مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

التفسير الصوفي الإشاري من خلال نموذج لطائف الإشارات للقشيري (12)

ذ. عبد الرحيم السوني.

باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك.      

منهج الإمام القشيري في تأليف لطائف الإشارات:

ليس من السهل وضع تفسير “اللطائف” داخل إطار منهجي معين، لأنه لا يحتكم إلى قواعد وضوابط التفسير التقليدي المعروف عند المهتمين بهذا العلم، إذ هو استخراج للإشارات السلوكية والتربوية والأخلاقية من القرآن الكريم، سواء المتعلقة بالأحكام أو العبادات أو القصص أو غير ذلك، وهي كلها أمور ظاهرة تقف وراءها إشارات ورقائق تهم النفس البشرية وتزكيتها بحسب نظر القشيري.

وسنحاول الوقوف على أهم السمات والركائز المنهجية المعتمدة عند القشيري في تفسيره والتي ارتأينا أن ندرسها من خلال مجموعة من العناصر وهي كالتالي:

أولا: الوقوف عند دلالة العنوان الذي وضعه القشيري لهذا التفسير.

ثانيا: الوقوف عند الإشارات المنهجية المعلن عنها في المقدمة.

ثالثا: الشكل الذي صاغ به القشيري هذا التفسير، والأدوات المعتمدة في بناء مضامينه.

رابعا: نماذج من بعض القضايا التي تطرق إليها القشيري في هذا التفسير.

 

أولا: العنوان الذي وضعه القشيري لهذا التفسير:

إذا تأملنا عنوان هذا التفسير “لطائف الإشارات” سيظهر جليا أنه عنوان معبر عن مضمون الكتاب ومقاصده وأبعاده ومراميه، وكذا المنهج أو الطريقة المعتمدة فيه. فقد أكد القشيري في مقدمته إلى أن ما يوجد في هذا التفسير إنما هو من باب ما: «أكرم الأصفياء من عباده بفهم ما أودعه من لطائف أسراره و أنواره لاستبصار ما ضمنه من دقيق إشاراته وخفي رموزه، بما لوح لأسرارهم من مكنونات، فوقفوا بما خصوا من أنوار الغيب على ما استتر عن أغيارهم، ثم نطقوا على مراتبهم و أقدارهم، والحق سبحانه وتعالى يلهمهم بما به يكرمهم، فهم به عنه ناطقون، وعن لطائفه مخبرون، وإليه يشيرون، وعنه يفصحون، والحكم إليه في جميع ما يأتون به ويذرون»[1]. مما يعني أن مسألة الخوض في غمار التفسير الإشاري للقرآن الكريم، أمر موكول لخاصة الخاصة من المسلمين، لأنه عمل ناتج عن جهود مضنية في تصفية النفس والقلب من كل العلائق، وتحليتها بكل الأوصاف السنية[2]، وبالتالي فإن هذا التفسير يعتبر تفسيرا ذوقيا، إشاريا، يتجاوزفيه صاحبه كثافة الألفاظ إلى لطافة المعاني، ويتعدى حدود العبارة للدخول إلى عالم الإشارة، وهو ما أجمله القشيري في “لطائف الإشارات” فكانت إشارة منه إلى ما في تفسيره من المعاني الإشارية واللطائف العرفانية.

 

 


[1] ـ ينظر مقدمة اللطائف، ص: 53.

[2] ـ ربما كانت هذه الشروط هي السبب في قلة ما وصلنا من هذا اللون من التفسير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق