مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

التهذيب في اختصار المدونة لأبي سعيد الأزدي القيرواني، المعروف بالبراذعي (ت بعد 430ﻫ)

ترجمة المؤلف:

اسمه ونسبه:

   هو خلف ابن أبي القاسم أبو سعيد [ويكنى أيضا: أبا القاسم] الأزدي القيرواني، المعروف بالبراذعي، بالذال المعجم، وفي المدارك: (البرادعي)، بالدال المهملة.

شيوخه:

   كان من كبار أصحاب ابن أبي زيد القيرواني، وأبي الحسن القابسي، وبهما تفقه، وأخذ أيضا عن عبد الخالق بن خلف بن شبلون، وخلف بن عمر، المعروف بابن أخي هشام، وأبي بكر هبة الله بن عقبة، وعليه صحح المدونة.

تلاميذه:

   أخذ عنه القاضي أبو بكر أحمد ابن أبي عمر ابن أبي زيد، وعبد الله بن محمد بن عمر أبو محمد الطليطلي، يعرف بابن الأديب، وحجاج بن محمد بن عبد الملك اللخمي الإشبيلي، ومحمد بن مغيرة القرشي، وغيرهم.

منزلته وثناء العلماء عليه:

   كان إماما، فقيها، عالما، نظارا، من كبار حفاظ المذهب المؤلفين فيه، وصفه الذهبي بـ«شيخ المالكية»، وهو من كبار أصحاب ابن أبي زيد القيرواني وأبي الحسن القابسي، ولما دخل صقلية، تقدم عند أميرها، واشتهرت كتبه بها.

   غير أن البراذعي لم تحصل له رياسة بالقيروان، ولا كبير شأن عند أهلها، بل كان مبغضا عندهم، فكان مرفوض القول لديهم، ثقيل المكان عليهم، حتى أفتى فقهاؤها برفض كتبه، وترك قراءتها؛ لتهمته لديهم، واستثنى بعضهم اختصار المدونة؛ لشهرة مسائله.

   وقد اختلف في سبب بغض أهل القيروان له، فقيل: لصحبته سلاطين العبيدين، وميلانه إليهم، وقيل: لتأليفه كتابا في تصحيح نسبهم، وقيل: بل لحقه دعاء شيخه أبي محمد ابن أبي زيد القيرواني؛ لأنه كان ينتقصه، ويطلب مثالبه، فدعا عليه، فلفظته القيروان، وخرج إلى صقلية.

مؤلفاته:

   له مؤلفات منها: التهذيب في اختصار المدونة، وتمهيد مسائل المدونة، والشروح والتمامات، وكتاب اختصار الواضحة.

وفاته:

  توفي بصقلية على التحقيق، وقيل: بل مات بالقيروان، وكانت وفاته بعد سنة (430ﻫ) على ما قاله الذهبي في السير.

  وقال محقق كتاب التهذيب في مقدمة تحقيقه (1/124): «وقد وجدنا مكتوبا على ظهر أول ورقة من مخطوطة كتاب التهذيب بخزانة القرويين ما نصه: مؤلفه البراذعي مات بالقيروان سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، بعد موت ابن أبي زيد القيرواني باثنين وخمسين عاما».

مصادر ترجمته:

ترتيب المدارك (7/256)، سير أعلام النبلاء (17/523)، الديباج (ص: 182) (215)، معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان (3/146)، شجرة النور (ص: 105) (270)، الفكر السامي (ص: 545)، العمر (ص: 650).

كتاب التهذيب في اختصار المدونة:

   كتاب التهذيب في اختصار المدونة للبراذعي من أجل مختصرات المدونة، جمع فيه مؤلفه بين الاختصار وبسط العبارة مع المحافظة على مضمون مسائل الكتاب.

  وقد اتبع البراذعي في اختصاره طريقة أبي محمد ابن أبي زيد القيرواني في مختصره، إلا أنه اعتمد ترتيب المدونة في الغالب، وقد يقدم أو يؤخر أحيانا، ويحذف ما تكرر من مسائل في غير محله، مع حذف ما زاده أبو محمد، قال عياض: «له كتاب التهذيب في اختصار المدونة، اتبع فيه طريقة اختصار أبي محمد، إلا أنه جاء به على نسق المدونة، وحذف ما زاده أبو محمد». [ترتيب المدارك (7/256)].

   كما حذف ما تضمنته المدونة من الحديث والآثار، «وسبب اختصاره للمدونة أن الطلبة طلبوا من ابن أبي زيد اختصارها للدرس، فاختصرها، وزاد في مختصره زيادات من العتبية والموازية والواضحة، فامتنع الطلبة من درسه؛ لما فيه من الزيادات، فبلغ ذلك أبا سعيد، فاختصرها، فأخرجها، وطالعها ابن أبي زيد، فقال: هذا الذي يوافق الطلبة.

   ومال الناس إلى درس هذا الكتاب دون غيره من اختصار ابن عبد الحكم، واختصار ابن أبي زيد، وغيرهما». [نور البصر (ص: 187)].

   قال البراذعي في مقدمة التهذيب مبينا منهجه في الاختصار والغرض منه: «هذا كتاب قصدت فيه إلى تهذيب مسائل المدونة والمختلطة خاصة دون غيرها، إذ هي أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين، واعتمدت فيها على الإيجاز والاختصار، دون البسط والانتشار؛ ليكون ذلك أدعى لنشاط الدارس، وأسرع لفهمه، وعدة لتذكره، وجعلت مسائلها على الولاء حسب ما هي في الأمهات إلا شيئا يسيرا ربما قدمته أو أخرته، واستقصيت مسائل كل كتاب فيه، خلا ما تكرر من مسائله، أو ذكر منها في غيره، فإني تركته مع الرسوم، وكثير من الآثار، كراهية التطويل.

  وصحّحت ذلك على روايتي عن أبي بكر بن أبي عقبة عن جبلة بن حمود عن سحنون. وكان الفراغ من تأليفه سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة». [التهذيب (1/168)].

اعتماده في المذهب:

   كتاب التهذيب لأبي سعيد البراذعي من أوائل الكتب المعتمدة عند المالكية في الفتوى والتدريس والمناظرة، وعليه معولهم شرقا وغربا.

   وقد استثُني من كتب البراذعي التي أفتى فقهاء القيروان برفضها وترك قراءتها، لما صحب بني عبيد، ومال إليهم، وذلك راجع لدقته في التهذيب والاختصار، وجودة عمله فيه، قال في المعيار: إن أهل المذهب هجروا «كتب البراذعي على نبلها، ولم يستعمل منها على كره من كثير منهم غير التهذيب الذي هو المدونة اليوم؛ لشهرة مسائله، وموافقته في أكثر ما خالفت فيه ظاهر المدونة لأبي محمد». [المعيار المعرب (2/480)]، وقال النابغة الغلاوي [ البوطليحية، البيت رقم (56)]:

واعتمدوا التهذيب للبرادعي

 

وبالمدونة في البرى دعي

   وقد صار التهذيب الكتاب المعتمد في مجالس العلم، وعليه المعول بالمغرب والأندلس في الدرس الفقهي، قال عياض: «وقد ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه، وتيمنوا بدرسه وحفظه، وعليه معول أكثرهم بالمغرب والأندلس». [ترتيب المدارك (7/257)]، زاد ابن فرحون: «أن المناظرة في جميع حلق بلدانها [أي صقلية] إنما كانت بكتاب البرادعي: التهذيب». [الديباج (ص: 183)]، قال ابن ناجي (ت839ﻫ) أيضا: «أما في زماننا فما المعول إلا عليه شرقا وغربا». [معالم الإيمان (3/147)].

   وقد نسخ التهذيب ما قبله من مختصرات المدونة، بل هجر الناس المدونة نفسها إليه، وسموه باسمها، قال الحطاب: «ويسمى اختصاره بالتهذيب، واشتغل الناس به حتى صار كثير من الناس يطلقون المدونة عليه». [مواهب الجليل (2/47)].

مخطوطاته:

للكتاب نسخ مخطوطة كثيرة: جلها بالخزائن المغربية، وأخرى بتونس، ومصر، وإسبانيا، وفرنسا، وإيرلندا.

طبعاته:

الكتاب مطبوع في أربعة مجلدات، بتحقيق ذ محمد الأمين ولد محمد سالم بن  الشيخ، ط1، طبعة دار البحوث بدبي.

الجزء الأول: سنة: 1420ﻫ، ثم صدرت الأجزاء الثلاثة الأخرى سنة: 1423ﻫ.

وللكتاب أيضا طبعة أخرى، بتحقيق وتعليق: ذ أحمد فريد المزيدي.

بقلم: الباحث عبد الرحيم اللاوي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله في مجهودكم، مقال دقيق محكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق