مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

الجامع لابن أبي زيد القيرواني

  صنف الشيخ أبو محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني (ت386هـ) مصنفات جليلة أغنت رصيد تراث المذهب المالكي بالغرب الإسلامي، ومن بين هذه المؤلفات الهامة كتاب «الجامع في السنن والآداب والحكم والمغازي والتاريخ وغير ذلك، مختصر من السماعات عن مالك ومن الموطأ وغيره من الكتب، مضاف إلى مختصر المدونة» الذي ختم به ابن أبي زيد مختصره على المدونة.

  وتتجلى أهميته في جمعه لمواضيع مختلفة ومتنوعة، من عبادات ومعاملات وعادات، كما يتضح ذلك من عنوانه، وقد ثبت عند أهل العلم أن التأليفَ في فن الجوامع من الخصوصيات التي تميزت به المدرسة المالكية عن باقي المدارس الفقهية المذهبية الأخرى، فكتب الجوامع عادة تأتي في آخر الدواوين الفقهية، وتشتمل مواضيع متنوعة، كالأخلاق والورع والعقائد والفرق وغيرها.

  ويتضح من خلال عنوان الكتاب أن مؤلفه رام به تذييل مختصره على المدونة، كما صرح بذلك في آخر الجامع عندما قال: «قد ذكرنا في كتابنا هذا الكتاب الجامع الذي جعلناه آخر المختصر، بعض ما حُفِظ عن مالك وعن بعض أصحابه وغيرهم، وما روُي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن ذكرنا من السلف وأئمتنا في الآداب والأمر والنهي وغير ذلك من الفنون التي جرت فيه».

  والمطالع لكتاب الجامع يجد مؤلفه افتتحه بمقدمة قصيرة صدَّر بها الباب الأول من هذا الكتاب، رغم أن مقدمة المؤلف تكون عادة قبل عرض مادة تأليفه، وكأن ابن أبي زيد بصنيعه هذا يريد أن يبين إمكانية استقلال كتاب الجامع وإن كان مضافاً إلى مختصره على المدونة.

  وقد تضمن كتاب الجامع تسعة عشر باباً؛ أغلبها أبواب فقهية، باعتبار المعنى العام للفقه الذي يندرج تحته كل أنواع الآداب والمعاملات، كما اشتمل الكتاب على أبواب أخرى تناول فيها مواضيع مختلفة؛ كما في الباب الأول الذي تناول فيه العقيدة التي أرادها ابن أبي زيد صافية مستمدة من نصوص الوحي الإلهي، ويليه باب في السيرة النبوية وسيرة بعض الصحب الكرام، وباب آخر يتصل بفضل المدينة المنورة وتاريخها، وفي آخر أبوابه تناول فيه مواضيع تاريخية حول الهجرة والمغازي مرتبا ترتيباً زَمَنياً، ينتهي بِسَنَة انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وهكذا يكون ابن أبي زيد قد جمع في مصنفه هذا بين الغايتين: الغاية الفقهية الصرفة، والغاية التربوية، باعتماد منهج إصلاحي، وسيلته بيان الأحكام والتصريح بالآثار التي تدعمها.

  على أن المؤلف رحمه الله سلك في عرض مواد أبواب الجامع أسلوب الاختصار والدقة في الترتيب، مع دعمها بالحجج وكثير من الآثار المروية، مقتصراً على النقل والعرض دون تحليلٍ أو تدخل للبسط والبيان.

  ولعل ما يزيد من قيمة الكتاب وثراء مادته، تنوع المصادر التي استقى منها المؤلف رحمه الله مادته، فمنها مصادر في السير والمغازي والتاريخ، ومتون الحديث ورجاله، وكذا دواوين الفقه المالكي.

  ومما يؤكد قيمة هذا المصنف اعتماده من قبل ثلة من العلماء وتعويلهم عليه؛ فقد نقل عنه ابن الطلاع (ت497هـ) في «أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم»، وابن الحاج (ت737هـ) في «المدخل»، والحطاب (ت954هـ) في «مواهب الجليل» وغيرهم.

  ولكتاب الجامع طبعتان؛ أولاهما: طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق محمد أبو الأجفان، وعثمان بطيخ، سنة: 1403هـ/ 1983م، وثانيهما: عن دار الغرب الإسلامي بتحقيق عبد المجيد تركي، سنة: 1990م.

تحميل الكتاب

  الكتاب الجامع في السنن والآداب والحكم والمغازي والتاريخ وغير ذلك، مختصر من السماعات عن مالك ومن الموطأ وغيره من الكتب مضاف إلى مختصر المدونة.

  المؤلف أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني(ت.386هـ).

  مصادر ترجمته ترتيب المدارك(6/215)، معالم الإيمان(3/135)، الديباج المذهب(1/376).

  دار النشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1403هـ/1983م.

  الثناء على المؤلف قال الخطيب البغدادي : …وله تصانيف في شرح مذهب مالك بن أنس والاحتجاج له والرد على من خالفه، وكان إمام أصحابه في وقته.

  إنجاز: د. محمد فوزار.

Science

الدكتور طارق طاطمي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

منسق تحرير مجلة لسان المحدث التابعة للرابطة المحمدية للعلماء

منسق تحرير موقع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث

أستاذ السيرة النبوية بمؤسسة دار الحديث الحسنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق