مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

الثقافة والتنمية بالمغرب: العناصر، والآفاق، ومصادر القوة

لا بد من التمييز في مثل هذا الحديث بين أمور ثلاثة هي:
1 ـ تنمية الثقافة.
2 ـ وثقافة التنمية.
3 ـ والتنمية بالثقافة.
فنحن نقصد بتنمية الثقافة، الإرادة التي يظهرها مجموع الفاعلين الاقتصاديين، وكافة الإدارات التابعة لدواليب الدولة، وعامة المشتغلين بالثقافة، على تنمية كل ما يتعلق بالعقيدة، والقيم، والأفكار، والعادات، والأعراف، والأخلاق، والأذواق، واللغة، في مجتمع معين. وهي الأمور المعبر عنها بالثقافة.
ونقصد بثقافة التنمية الوعيَ بضرورة حصول تنمية عبر فعل جماعي منظم، والسعيَ إلى تنزيل ذلك الوعي بوسائلَ فاعلةٍ.
ونقصد بالتنميةِ بالثقافةِ التنميةَ القائمة على توظيف الرصيد غير المادي في الحصول على مردودٍ اقتصادي، أو مردودٍ يكون له أثرٌ اقتصادي.
وبَيِّنٌ أن هذه لا تكون إلا بوجود الأمرين الأول والثاني، أي بوجود ثقافة تنمية، وتنمية ثقافية. فبغيرهما لا يمكن إحداث تنمية بالثقافة.
ولا تكون تنمية ثقافية معتبرة إلا بوجود أربعة أشياء هي:
1 ـ خصائص ثقافية مميِّزة، نسميها هُوِيَّةً ثقافية.
2 ـ مصادر ثقافية ذات وزن، نسميها إرثا ثقافيا.
3 ـ تنوع ثقافي غني، يضبطه انسجام، ويربط بين عناصره تفاعل، ويظلله تسامح، وينشأ عنه ما نسميه: ثقافة التنوع. لأن التنوع الثقافي إذا كان يؤدي إلى صراع ثقافي لا تنتج عنه تنمية ثقافية، وإنما ينتج عنه تطاحن ثقافي قد تستفيد منه ثقافة ثالثة وافدة، هي ثقافة المستعمر غالبا. وهذا الذي نراه في بعض بلدان المشرق العربي، كالعراق مثلا. فإنه شديد التنوع ثقافيا، غير ذي ثقافة تنوع، وهي الثقافة التي ترى التسامح ضابطا، والاختلافَ رافدا، والتنوعَ أساسا في تطور حركة الثقافة. فكان هذا بابا من أبواب استقواء الثقافة الأنجلوسكسونية في هذا البلد بِأَخَرَةٍ.
4 ـ قابلية للتطور، وقبول التغيير، عن طريق الاختراع، أو عن طريق الاتصال بالثقافات الأخرى، أو عن طريق التغيير الذي يفرضه قانون التطور نفسه في خضوعه لما يحدث من تغيُّرٍ في المكان، والزمن، والأشخاص.
فإذا اجتمعت هذه الأربعة، وهي: الهوية، والإرث، والتنوع، والقابلية للتطور، سهل حينئذ تسويق تلك الثقافة لتصبح ذات عائد مادي اقتصادي، ولتصبح صورة لحضارة البلد يُختزل فيها تاريخه، وعطاؤه الحضاري، ومكتسباته، ومكانته بين الأمم.

 

لا بد من التمييز في مثل هذا الحديث بين أمور ثلاثة هي:

1 ـ تنمية الثقافة.

2 ـ وثقافة التنمية.

3 ـ والتنمية بالثقافة.

فنحن نقصد بتنمية الثقافة، الإرادة التي يظهرها مجموع الفاعلين الاقتصاديين، وكافة الإدارات التابعة لدواليب الدولة، وعامة المشتغلين بالثقافة، على تنمية كل ما يتعلق بالعقيدة، والقيم، والأفكار، والعادات، والأعراف، والأخلاق، والأذواق، واللغة، في مجتمع معين. وهي الأمور المعبر عنها بالثقافة.

ونقصد بثقافة التنمية الوعيَ بضرورة حصول تنمية عبر فعل جماعي منظم، والسعيَ إلى تنزيل ذلك الوعي بوسائلَ فاعلةٍ.

ونقصد بالتنميةِ بالثقافةِ التنميةَ القائمة على توظيف الرصيد غير المادي في الحصول على مردودٍ اقتصادي، أو مردودٍ يكون له أثرٌ اقتصادي.

وبَيِّنٌ أن هذه لا تكون إلا بوجود الأمرين الأول والثاني، أي بوجود ثقافة تنمية، وتنمية ثقافية. فبغيرهما لا يمكن إحداث تنمية بالثقافة.

ولا تكون تنمية ثقافية معتبرة إلا بوجود أربعة أشياء هي:

1 ـ خصائص ثقافية مميِّزة، نسميها هُوِيَّةً ثقافية.

2 ـ مصادر ثقافية ذات وزن، نسميها إرثا ثقافيا.

3 ـ تنوع ثقافي غني، يضبطه انسجام، ويربط بين عناصره تفاعل، ويظلله تسامح، وينشأ عنه ما نسميه: ثقافة التنوع. لأن التنوع الثقافي إذا كان يؤدي إلى صراع ثقافي لا تنتج عنه تنمية ثقافية، وإنما ينتج عنه تطاحن ثقافي قد تستفيد منه ثقافة ثالثة وافدة، هي ثقافة المستعمر غالبا. وهذا الذي نراه في بعض البلدان حيث نجدها شديدة التنوع ثقافيا، غير ذي ثقافة تنوع، وهي الثقافة التي ترى التسامح ضابطا، والاختلافَ رافدا، والتنوعَ أساسا في تطور حركة الثقافة. فكان هذا بابا من أبواب استقواء الثقافة الأنجلوسكسونية في هذا البلد بِأَخَرَةٍ.

4 ـ قابلية للتطور، وقبول التغيير، عن طريق الاختراع، أو عن طريق الاتصال بالثقافات الأخرى، أو عن طريق التغيير الذي يفرضه قانون التطور نفسه في خضوعه لما يحدث من تغيُّرٍ في المكان، والزمن، والأشخاص.فإذا اجتمعت هذه الأربعة، وهي: الهوية، والإرث، والتنوع، والقابلية للتطور، سهل حينئذ تسويق تلك الثقافة لتصبح ذات عائد مادي اقتصادي، ولتصبح صورة لحضارة البلد يُختزل فيها تاريخه، وعطاؤه الحضاري، ومكتسباته، ومكانته بين الأمم.

وأظن قوة المغرب اليوم موجودةً في هذه الأربع، أي هي موجودة في ثروته غير المادية: (1) 

1 ـ فهو دولة عريقة جدا، ذات نظام يعتبر من الأنظمة الأقدم والأعرق في العالم كله، تشكلت هويته الثقافية من مصادر كثيرة بسبب موقعه الجغرافي الفريد. فقد استوعب مصادر ثقافية إفريقية، من خلال وصول أفارقة كثر إلى المغرب، في العهد السعدي خصوصا، أيام كان المغرب يحكم جزءا كبيرا من إفريقيا السوداء، ومنهم كان جيش عبيد البخاري أيام السلطان العلوي مولاي إسماعيل. ولعل من أبرز ما حافظ عليه المغاربة من هذه الثقافة موسيقا اكناوة، وهي موسيقا إفريقية خالصة. واستوعب مصادر ثقافية إيبرية، يوم هاجر من الأندلس آلاف من الموريسكيين أيام محاكم التفتيش في إسبانيا، وقبل ذلك أيام سقوط ممالك الأندلس، وآخرها مملكة بني الأحمر. فجاؤوا بموسيقاهم، التي نسمي نوعا منها اليوم موسيقا الآلة، ونوعا آخر الطرب الغرناطي، ونوعا ثالثا قدم به أهل بادية الأندلس يسمى اليوم: طقطوقة جبلية. وجاؤوا بنمطهم في اللباس، وثقافتهم في الطبخ، وعاداتهم في المناسبات، ولغتهم الخاصة، التي طبعت مناطق شمال المغرب. حيث تعتبر لهجة الشمال أقرب اللهجات إلى لهجة النازحين من أهل الأندلس، كما يعرف ذلك من قرأ كتاب الزجالي الأندلسي الذي سماه: رِيَّ الأُوَامِ وَمَرْعَى السَّوَامِ فِي نُكَتِ الخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ، وقرأ الدراسة التي كتبها الدكتور محمد ابن شريفة تحت عنوان: أمثال العوام في الأندلس. وهي تحقيقه للجزء المتعلق بأمثال العوام من كتاب الزجالي. واستوعب المغاربة الثقافة العربية المشرقية أيام الفتح الإسلامي للمغرب، ثم أيام هجرة بني سليم، وبني هلال، من المشرق العربي إلى مغربه، واستوعبوا قبل وصول المسلمين إلى هذه البلاد الثقافة الرومانية، والبيزنطية، والفينيقية. فضُمَّ كلُّ هذا إلى الثقافة الأمازيغية، وهي ثقافة سكان المغرب الأولين. حتى إذا كان العصر الحديث تفتحت الثقافة المغربية على الثقافة الفرنسية، وعلى الثقافة الإسبانية، بحكم أن المغرب تعرض لاحتلال مزدوج: فرنسي وإسباني. وتفتحت بشكل أقل قوة على الثقافة الإنجليزية، وبعده الإيطالية، بحكم وجود مدارس تابعة لهذه الدول في مدن كبرى، ومنها مدينة طنجة التي كانت فيها إلى عهد قريب مدرسة إيطالية درس فيها عدد كبير من أهل هذه المدينة.

وقد تعلم المغاربة من كل هذا أن ينخلوا ما تأتي به رياح الثقافات نخلا شديدا، وأن يعيدوا صياغته بما لا يخل بثوابت البلد، وأن يحتفظوا بأجود ما في كل منها، وبأصلحه لهم. وهو ما يمكن تسميته بمغربة الثقافات.

2 ـ ولا شك أن هوية تتشكل من كل هذه العناصر هي هوية ذات إرث ثقافي عريق. وهي هوية قد اكتسبت مناعة تاريخية، وتعلمت كيف تقبل، وكيف ترد، ومتى تصنع ذلك، وبأي قدر، وما الذي يقبله الجسم الثقافي المغربي، وما الذي يرده. وهذه المناعة هي التي تنقل الثقافة من مجال التنوع الثقافي إلى مجال ثقافة التنوع بيسر، وسهولة، وذكاء.

3 ـ فإذا حصل ذلك تجنبتِ الصراع الذي يَعتبر أن قوة ثقافة ما كامنةٌ في تدمير الثقافات الأخرى. وهو وَهْمٌ دلت أحداث التاريخ على خلافه. بل دلت أن المنتصر عسكريا قد يصبح منهزما ثقافيا، تابعا للثقافة الأقوى. وذلك كما حدث للمغول مثلا. فقد انتصروا عسكريا على بلاد مسلمة كثيرة، وانتهى بهم الأمر إلى تبني الثقافة الإسلامية، وكما حدث للرومان مع الإغريق، إلى شواهد تاريخية أخرى كثيرة.

فقد تعلم المغاربة أن قوة ثقافتهم في تفتحها، مع التزام خيط ضابط ناظم هو خيط: الثقافة الإسلامية. وهو خيط عاصم من التماهي في ثقافة الآخر، حافظٌ من الجمود الذي منشؤه التعصب الذميم.

4 ـ وينتج عن إقامة التوازن بين حد التماهي، وحد التعصب، تطور محمود. وهو تطور يشمل الأدوات، والأفكار معا. فيسمح من جهة الأداة باستعمال أدوات العصر، ومخترعاته، وأساليبه، ويسمح من جهة الفكر باستعمال مفاهيمه ورؤاه. 

فإذا تمت هذه الأربع فقد تمت أركان التسويق الناجح لثقافة قوية. وهو ما يشهد به تقرير البنك الدولي لسنة 2014 حول الثروة غير المادية في المغرب (2).

ــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1ـ يعود أصل هذا المفهوم إلى دراسة بعنوان: «أين هي ثروة الدول خلال القرن 21»، والتي أشرف عليها لان جونسون، نائب المدير العام للتنمية المستدامة في البنك الدولي، وفرانسوا بوكينيو، نائب رئيس المدير العام للبنك الدولي، إلى جانب مؤسسة برتون وودز. كل هذه المؤسسات اشتغلت على سؤال واحد وهو «أين هي ثروة الشعوب»؛ وهو نفس السؤال الذي طرحه الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 15 لاعتلائه العرش. سؤال يؤكد على أن ثروة الشعوب لا يمكن حسابها فقط بالأرقام ونسبة النمو؛ وإنما هناك عوامل أخرى لا تظهر في بيانات المحاسبة الوطنية لأي دولة.

2- وقد أخذ البنك الدولي، في تقرير حول الثروة غير المادية للدول، مجموعة من المعايير، من بينها: تطور الاستقرار الاقتصادي والسياسي، إلى جانب مستوى الاختراعات والابتكارات في الدولة، والإبداع الفني والثقافي، والمحافظة على البيئة، ومستوى العيش والتعليم داخل كل بلد.، وهذه المعايير مجتمعة تحدد قيمة الثروة الحقيقية لكل بلد، حسب تقرير البنك الدولي.

وبعد أن تم إدماج هذه المعايير الجديدة في لائحة المعايير التي على أساسها يتم ترتيب الدول الغنية في العالم، فإن المغرب أصبح في خانة البلدان الغنية على صعيد المغرب العربي، على الرغم من الموارد المالية المهمة التي تتوفر عليها الجارة الشرقية الجزائر.

وحسب تقرير البنك الدولي، فإن المغرب يخلق ثروات غير مادية أكثر من الجزائر ومصر وتونس. هذه الثروة غير المادية قدرها البنك الدولي ب200 درهم لكل مواطن، وهو معدل أكبر بسبع مرات من المعدل الذي تتحدث عنه التقارير الوطنية حول حجم الثروة التي يخلقها كل مواطن، ذلك أن المحاسبة الوطنية تقدر حجم الثروة، التي يخلقها كل مواطن، في كونها لا تتجاوز 28 درهما، وتأتي مصر في المرتبة الثانية بعد المغرب بقيمة 180 درهم لكل مواطن، ثم الجزائر التي يخلق فيها كل مواطن ثروة لا تتعدى 150 درهما.

وحسب تقرير البنك الدولي، فإن الرأسمال البشري وتقدمه على مستوى المؤسسات وطبيعة الخدمات التي يقومون بها هي «أفضل من دول الجوار»، كما وضع التقرير المغرب في مصاف الدول التي لها اقتصاد ناجع، ذلك أن مستوى اندماج الثروة غير المادية في الاقتصاد الوطني يبلغ نسبة 78 في المائة، في حين أن اقتصاد الدول المتقدمة تتراوح فيها نسبة اندماج الثروة غير المادية بين 66 و80 في المائة. وحسب هذا المؤشر، فإن المغرب يتقدم على مصر التي حققت نسبة67 في المائة، وتونس بلغت نسبة 72 في المائة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق