الرابطة المحمدية للعلماء

الثقافات الثلاث في خدمة الحوار والسلام

مؤسسة الثقافات الثلاث والأديان الثلاث لحوض المتوسط تحتفل بمرور عشر سنوات من العمل في خدمة الحوار والسلام

عقدت مؤسسة الثقافات الثلاث والأديان الثلاث لحوض المتوسط، مساء الثلاثاء باشبيلية (أندلس، جنوب إسبانيا)، بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسها، اجتماعا لمجلس إدارتها، وذلك بحضور عدد من المسؤولين الحكوميين المغاربة والإسبان. وقد تميز اجتماع مجلس إدارة مؤسسة الثقافات الثلاث والأديان الثلاث، الذي افتتحه رئيس الحكومة المستقلة للأندلس السيد مانويل شافيز، بتلاوة نص رسالتي صاحب الجلالة الملك محمد السادس وصاحب الجلالة الملك خوان كارلوس الأول عاهل إسبانيا، الرئيسان الشرفيان للمؤسسة.

وقد قام بتلاوة الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في هذا الاجتماع السيد أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة والرئيس المنتدب للمؤسسة.

وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية، التي تلاها السيد أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة والرئيس المنتدب للمؤسسة، خلال افتتاح هذا اللقاء مساء الثلاثاء باشبيلية (جنوب إسبانيا) :

” معالي السيد مانويل شافيز رئيس خونطا دي أندلسيا،

معالي السيدات الوزيرات والسادة الوزراء،

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

ها هي ذي عشر سنوات قد ولت، اليوم العاشر من مارس 1999، منذ ذلك الحين الذي ضربت فيه المملكة المغربية وإسبانيا موعدا للقاء هنا، بحاضرة اشبيلية التي تتوسط عقد الأندلس.

ذلكم اللقاء الذي كان الدافع إليه الرغبة في الإعراب عن انخراطنا المفعم بروح التبصر والإرادة القوية في تلكم الرؤية التي ننطلق منها لتصور ما ينبغي أن تكون عليه مصائرنا المشتركة، والتي قوامها الإنصات للآخر والمزاوجة بين كل ما نزخر به من مقومات التنوع ومظاهر الاختلاف.

وقد باتت مظاهر الاختلاف هاته تخضع لقراءة جديدة تنبع من الطموح الذي يحدونا لتحسين سبل التعارف فيما بيننا وتكريس مبدأ التكافؤ بيننا، القائم على إبداء المزيد من الحرص على مراعاة كافة حقوقنا وواجباتنا وآمالنا. وقد تأتى قيام مؤسستنا، مؤسسة الثقافات الثلاث والأديان الثلاث لحوض المتوسط، انطلاقا من مبدأ الترفع المقصود عن مظاهر التخوف السائدة والتغاضي عن الالتباسات الأكثر إثارة للشبهة.

لقد تجسدت كل الأبعاد التي ينطوي عليها هذا الخيار المستند إلى ترجيح منطق العقل وتغليب النزعة الإنسية وتبني قيم الحداثة، وتجلت كافة المعاني والدلالات التي يحملها، عندما عقدنا العزم تلقائيا على إطلاق إسم أبينا المنعم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه، على الرواق الذي يحتضن مقر المؤسسة.

لقد كانت مؤسستنا رائدة لأكثر من سبب، ذلك أنها كانت محقة وسباقة إلى توقع إثارة الجدل الزائف حول الصدام المزعوم للحضارات. كما بادرت قبل الأوان إلى بلورة الرد المناسب على أنصار نظرية الانكفاء على الذات والقائلين بوجود قطيعة روحية بين الشعوب.

وقد شكلت روح التوافق والالتزام التي تجمع بين المغرب وإسبانيا والأندلس، مصدر قوة وإلهام بالنسبة لمؤسسة الثقافات الثلاث لتفرض وجودها في ظرف وجيز كأحد الفاعلين المحوريين على صعيد حوض البحر الأبيض المتوسط، وتعمل بالتالي على إدارج الحوار بين حضاراتنا في صميم النقاش الإيديولوجي وطرحه على الساحة الدولية وإثارته داخل الأوساط الاقتصادية وعالم الإبداع الفني.

ومن منطلق البعد الكوني الذي ينطوي عليه جوهر رسالتها ومراميها، فقد كانت مؤسستنا محقة في أن توجد لنفسها موطئ قدم في كل من أوروبا والشرق الأوسط ودول أمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا، سعيا منها إلى نشر التراث المغربي الإسباني والتعريف بعناصره على أوسع نطاق ممكن وإبراز عمق الدلالات التي ينطوي عليها هذا الموروث المغربي الأندلسي.

وتتعاظم في الوقت الراهن أهمية الرسالة التي يحملها هذا الموروث بالنظر إلى مشاعر الخوف من الآخر التي غالبا ما تتملك مكونات المنتظم الدولي وكذا الهلوسات التي تستبد بها بسبب الشرخ الديني الذي يحلو لبعضهم أن يستمروا في التأقلم معه دون أن يضيرهم الأمر في شيء وربما في غياب أي وخز من ضمير.

إن المكاسب التي راكمتها مؤسسة الثقافات الثلاث في هذا الإطار لتعد مبعث فخر واعتزاز بالنسبة للعديدين منها ونحن محقون في ذلك. أما بالنسبة لي، فإني أرى في هذه المكاسب أكثر من دافع لمواصلة المسير، فكلنا يعلم أن العديد من التصورات والأفكار المتجاوزة لا تزال تحكم قبضتها حوالينا وتشتد وطأتها جراء حالة الاندحار الفلسفي والروحي التي ينبغي أن نتحد من أجل مواجهتها.

تزداد الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية تفاقما واستفحالا مع توالي الأيام، مما يزيد من هشاشة الوضع القائم في كافة تجلياته، ويذكي من جديد جذوة مخاطر الإقصاء ونبذ الآخر والخوف المرضي من الإسلام ومعاداة السامية. وهي المخاطر التي غالبا ما نرى رأي العين إرهاصاتها المقلقة تنتشر في أغلب بقاع العالم، بكل ما تحمله من مظاهر النكوس والرجعية.

لذا، فلم يئن الأوان بعد لمنظمتنا كي تنهي حالة التأهب. إن العالم لا يزال في حاجة إلى من يعمل على مد الجسور ويحظى من أجل القيام بذلك، بالشرعية والمصداقية اللازمتين لدى مؤسستنا.

وحاجته تلك تنبع من رغبته وأمله في أن تندمل يوما ما ندوب هذه الحقبة التي طال أمدها أكثر من اللازم وتعرضنا خلالها لخطر التقهقر والانحسار بذريعة نشوب صدام الحضارات وبسبب اللجوء إلى التوظيف المغرض للعقائد الروحية التي ندين بها. لذا، ينبغي لمؤسسة الثقافات الثلاث والأديان الثلاث لحوض المتوسط أن تجعل من هذا التحدي المتمثل في تغليب منطق العقل من جديد وإعادة بناء أسسه، محورا للعمل الذي تعتزم القيام به في المستقبل.

ها هي ذي إذا الغاية المثلى التي ينبغي السعي إلى تجسيدها من خلال المزاوجة بين كافة الهويات والثقافات لجعلها تنصهر في بوتقة ثقافة واحدة أو مجموعة من الثقافات المشتركة. وهو المقصد ذاته الذي يدعو المغرب إلى تحقيقه ويلتزم بمبادئه من خلال تبنيه خارطة الطريق التي ستنكب مؤسستنا على بلورتها في المستقبل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق