مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الحفظ الوجودي و العدمي لكلي الدين وتمثُل معيقاته

           يعتبر حفظ الدين واحدا من الضروريات الخمس “التي هي أسس العمران المرعية في كل ملة، والتي لولاها لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، و لفاتت النجاة في الآخرة”[1].

          ولما كانت هذه الضروريات هي كل ما لا بد منه في “قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد و تهارج وفوت حياة وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين”[2]، وكانت الضروريات كما حددها علماء الأصول خمسة هي “حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل”[3]، وكما قال الإمام الغزالي رحمه الله في مستصفاه: “ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم  ومالهم”[4]، لكل ذلك نجدها مراعاة لدى جميع الشرائع والملل، يقول الإمام الغزالي مؤكدا ذلك: “حفظ هذه المسائل الخمسة يستحيل أن لا تشمتل عليه ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد لها إصلاح الخلق”[5].

          لقد جاء حفظ الدين في مقدمة هذه الكليات التي لا يمكن تجاهل أحدها لترابطها وتكاملها، يقول الإمام الشاطبي مبينا ذلك: “لو عدم الدين عدم ترتب الجزاء المرتجى، ولو عدم المكلف لعدم من يتدين، ولو عدم العقل لارتفع التدين ، ولو عدم النسل لم يكن في العادة بقاء، ولو عدم المال لم يبق عيش…”[6].

           وتبعا لأهمية هذه الأمور الخمسة كان لزاما العمل على حفظها وضمان استمرارها، والحفظ لها إنما يكون بأمرين” أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيه، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم[7]

          والمحافظة على الدين من جهة الوجود إنما كان بتشريع العقائد من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وبالعبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج وغيره، وتسخير كل ما من شأنه أن يعمل على تبليغ وتصحيح عقيدة المسلم وتقويم ما اعوج منها.

          كما أنه من الممكن تسخير العديد من الوسائل  للحفاظ على الدين وذلك – بتعليمه أولا والدعوة إليه وهذا مما يسند إلى العلماء تطبيقا منهم للأمانة التي حملوها على عاتقهم، و كذا تسخير وسائل الإعلام بكل أنواعها، صحافة مكتوبة، قنوات فضائية، مواقع إلكترونية، علها تكون نافذة تسد واجهة مهمة من الواجهات التي يرتادها عدد هائل من شباب المسلمين والتي قد تنجح في صيانة الملة وسد أبواب الذرائع المفضية إلى ذهاب الدين بالكلية أو ضعفه في نفوس المسلمين.

         وأما مراعاته من جانب العدم فبضمان بقائه واستمراره، وذلك بدحض كل محاولات نسف أركانه، ومنع توظيف كل ما من شأنه أن يحول دون تحقيق وبقاء الأمن الديني، والاستقرار الروحي، إذ لا بد من تسخير كل الوسائل التي تكفل حفظ الملة وسد أبواب الذرائع المفضية إلى ذهاب الدين بالكلية أو ضعفه في نفوس المكلفين.

         ولما كان حفظ الكليات الخمس مراعى في الشريعة الإسلامية كما في جميع الملل، وكان حفظ الدين يأتي على رأس تلك الكليات، كان لزاما معرفة كل ما من شأنه أن يعيق حفظ هذا الكلي الذي بحفظه يتم صون المجتمع من كل ما يهدد استقراره الروحي والعقدي، فما هي هذه المعيقات؟

يمكن تحديد بعض تلك المعيقات فيما يأتي:

          1- عدم ربط الدين بالواقع، إن الدين لا يعني فقط القيام “بمجموع المعتقدات النظرية والفروض العملية المطلوب من المتدين أن يتحملها فيما يدين به من دين، فإنه في الأصل وبمقتضى المدلول اللغوي يطلق على التحمل نفسه إذ معناه اللغوي هو الطاعة، والطاعة هي انصياع إرادة المطيع لأوامر من يطيعه فالدين يطلق أيضا على تحمل المتدين للمعتقدات والفروض المطلوبة منه، أو هو بتعبير آخر تدينه بها وهذا المعنى هو الأولى أن يكون مقصودا لحفظ الدين”[8].

          لا يتمّ حفظ الدين بالمعنى الحرفي لما تمت معرفته من الجانب العقدي بل لابد أن يتم النظر إلى التدين في بعده السلوكي بمعنى “ما يتعلق بسلوك الإنسان مع نفسه بإعطائها حقها والحفاظ عليها من التهلكة، وبسلوكه مع أسرته وسلوكه مع مجتمعه الذي يعيش فيه، وسلوكه مع الدولة التي تحكمه وسلوكه مع مطلق الإنسان الذي يختلط به، وسلوكه مع البيئة الطبيعية التي يتحرك فيها، ثم سلوكه مع ربه الذي خلقه، وذلك هو مناط للتدين، وذلك على معنى أن الإنسان مطلوب منه أن يجري سلوكه على مقتضى ما هو مطلوب من قبل الله تعالى فعلا أو تركا، فالتدين (…) يشمل جميع ما ذكرناه من الوجود، وهو ما تقتضيه خاصية الشمول التي اختص بها الإسلام”[9].

         2- التقصير في استخدام الإعلام الانترنيت في التوجيه والتفهيم:

          الإعلام بكل أنواعه المكتوب والمرئي والمسموع، لابد أن يكون إعلاما موجها يُسخر لخدمة قضية معينة ويرصد فئة معينة والتي تشكل النسبة الأكبر ممن يتفاعلون مع وسائل الإعلام.

          أما شبكة الانترنيت فتعتبر الأخطر في التأثير على مختلف فئات المجتمع فتمرير أية فكرة أو رسالة يجب أن يخضع لمجموعة من الشروط منها الخلو من العبثية بمعنى أن يكون لها هدف ومغزى فلا يظن المرسل أنها مجرد رسالة طرحت في بحر الشبكة العنكبوتية بل لابد أن تصل إلى من يهمه الأمر ولابد أن يجد أفكارا سوية مقنعة قائمة على دلائل يستسيغها العقل ويعضدها الشرع بعيدة عن التعصب والغلو، ذلك أن محركات البحث ومواقع التواصل الإجتماعي أضحت أقرب وسيلة وأيسر مصدر معرفي للوصول إلى المعلومة وإذا كان الجميع يسخر هذه التقنية لخدمة مصالح يفرضها الواقع وتستدعيها ظروف العصر فمن باب أولى مقارعة الرأي الآخر في أية مسألة بما فيها الدينية بنفس الوسيلة خاصة إذا تم  بث مواد تشويه وإساءة بما تهدد التوابث الدينية.

         3 – قنوات التبليغ والإفهام والارشاد: 

          عدم قيام العلماء بدورهم في التبليغ والإفهام و بيان كل ما يتعلق بالدين الإسلامي للناس وغياب الحوار البناء مع مختلف شرائح المجتمع الذي يهدف إلى الإفهام والإقناع، بمعنى العمل على إيصال المعلومة بطرق موضوعية قائمة على البرهان والحجة، والابتعاد عن الإفحام الذي من شأنه قطع حبل التواصل وكذا الطريق على الطرف الآخر وعدم تحقيق الهدف المنشود من الحوار والنقاش والمتمثل في الوصول إلى الحقيقة ووصول كل الأطراف إلى تقارب في وجهات النظر، يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوي: “فالمرصدون للعلم عليهم للأمة حفظ علم الدين وتبليغه فإذا لم يبلغوهم علم الدين أو ضيعوا حفظه كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين”.

         فلما كان الناس ليسوا على وزان واحد من حيث الفهم والإدراك، وكان خلق التواصل ضرورة ملحة لتقريب مضامين الشرع الحكيم من موارده الصافية، كان لزاما على العلماء تقريب الخطاب الديني لكل الناس مراعين في ذلك مستوياتهم، فيخاطب كل متلقي بما يناسبه فليس المبتدئ كالمنتهي، وليس الجاهل كالمتعلم، وليس الشاب كالشيخ، ذلك أن المكلفين ليسوا على مستوى واحد من حيث القدرة على الفهم لاختلاف أحوال كل منهم حسب الزمان والظروف والقدرات، وبخصوص مسألة الإفهام وضرورتها، يقول الشاطبي رحمه الله:” إنما يصح – في مسلك الإفهام والفهم – ما يكون عاما لجميع العرب، فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه بحسب الألفاظ والمعاني، فإن الناس ليسوا على وزان واحد ولا متقارب، إلا أنهم يتقاربون في الأمور الجمهورية وما والاها، وعلى ذلك جرت مصالحهم في الدنيا…”[10]، وذلك من خلال مجموعة مسالك تكون خادمة لهذا الهدف ومحققة له، ولعل أول ما ينظر إليه لتحقيق ذلك جملة أمور منها:

          – النظر في المكلف وأحواله، باعتباره محور التشريع، والمقصود به، والمطالب بالامتثال لأوامره واجتناب نواهيه.

          – اعتماد لغة تكون مفهومة وميسرة تحقق قصد الإفهام والتفهيم.

         –  مراعاة الرفق واللين عند توجيه الخطاب المراد تقريبه.

         – إخفاق إمكانية التقريب إذا كان بمعزل عن المعرفة بالواقع.  

       4- تعطيل الــعــقـل ودور في الــفـهــم والإدراك:

         لا يمكن الحديث عن تقريب مضامين الشريعة من المكلف أو المتلقي، إذا لم يتم مراعاة مجموعة من الاعتبارات فيه، حتى يكون أولا مدركا ثم فاهما لما يوجه إليه من خطاب، وأن يكون قادرا على أداء ما تم إدراكه وفهمه على أتم وجه، وأول ما ينظر إليه عند المخاطبة “العقل” يقول الإمام الغزالي رحمه الله:” المكلف وشرطه أن يكون عاقلا يفهم الخطاب(…)لأن التكليف مقتضاه الطاعة و الامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد العلم بالمقصود، والفهم للتكليف، فكل خطاب متضمن للأمر بالفهم، فمن لا يفهم، كيف يقال له افهم؟ ومن لا يسمع الصوت كيف يُكلم؟ (…) ومن يسمع قد يفهم فهما ما، لكنه لا يعقل ولا يثبت كالمجنون وغير المميز، فمخاطبته ممكنة، لكن اقتضاء الامتثال منه(…) غير ممكن”[11]، فالقدرة على الفهم هي أساس التكليف و بها تتحدد إمكانية مخاطبة الشخص أو عدم مخاطبته.

        والذي يمكن قوله من خلال ما سلف أن هناك خطاب، وهناك بعده فهم، ثم تكليف فامتثال، أو بعبارة أخرى، لا امتثال دون تكليف، ولا تكليف دون فهم، ولا فهم دون عقل.

        ثم هناك مسألة الاستعداد لتلقي ما يوجه إليه، ذلك أن المكلفين ليسوا على مستوى واحد من حيث القدرة على تطبيق ما تم فهمه لاختلاف أحوال كل منهم حسب الزمان والظروف والقدرات، فليس الشاب كالشيخ، ولا الصحيح كالسقيم، ولا الذكر كالأنثى… فمراعاة الخطاب لأحوالهم، وتحسيسهم أنهم مقصودون بالدرجة الأولى بما يوجه إليهم من كلام. كل ذلك مما يُسهم في تقبل الخطاب، وتحقيق التواصل.

         5-عدم تسخير لـغــة الـمـيسّــرة لتحـقيق التواصـل والتقريب

          من جهة أخرى هناك مسألة اللغة، باعتبارها أداة تتعدى وظيفتها التواصلية بين أطراف مختلفة من المجتمع، إلى وظائف أخرى تربوية، وتثقيفية، وعاطفية، و تفهيمية، ولتؤدي اللغة هذه الوظائف لابد أن تكون ميسرة في متناول كل من يوجه إليهم الكلام، يقول الشاطبي رحمه الله: ” إنما يصح – في مسلك الإفهام والفهم – ما يكون عاما لجميع العرب، فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه بحسب الألفاظ والمعاني، فإن الناس ليسوا على وزان واحد ولا متقارب، إلا أنهم يتقاربون في الأمور الجمهورية وما والاها، وعلى ذلك جرت مصالحهم في الدنيا…”[12].

          ويمثل لذلك بالتكاليف الاعتقادية التي أكد فيها أنه يجب “أن تكون من القرب للفهم، والسهولة على العقل، بحيث يشترك فيها الجمهور، من كان ثاقب الفهم، أو بليدا، فإنها لو كانت مما لا يدركه إلا الخواص لم تكن الشريعة عامة، ولم تكن أمية، وقد ثبت كونها كذلك، فلابد أن تكون المعاني المطلوبة علمها واعتقادها سهلة المأخذ”[13].

         6- مراعـاة الرفـق والليـن عـند تـوصـيل الخـطاب

         إن أي حديث أو كلام لن يلقى أذانا صاغية ولا قلوبا واعية، إذا لم يتم توصيله بطريقة تراعي الرفق واللين، وبكيفية محببة إلى نفوس المخاطبين، حتى لا ينفضوا من حول المخاطب ليس لعيب في مضمون الخطاب، بل في طريقة وكيفية من يقدم هذا الخطاب، ولا شك أن الناظر في كتاب الله عز وجل يلاحظ أن آياته لم تنزل للتضييق على الناس أو التشديد عليهم بل “تنزل لهم بالتقريب والملاطفة والتعليم في نفس المعاملة به، قبل النظر إلى ما حواه من المعارف والخيرات”[14]، و تبعا لذلك عدَّد جملة أمور يتميز بها كلام الله عز وجل عند مخاطبة عباده:

          -“الإبلاغ في إقامة الحجة على ما خاطب به الخلق، فإنه تعالى أنزل القرآن برهانا على نفسه على صحة ما فيه…

         – ترك الأخذ من أول مرة بالذنب، والحلم عن تعجيل المعاندين بالعذاب، مع تماديهم على الإباية والجحود بعد وضوح البرهان، وإن استعجلوا به….

         – تحسين العبارة بالكناية ونحوها في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذكر ما يستحيي ممن ذكره في عادتنا(…) حتى إذا وضح السبيل في مقطع الحق، وحضر وقت التصريح بما ينبغي التصريح فيه، فلا بد منه، وإليه الإشارة بقوله﴿والله لا يستحيي من الحق﴾[15].

        – التأني في الأمور، والجري على مجرى التثبت، والأخذ بالاحتياط…”[16]         على هذا المنوال، وسيرا علن نهج القرآن، حري بكل من رام توصيل فكرة أو تقريب مضمون خطاب أن يكون لين الجانب، معتدلا، واقعيا منفتحا على ما يعيشه الناس من مشكلات، واحتواء ما يمرون به من أزمات، وتوجيههم للخروج منها وفق ما ينص عليه الشرع الحكيم.

          7- أهمية المعرفة بالواقع في عملية تقريب مضمون الخطاب الشرعي

         من المعلوم أنه قبل التفكير في تقريب مضمون أي خطاب، لابد من الإحاطة بواقع الناس، وفهمه بكل مكوناته، والتبصر بالأحوال والظروف المعاشة للعامة، وكذلك الإحاطة بمختلف القضايا الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، التي تحيط بالفرد وتأثر على المجتمع، ذلك أن الواقع” ليس إلا مجموع الوقائع الفردية والجماعية، الخاصة والعامة، ومن تم فإن فهم ذلك الواقع هم فهم تلك الوقائع، واستيعابها، وتبين طبيعتها، وخصائصها”[17]، إذ لا معنى لشحذ العقول بما لا علاقة للمتلقي بها، وبما يضيق به صدرهم.

         وهذا ماكان عليه السلف الصالح بالنسبة لأهمية المعرفة بالواقع خاصة فيما يتعلق باستثمار الأحكام الشرعية،  فكثيرا ما نقرأ للعديد من العلماء – على اختلاف مذاهبهم – آراء حول أهمية المعرفة بالواقع وضرورته، وأنه لا مناص للحاكم أو المفتي من الإحاطة به، ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا المقام الإمام الشاطبي قال رحمه الله(790هـ): “لا يصح للعالم إذا سئل عن أمر كيف يحصل في الواقع إلا أن يجيب بحسب الواقع”[18].

          ويقرر الإمام ابن القيم الجوزية (751هـ) رحمه الله أن العالم هو”من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله”، وأكد رحمه الله أن المفتي أو الحاكم لا يتمكن من الإفتاء “إلا بنوعين من الفهم، أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع، بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط بها علما، والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده و استفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله” [19]، ويؤكد أهمية المعرفة بالواقع ما نقله ابن القيم عن الإمام أحمد أنه قال: “لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال، أولها: أن تكون له نية فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، والثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته، والرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس، الخامسة: معرفة الناس”[20].

          ولمّا كان الواقع هو مجمل “حركات الناس وتصرفاتهم وتعاقداتهم وإقبالهم  على فعل الخير والشر بحسب ما يتهيأ لهم من معين على ذلك”[21]، وكان الاجتهاد الفقهي هو التأطير للواقع واقع الأفراد والجماعات والدول والمؤسسات، كان كل ما ينتجه الفقه والفقهاء يسير متفاعلا متلائما مع ما ينتجه الواقع من نوازل وتطورات. فمثل الفقه والواقع كمثل الحبل المضفور تكونه خصلتان تلتف إحداهما على الأخرى من أوله إلى آخره، فإذا التف الفقه باجتهاداته وفتاويه وتوجيهاته كانت الحياة تسير سيرا مفتولا يعطيها متانة وقوة وتماسكا، وإذا سار الواقع بعيدا عن الفقه، وسار الفقه بعيدا عن الواقع فقدت الضفيرة صفتها وفقدت بالتالي قوتها ومتانتها”[22].

         “فالفقيه الذي يعلم الواقع على حقيقته هو الذي يخوض غماره بروحه وجسده وفقهه، فيكون عالما بالواقع على الحقيقة لا التوهم، ولا يحتاج إلى الشرح والبيان”[23].

 

الهوامش:


[1] – الموافقات 1/3 مقدمة المحقق.

[2] –  الموافقات 27/.

[3] – الموافقات8/2.

[4] – المستصفى417/1.

[5] – المستصفى420/1.

[6]  – الموافقات 1/14

[7] – الموافقات2/7.

[8] – مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة لعبد المجيد النجار63

[9]  – مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة 64.

[10] – الموافقات 2/65

[11]  – المستصفى1/158

[12]  – الموافقات 2/65.

[13]  – الموافقات 2/67.

[14] – الموافقات 3/282

[15] – الأحزاب 53.

[16]  – انظر الموافقات 3/282-283 .

[17] – الاجتهاد المقاصدي لنور الدين بن مختار الخادمي، عدد66 سنة 1419.

[18] – الموافقات 2/75.

[19] – إعلام الموقعين 1/87.

[20] – نفسه.

[21] – الاجتهاد بتحقيق المناط وسلطانه، 70.

[22] – الاجتهاد ( النص الواقع المصلحة)، د. أحمد الريسوني، و د.الباروت: 59- 60.

[23] – الاجتهاد بتحقيق المناط وسلطانه في الفقه الإسلامي: 72.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق