وحدة المملكة المغربية علم وعمرانفنون وعمرانغير مصنف

الثريا الكبرى بالمسجد الجامع بتازة : أكبر ثريا في التاريخ

هذه أول فسحة فنية معمارية أفتتح بها -بتوفيق من الله- هذه النافذة العلمية التي أطلقنا عليها اسم فنون وعمران، والقصد من وراء هذا العمل هو التعريف بشكل مركز يعتمد على الوصف الدقيق المرفق بالصور والنقوش للمعالم الفنية والمعمارية ذات الصلة بالحركة العلمية في بلدنا المبارك، ونبدأ بالتعريف بمعلمة فريدة من نوعها على المستوى العالمي شكلا ومضمونا، يتعلق الأمر بالثريا الكبرى بالجامع الأعظم بحاضرة تازة حرسها الله….

يوجد بالمسجد الأعظم بمحروسة تازة أكبر ثريا في العالم مصنوعة من النحاس، وزنها 32 قنطارا، وتحتوي على 514 سراجا. أنشئت بأمر السلطان المريني أبو يعقوب يوسف الذي أنفق على صناعتها مع الزيادة في الجامع 8000 دينار ذهبي، وهي عالقة نازلة وسط البلاط المركزي يخترق نورها فضاءات المجالس العلمية في رحاب المسجد المبارك..  

يقول محمد العلوي الباهي [1]:  ولما تمت صناعة الثريا بالمسجد الأعظم من النحاس الخالص وعلقت به سنة 694هـ (1294م) جعل تدشينها يكون في سنة الانتهاء من تشييدها؛ وقد صادف ذلك الاحتفال بليلة المولد النبوي الذي كان هو يوم 12 ربيع النبوي عام 694هـ الموافق 30 يناير 1295، حينها تمت إضاءة كؤوس الثريا وعددها 514 كأسا زيتيا، فأنارت المسجد الأعظم الذي كان عامرا بالمصلين في تلك الليلة المباركة، وقد كلف السلطان المريني أبو يعقوب يوسف كاتبه الأديب الحسين ابن رشيق بالإشراف على تنظيم هذا الحفل نظرا للتجربة التي اكتسبها وهو في محروسة سبتة –حررها الله- مع أسرة العزفيين.  ويقف ابن رشيق في تلك الليلة بالمسجد أمام السلطان يوسف ليقرأ ما تمت كتابته على الثريا بأحرف نحاسية ناتئة بالخطين الكوفي والنسخي من آيات قرآنية ومن القصيدة الرائية الرائقة “أنا الثريا” التي كان شعرها في ثمانية أبيات تكون ستة عشر شطرا نقشت على ستة عشر جناحا من تضليع قبتها، والتي ما أن سمع أهل تازة بالقصيدة حتى حفظوها وبدأوا في ترديدها كنشيد رسمي لحاضرة تازة حرسها الله. ونص القصيدة الفريدة من نوعها هو:

يا ناظرا في جمالي حقق النظرا                        ومتع الطرف في حسني الذي بهرا

أنا الثريا التي تازا بي افتخرت                           على البلاد فما مثلي الزمان يرى

أفرغت في قالب الحسن البديع كما                         شاء الأمير أبو يعقوب إذ أمرا

في مسجد جامع للناس أبدعه                               ملك أقام بعون الله منتصرا

  له اعتناء بدين الله يظهره                            يرجو به في جنان الخلد ما اذخرا

في عام أربعة تسعون تتبعها                         من بعد ست من المئين قد سطرا

تاريخ هذه الثريا والدعاء لأبي                        يعقوب بالنصر دأبا يصحب الظفرا

ويرجح مؤرخ الحاضرة التازية الأستاذ محمد العلوي الباهي أن الرحالة ابن بطوطة حين عاد من رحلته قدم إلى تازة وسرد على الناس طرفا من رحلته تحت أضواء الثريا الكبرى بالمسجد الأعظم..

كم هو جميل أن يعاد التأمل في معطيات الفن والعمران والحضارة ببلادنا، فبالإضافة إلى التعريف والتحقيق من أجل الحفاظ والتثمين هناك عنصر أساسي مرتبط بمفهوم الهوية الثقافية التي لا تتضح معالمها وتتجسد عمرانيا في حياة الناس إلى باستيعاب الأسس المادية والفكرية لهذه الهوية حتى لا تتحول إلى عواطف وأحاسيس مجردة عن أي حامل مادي ملموس، من هنا أهمية الفنون والعمران، وللحديث بقية…   

[1]  محمد العلوي الباهي: “علماء تازة ومجالسهم العلمية ، مطبعة فضالة 2004، بتصرف. انظر كذلك نفس المؤلف في كتابه : الدكتور عبد الهادي التازي في تاريخ تازة، مطابع الرباط نت، 2014.   

المسجد الأعظم بحاضرة تازة

الثريا الكبرى

د. جمال بامي

  • رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ومركز علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق