مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

التقسيم والتبيين في حكم أموال المستغرَقين

يندرج كتاب «التقسيم والتبيين في حكم أموال المستغرَقين»، ضمن الكتب المؤلفة في القضاء، بل هو من المؤلفات الفريدة في بابه، ومؤلفه أحد أعلام القرن الهجري الثامن، وهو أبو زكرياء يحيى بن محمد بن الوليد الشِّبلي، وقد ضَنَّت المصادر بذكر ترجمته وأخباره فلم نظفر من ذلك بشيء، إلا أنه وُصف في ديباجة إحدى النسخ الخطية للكتاب بالشيخ الفقيه الإمام العالم، وفي أخرى بزيادة:«الحافظ المحقق الذَّكي»، وهذه التحلية تدل على أنه تبوأ مكانة علمية كبيرة في زمانه.

تناول رحمه الله في هذا الكتاب مسألة استغراق الذمة بالمال الحرام بعد توبة صاحبه أو الضرب على يديه من قبل السلطان أو ولي أمره، وهي من المسائل الشائكة التي تناثر الحديث عنها في كتب النوازل، فجمع المؤلف منها في هذا المؤلَّف ما تناثر في غيره، وزاد عليه مع حسن التبويب والترتيب، وقد بيّن سبب تأليفه له فقال رحمه الله في فاتحته:«فإني لما رأيت جملة من الأصحاب المرابطين مضطرين إلى المعاملات، ورأيت أهل زماننا وقلَّ ما يوجد فيهم البرئ من التِّباعات(ما يتبع الذمة من ديون العباد) ندبني ذلك إلى تقييدٍ وتقسيمٍ أشرح فيه حال المعاملة بما في أيدي الظلمة المستغرَقين، وأبين فيه ما يجوز من ذلك أو يمتنع للمتقين».

وبالنظر في المنهج الذي سلكه الإمام الشِّبلي في هذا الكتاب نجده تدرَّج فيه من العام نحو الخاص إلى أن يصل إلى جوهر الإشكال الذي أراد معالجته، فقد قسَّم الكتاب إلى أربعة أبواب، الأول في الحلال، وتحدث فيه عن فضيلة طلب الحلال وأصنافه ودرجاته، والثاني في الحرام، وبيَّن فيه وجوه أكل أموال الناس بالباطل، وهي: الغَصْب والتعدي والخيانة والربا والسُّحت والقمار والغرر والغش والخديعة والخِلابة (المخادعة)، مع استحضار الأدلة الشرعية على تحريمها، والباب الثالث في الورع مُبينا حقيقته ودرجاته، مُنبها إلى بعض الأمور التي قد يظن أنها من الورع وليست منه.

ويعتبر الباب الرابع محور الكتاب ولبَّه، وعليه مدار مادته، وتحدث فيه عن المشتبهات، وبيّن مراتبها، وقسّمها ثلاثة أقسام: ما يتقوى الاشتباه فيه في حق العامة والخاصة؛ حتى يُقال فيه: إنه مشتبه في نفسه ولا يعلمه إلا الله، وما قويت شبهته في حق الأكثرين ويعلمه القليل، والثالث مشتبه على الموسوَسين وليس بشبهة، ثم بيَّن أن مقصوده من الحديث في هذا الكتاب عن الثاني فقال:«وحكم المتوسط من الأقسام هو المقصود في الحديث، وعليه مدار هذا المجموع؛ يتضح حكمه بالكلام على ما وعدناه والتزمناه من شرح المعاملة بما في أيدي الظلمة والمستغرَقين»، ثم شرع في بيان أحكام ذلك وتفصيل مسائله بأسلوب فقهي سهل، مستندا في ذلك بالدرجة الأولى إلى كتب الفقه المالكي مثل:«المدونة» لسحنون، و«العُتْبِيَّة» للعُتْبِي، و«المجموعة» لابن عَبْدُوس، و«الواضحة» لابن حبيب، و«الجامع» لابن يونس، و«التبصرة» للَّخمي، وغيرها، وكان أكثر اعتماده على كتاب «الأموال» لأحمد بن نصر الداودي، ونوازل الإمام ابن رُشد الجد، كما يُشير أحيانا إلى فتاوى بعض شيوخه مثل الشيخ أبي عبد الله الزَّوَاوي.

ونظرا لقيمة هذا الكتاب وتفرُّده في هذا الموضوع فقد استفاد منه من جاء بعده، مثل الونشريسي في «المعيار المعرب»، والمغيلي في «الدرر المكنونة في نوازل مازونة» كما قرّر ذلك محققه.

طبع كتاب التقسيم والتبيين في حكم أموال المستغرَقين، بتحقيق الدكتور جمعة محمود الزريقي، وصدر ضمن منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة(الإسيسكو)، بالرباط سنة 1414هـ/1993م، ونشر المحقق نفسه قبل ذلك مقالا في التعريف به بمجلة دار الحديث الحسنية العدد 10 سنة 1413هـ/1992م (ص45-61)، بعنوان:«نظرية استغراق الذمة بالمال الحرام من خلال كتاب التقسيم والتبيين في حكم أموال المستغرقين، لأبي زكرياء يحيى بن محمد بن الوليد الشبلي».

تحميل الكتاب

إعداد: ذ. جمال القديم

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق