مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة

يعد كتاب «التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة» للعلامة الفقيه أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي المالكي من أنفس ما أُلِّف على كتاب المدونة للإمام سحنون، فقد شرح غريبها وضبط مشكلها وفصَّل مجملها، وصحح رواياتها واستخرج درر معانيها، فجعلها سهلة الفهم يسيرة التناول، وليس ذلك بمستغرب عن إمام مثل القاضي عياض الذي تغني شهرته عن التعريف به؛ فقد درس المدونة في شبابه على شيوخ بلده سبتة، ثم قرأها بقرطبة على أبي محمد عبد الرحمن بن عتاب(ت520هـ)، وأجلسه أهل سبتة للمناظرة عليه فيها، وكان الباعثَ له على تأليف هذا الكتاب طلبٌ تلقاه من بعض المتفقهين الذين رغبوا إليه في وضع «مجموع يشتمل على شرح كلمات مشكلة وألفاظ مغلطة؛ مما اشتملت عليه الكتب المدونة والمختلطة؛ اختلفت الروايات في بعضها، ومنها ما أرتج على أهل درسها وحفظها وربما اختلف المعنى لذلك الاختلاف فحمل على وجهين…» كما يقول رحمه الله.

ويتجلى اهتمام القاضي عياض بالمدونة في هذا الكتاب من عدة نواحي أشار إليها في المقدمة أهمها ضبط أسماء الأعلام المشكلة الواردة في الكتاب الأصل ضبطَ حروف لا ضبط حركات حتى لا يقع الخطأ في النطق بها، ومن ذلك شرح الكلمات الغريبة الواردة في نصوص المدونة سواء من الناحية اللغوية أو الشرعية مع ذكر الاختلاف بين الأشياخ في روايتها، ويندرج في هذا الإطار تنقيح نصوص المدونة حيث لا يترك فرصة دون التنبيه على كلمة أو لفظ طرحه سحنون أو أمر بطرحه، أو أشار إلى خطأه، وهو لا يكتفي بشرح الكلمات مجردة عن سياقها؛ بل يضمها إلى نظيرتها فيشرح المعنى الإجمالي للعبارة ذاكرا ما يستفاد منها من المعاني الفقهية، وفق المذهب المالكي، وقد يلجأ إلى ذكر اختلاف علماء المذهب الأوائل خصوصا في المسألة، وأحيانا يذكر اختلاف فقهاء الأمصار من المذاهب الأخرى.

ولعل ما يزيد من قيمة الكتاب  وثراء مادته تنوع المصادر التي استقى منها المؤلف رحمه الله مادته، فمنها المصادر الشفوية حيث ينقل عن شيوخه الذين أخذ عنهم وارتوى من مَعينهم، بالإضافة إلى ما كان بين يديه من المصادر الأخرى في اللغة والغريب ومتون الحديث ورجاله، وكذا دواوين الفقه المالكي وغير ذلك من أنواع المعارف والعلوم التي يحفل بها الكتاب، والتي جعلته من الكتب التي لا يستغني عنها المبتدئ في العلم ولا الشادي فيه المنتهي، ويفسر ذلك ما تناقلته المصادر من عبارات الثناء على الكتاب وصاحبه، فقال ابن فرحون في الديباج:«جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل»، ويؤكد هذا الأمر أيضا ويجليه اعتماده من قبل من جاء بعده؛ وتعويلهم عليه؛ فقد أكثر القرافي من النقل عنه في كتابيه «الذخيرة في الفقه» و«الفروق»، ونقل عنه كذلك أبو الحسن علي بن سعيد الرجراجي في «مناهج التحصيل»، و«المواق في التاج والإكليل»، والحطاب في «مواهب الجليل» وغيرهم.

طبع كتاب التنبيهات المستنبطة، طبعتين إحداهما بتحقيق الدكتورين محمد الوثيق، وعبد النعيم حميتي، وصدرت عن دار ابن حزم ببيروت في أربع مجلدات سنة 2011م، وصدرت الثانية في خمس مجلدات بتحقيق الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب، عن مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث بالقاهرة سنة 2012م، ولكن الأولى أجود وأحسن، كما حُقق الكتاب أيضا في رسالة علمية من قبل الدكتور بنسالم الساهل، ونال بها شهادة الدكتوراه بكلية الآداب ببني ملال سنة 2006/2007م.

الكتاب: التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة

 المؤلف: أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي(ت544هـ).

مصادر ترجمته: التعريف بالقاضي عياض لولده محمد، وقلائد العقيان(1/221)، ، بغية الملتمس(ص437)، والمعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي(ص294)، والإحاطة في أخبار غرناطة(4/222)، وأزهار الرياض في أخبار عياض. 

الناشر: دار ابن حزم ببيروت، تحقيق الدكتورين محمد الوثيق، وعبد النعيم حميتي، سنة الطبع2011م.

قال ابن فرحون في الديباج(2/49):«جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل».

إعداد: ذ.جمال القديم.

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل نوقشت اطروحات في المجال الأصولي في هذا الكتاب؟

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق