مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

التفسير الصوفي الإشاري من خلال نموذج لطائف الإشارات للقشيري (6)

ذ. عبد الرحيم السوني.

         باحث بمركز دراس بن إسماعيل

2ـ موقف التأييد:

بعكس ما يذهب إليه أصحاب الموقف الأول، نجد أن أغلبية العلماء يؤيدون ممارسة الصوفية للتفسير الإشاري للنص القرآني، وعلى رأس هؤلاء الإمام الشاطبي الذي يقول: «الاعتبارات القرآنية الواردة على القلوب الظاهرة للبصائر إذا صحت على كمال شروطها فهي على ضربين: أحدهما: ما يكون أصل انفجاره من القرآن و يتبعه سائر الموجودات، فإن الاعتبار الصحيح في الجملة هو الذي يخرق نور البصيرة فيه حجب الأكوان من غير توقف، فإن توقف فهو غير صحيح أو غير كامل، حسبما بينه أهل التحقيق بالسلوك، و الثاني: ما يكون أصل انفجاره من الموجودات جزئيها أو كليها و يتبعه الاعتبار في القرآن، فإن كان الأول فذلك الاعتبار صحيح، وهو معتبر في فهم باطن القرآن من غير إشكال، لأن فهم القرآن إنما يرد على القلوب على وفق ما نزل له القرآن، وهو الهداية التامة على ما يليق بكل واحد من المكلفين، وبحسب التكاليف وأحوالها، لا بإطلاق، وإذا كانت كذلك، فالمشي على طريقها مشي على الصراط المستقيم، ولأن الاعتبارالقرآني قلما يجده إلا من كان من أهله عملا به على  تقليد أو اجتهاد، فلا يخرجون عند الاعتبار فيه عن حدوده، كما لم يخرجوا في العمل به  والتخلق بأخلاقه عن حدوده، بل تنفتح لهم أبواب الفهم فيه على توازي أحكامه ويلزم من ذلك أن يكون معتدا به لجريانه على مجاريه. والشاهد على ذلك ما نقل من فهم السلف الصالح فيه، فإنه كله جار على ما تقضي به العربية، وما تدل عليه  الأدلة الشرعية،… وإن كان الثاني، فالتوقف عن اعتباره في فهم باطن القرآن لازم، وأخذه على إطلاقه فيه ممتنع، لأنه بخلاف الأول، فلا يصح القول باعتباره في فهم القرآن، فنقول: إن تلك الأنظار الباطنة في القرآن، في الآيات المذكورة [يريد ﴿والجار ذي القربى و الجار الجنب و الصاحب بالجنب و ابن السبيل ﴾[1]] إذا لم يظهر و يصح تنريله على معاني القرآن،لأنه وجودي أيضا، فهو مشترك من تلك الجهة غير خاص، فلا يطالب فيه المعتبر بشاهد موافق إلا ما يطلبه المربي، وهو أمر خاص، منفرد بنفسه، لا يختص بهذا الموضع، فلذلك يوقف على محله، فكون القلب جارا ذا قربى والجار الجنب هو النفس الطبيعي إلى سائر ما ذكر، يصح تنزيله اعتباريا مطلقا، فإن مقابلة الوجود بعضه ببعض في هذا النمط صحيح و سهل جدا عند أربابه، غير أنه مغرر بمن ليس براسخ أو داخل تحت إيالة راسخ، وأيضا فإن من ذكر عنه مثل ذلك من المعتبرين، لم يصرح بأنه المعنى المقصود المخاطب به الخلق، بل أجراه مجراه و سكت عن كونه هو المراد، فهو من أرباب الأحوال الذين لا يفرقون بين الاعتبار القرآني و الوجودي، وأكثر ما يطرأ هذا لمن هو بعد في السلوك، سائر على الطريق، لم يتحقق بمطلوبه. ولا اعتبار بقول من لم يثبت اعتبار قوله من الباطنية وغيرهم … ».[2]

 

 


[1] ـ سورة النساء، الآية 36.

[2] الموافقات 3/403 وما يليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق