواحد منها انخرم الباقي. ولعل هذا الحكم ينسحب على جل المذاهب العقدية؛ لذلك قد يكون الانسلاخ منها (المفاهيم أو المضامين) خروجا من المذهب برمته. 

لكن، بالرغم من المكانة المحورية التي يحتلها مفهوم الحكم العقلي في المنظومة الكلامية الأشعرية ـ بالنظر إلى انبنائها على أحكام العقول وأدلتها كما هو مقطوع به ـ إلا أن نحْته وترسيخه بتقسيماته المنطقية المشهورة وتعريفاته العقدية (الآتي ذكرُها) لم يستو على سوقه إلا على يد المتأخرين من علماء الأشاعرة؛ ولا نقصد بالمتأخرين ما ذهب إليه ابن خلدون في مقدمته(4) واشتهِر عنه، وإنما نعني علماء المذهب الذين غلب على مؤلفاتهم طابعُ الاختصار والتلخيص وتعُقب عليها بالنظم والتحشية والتطرير. ويمكن أن نجعل من الإمام السنوسي (ت. 895) في مقدمة المتأخرين. وآية ذلك أن كتب شيخ المذهب وكبار أتباعه من الباقلاني إلى التفتازاني مرورا بابن فورك والإسفراييني أبي المظفر والبغدادي والجويني والغزالي والأنصاري وابن العربي والرازي وابن خمير السبتي والآمدي والإيجي.. كلَّها عارية من مقدمات أو باب أو فصل في بيان الحكم العقلي أو حده أو تفريع أقسامه، وإن كان داخلا ومضمّنا على وجه الاشتراك في المعنى والدلالات في باب النظر وأقسام العلوم ومراسمها. بالمقابل يكاد يُطبق المتأخرون ـ بمفهومنا ـ على مسلك في التصنيف والتأليف يستهلون فيه كتبهم بمقدمات نظرية في معنى الحكم عموما وتعريف الحكم العقلي خصوصا وبيان أقسامه وخصائصه مولين عناية كبيرة بمعاني هذه المفاهيم العقلية: الواجب والجائز والمستحيل. ويمكن أن نسوّغ ذلك، من جهتين:

ـ أولاهما غلبة مسلك الاختصار والتلخيص الذي طبع أعمالهم؛ فمادام الأمر يتعلق في العقائد بمعرفة وتقرير ما يجب لله وما يستحيل عليه وما يجوز له ـ وهذه أحكام عقلية ـ فقد ألجأهم ذلك إلى الشروع في كتبهم بتعريف الحكم العقلي وبيان أقسامه، خصوصا أن أغلب مؤلفاتهم يعرض باختصار للعقائد الخمسين التي تنطوي عليها الهيللة (شهادة ألا إله إلا الله)(5)، وهي محض أحكام عقلية إما واجبة أو جائزة أو مستحيلة. الأمر نفسه ينطبق على عقائد النبوة الستة عشر المندرجة تحت الحكم العقلي(6).

ـ وثانيتهما سطوة مسلك التحديد المنطقي على المتأخرين من المتكلمين تأثرا بالمنطق الأرسطي، والذي يفرض عليهم تنزيل تعاريف “التصور” و”التصديق”(7) على مفاهيمهم الكلامية وتقريراتهم العقدية، وإن كان هذا التنزيل تحقق منذ حجة الإسلام الغزالي وتبعه في ذلك من جاء بعده كما هو معروف، لكن تميز المتأخرون عن المتقدمين بتطبيقه، ابتداء، على مفهوم الحكم العقلي، وهم جميعا في هذا الأمر شِرْع.

وهذا الرأي، الذي نذهب إليه عن استقراء، ينسحب على جل مؤلفات المتأخرين بدءا من الإمام السنوسي في “مقدماته وعقائده” (الوسطى والصغرى وصغرى الصغرى.. وشروحها)، والأنظام التي استوعبت عقائد الأشاعرة (كجوهرة التوحيد والخريدة البهية)، وتعريجا على من تصدى لهذه المتون بالشرح والتحشية والتطرير. ولولا مخافة التطويل والوقوع في الإملال لاستدعيت جمهرة من أسماء هذه المؤلفات والمنظومات وشروحها والتي تتضارع من حيث منهجُها في ترتيب أبواب العقائد ومسائلها؛ ومنها تموضُع الحكم العقلي فيها موضعَ الصدر والمقدمة(8). 

على أن الفضل في اجتراح القول في الحكم العقلي وتجذير مأخذه في إقامة الأدلة على العقائد يعود إلى إمام الحرمين الجويني (ت. 476هـ). وهذا الحكم مستقًى من كلام زمرة من متأخري المذهب أمثال السنوسي، والملالي تلميذه (كان حيا عام 897هـ)، واللقاني (ت. 1041هـ)، والتميمي المؤخر الصفاقسي (كان حيا عام 1118هـ)، والباجوري (ت. 1276هـ) وغيرهم. وليس يخفى على الملمين بتاريخ علم الكلام أثرُ السلطة المعرفية التي كان يحظى بها أبو المعالي في الأوساط العلمية في العالم الإسلامي عموما والغرب الإسلامي خصوصا، وحسبنا دليلا شروحُ الإرشاد التي اضطلع بها جلة من علماء المغرب والأندلس، من قبيل: المهاد للمازري (ت. 530)، والنكت لابن دهاق (ت. 611)، والكفاية للشريف الإدريسي (كان حيا عام 629هـ)، والإسعاد لابن بزيزة (ت. 662) وغيرها(9)، والتي كان لها أثر بالغ في رسم معالم التصنيف والتحرير العقدي في المرحلة اللاحقة؛ مرحلة المتأخرين. وكان من آثار هذا الاحتفاف والتأثير أنه «منذ إمام الحرمين أضحى الاهتمام بهذه الأحكام العقلية [أي الوجوب والاستحالة والجواز] تقليدا احتذاه الأشاعرة»(10). والباعث على ذلك أن الجويني فتح مهيعا في الاستدلال أصيلا عندما اعتبر أن معرفة هذه الأحكام الثلاثة هي العقلُ نفسه؛ فـ«من لم يعرفها فليس بعاقل»(11). والعقل عند إمام الحرمين «علوم ضرورية بتجويز الجائزات واستحالة المستحيلات..»(12). 

وهذا الحكم تناقله علماء الأشعرية من بعد الجويني جيلا عن جيل حتى صار تقليدا علميا راسخا؛ ويكفي أن متن “أم البراهين” للإمام السنوسي ـ والذي ذاع صيته وطار به العلماء والطلبة كلَّ مطار ـ يُستهل، قبل تقرير العقائد، بتعريف الحكم العقلي بأقسامه الثلاثة. ولذلك لا نعجب من دعوة أتباع المذهب وعلمائه إلى العناية بهذه الأحكام وتحصيل الدّربة في توظيفها، يقول اللقاني في شرحه على جوهرة التوحيد: «وينبغي الاعتناء بمعرفة هذه الأحكام والارتياض عليها؛ لأن إمام الحرمين ادعى أن معرفتها هي العقل بناء على أنه العلم بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات»(13). والعلم بها والارتياض عليها يمكّن صاحبه من نصب الأدلة العقلية على العقائد الدينية والدفاع عنها والمحاججة عليها ودفع شبه الخصوم، لذلك استقر الرأي عند الأشاعرة أن معرفة هذه الأحكام واجبة على كل الناس «فهذه الأقسام الثلاثة يتوقف عليها فهمُ العقائد فتكون هذه الثلاثة واجبة على كل مكلف من ذكر أو أنثى، لأن ما يتوقف عليه الواجب يكون واجبا»(14). بل ذهب بعضهم (وهو الملالي تلميذ السنوسي) إلى أن «معرفة هذه الثلاثة في حق الله وفي حق رسله عليهم الصلاة والسلام هي الإيمان الذي كلفنا به»، وقد عزا هذا القول إلى شيخ المذهب أبي الحسن الأشعري(15).

واستيفاء القول في هذه النبَذ المختصرة عن أهمية مفهوم الحكم العقلي في المنظومة الكلامية الأشعرية أنه ينزل فيها منزلة المفتاح بالنسبة إلى الباب، لذلك وجب الإحاطة ـ فهما ومعرفة ـ بأقسامه الثلاثة لانبناء علم الكلام عليها إذ «لا بد منها لمن أراد الدخول في هذا العلم، وهي استمداده وأصله» (16)، وجميع مسائل العقيدة تُستمد من هذه الأحكام العقلية(17).

في القسم الثاني من هذه الورقة سنبين دلالات الحكم العقلي بأقسامه الثلاثة مستشكلين حجيتها العلمية وقيمتها الاستدلالية مع التعريج على مصاديقها في بعض أبواب علم الكلام.

 

تحرير الباحث: محمد أمين السقال

 

الهوامش:

 

 (1) وهذا الحكم يبقى وجيها بالنظر إلى مصنفات الأشعري التي وصلتنا والتي تعرى عن تصديرها بباب النظر والاستدلال كما هو شأن أتباعه فيما بعد. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن هذه الطريقة في التأليف اجترحها أبو منصور الماتريدي في كتابه التوحيد، ودأب على ذلك الأشاعرة فيما بعد بدءاً من مؤلفات القاضي الباقلاني. انظر قسم الدراسة من تحقيق “الغنية في الكلام”، الأنصاري أبو القاسم، تح: عبد الهادي مصطفى حسنين، دار السلام، القاهرة، ط1، 1331هـ/2010م، ص. 93.

(2) المنخول في أصول الفقه، تح: محمد حسن هيتو، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، سورية ط3، 1419هـ ـ 1998م، ص. 62. وهو مذهب الأشعري. راجع: مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، ابن فورك أبو بكر محمد، تح: دانيال جيماريه، دار المشرق، بيروت، 1987. ص. 182. وأنظر أيضا: أصول الدين، البغدادي عبد القاهر، تح: شمس الدين أحمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1423هـ ـ 2002م، ص. 29. الغنية في الكلام، مصدر سابق، ص. 236. المحصول في علم أصول الفقه، فخر الدين الرازي، دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، ط3، 1418 هـ – 1997م، ج1، ص. 142. المواقف، الإيجي عضد الدين، تح: عبد الرحمن عميرة، دار الجيل – بيروت، ط1، 1997، ج1، ص. 208.

(3) وجوب النظر عند الأشاعرة لا يكون إلا بالسمع، وأما إيجابه من طرفهم فلأن الإقرار بالسمع متوقف على إثبات الرسالة، والرسالة متوقفة بدورها على إثبات المعجزة، والمعجزة لا تُعلم دلالتها إلا بمعرفة الله والعلم به من خلال النظر في أفعاله ومخلوقاته؛ فيكون إيجابهم النظر والاستدلال على العقلاء من باب اشتراكهم في منشأ النظر ومداركه وهو العقل بأحكامه البديهية. راجع: الغنية للأنصاري، مصدر سابق، ص. 236.

(4) المعيار عند ابن خلدون في التمييز بين المتقدمين والمتأخرين هي إدخال المنطق في علم الكلام وجعله محكا للنظر وميزانا لقياس صحة الاستدلال والبرهان؛ فيكون الغزلي بذلك هو رائد المتأخرين وإن افتتح له هذا المسلك شيخه الجويني قبله. أما نحن في هذه الورقة فنعني بالمتأخرين من عصر السنوسي إلى حدود عصر النهضة. على أن مفهوم المتأخرين في الأصل أطلقه العلماء على من جاء بعد القرون الثلاثة الخيرة. 

(5) مفهوم الهيللة بات مع متأخري المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي من الموضوعات التي استأثرت بالاهتمام حتى أُلفت فيه رسائل مفردة. راجع على سبيل المثال: رسائل التوحيد والهيللة، الهبطي الكبير أبو عبد الله، تح: زهري خالد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1423هـ ـ 2002م.

(6) هذا التعداد المذكور (خمسون عقيدة مستنبطة من الهيللة وست عشرة عقيدة من معنى الرسالة) اشتُهر عند المتأخرين حتى تناقلته المختصرات والحواشي. راجع مثلا: “اختصار رسالة النجاة بفضل الله من الكفر والآثام بتعلم العقائد وأخذها مما جاء به الرسول عليه السلام للشيخ أبي عبد الله امَحمد بن قاسم القادري الفاسي (1331هـ)” لأبي العباس الرهوني، ضمن: عمدة الراوين في تاريخ تطاوين لأبي العباس أحمد الرهوني، تح: جعفر ابن الحاج السلمي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، 1432هـ/2011م، ج9، ص. 105 ـ 116. ونص الاختصار تجده في نافذة “نصوص أشعرية” منشورا مفردا ومدبجا بتقديم تقريبي.

(7) التصور هو «عبارة عن حصول صورة مفردة ما في العقل، كالجوهر والعرض ونحوه»، أما التصديق فهو «عبارة عن حكم العقل بنسبة بين مفردين إيجابا وسلبا، علو وجه يكون مفيدا؛ كالحكم بحدوث العالم ووجود الصانع، ونحوه». راجع: “المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين” للآمدي سيف الدين، تح: الشافعي حسن محمود، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1413هـ ـ 1993م، ص. 69.

 (8) حكمنا هذا يُسقط من الاعتبار تصديرَ كتب الشارحين للمتون والمحشين عليها ببيان معاني الحمدلة والبسملة والتصلية والاشتغال بإعرابها. فالمقصود ما يدخل في صميم علم الكلام.

(9) راجع بخصوص شروح الإرشاد وهيمنته على الإنتاج العقدي في الغرب الإسلامي كتاب: تطور المذهب الاشعري في الغرب الإسلامي، احنانة يوسف، دار أبي رقراق، الرباط، ط2، 2007، ص ص. 168 ـ 177.

(10) هوامش على العقيدة النظامية، القوصي محمد عبد الفضيل، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، ط1، 1405هـ ـ 1984م، ص. 22.

(11) أم البراهين بشرح الملالي، تحقيق خالد زهري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 2009، ص. 56. وهذه القولة محررة من كلام الجويني في العقيدة النظامية، تح: الكوثري محمد زاهد، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 1412 هـ ـ 1992، ص. 15. وهي أيضا مستقاة من كلامه في الإرشاد (سيأتي وشيكا أعلاه)، راجع الإرشاد، تح: موسى محمد يوسف ـ عبد الحميد علي عبد المنعم، مكتبة الخانجي، مصر، 1369هـ ـ 1950م، ص. 16.

(12) الإرشاد، مصدر سابق، ص. 16.

(13) هداية المريد لجوهرة التوحيد، اللقاني برهان الدين، تح: البجاوي مروان حسين عبد الصالحين، دار البصائر، القاهرة، ط1، 1430هـ / 2009م، ص. 182 ـ 183. وقارن: أم البراهين بشرح الملالي، تح: خالد زهري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 2009، ص 56. 

(14) حاشية الباجوري المسماة تحقيق المقام على كفاية العوام في علم الكلام، الباجوري إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2007م ـ 1428هـ، ص. 51.

(15) أم البرهين بشرح الملالي، مصدر سابق، ص. 56.

(16) تقريب البعيد إلى جوهرة التوحيد، التميمي المؤخر الصفاقسي علي بن محمد، تح: الحبيب بن الطاهر، مؤسسة المعارف، بيروت، ط1، 1429هـ، ص. 39.

(17) القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم، اليوسي أبو المواهب الحسن بن مسعود، تح: حماني حميدـ، مطبعة شالة، الرباط، ط1، 1998، ص. 184.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق