مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

التفسير الصوفي الإشاري من خلال نموذج لطائف الإشارات للقشيري (7)

ذ. عبد الرحيم السوني.

باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك.      

نقل السيوطي عن ابن عطاء الله السكندري في كتابه لطائف المنن: «اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني العربية ليس إحالة للظاهر عن ظاهره، و لكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له و دلت عليه في عرف اللسان، و ثم أفهام باطنة تفهم عند الآية و الحديث لمن فتح الله قلبه، وقد جاء في الحديث: «لكل آية ظهر وبطن » فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم من يقول لك ذو جدل ومعارضة: هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله، فليس ذلك بإحالة، وإنما يكون إحالة لو قالوا: لا معنى للآية إلا هذا، وهم لم يقولوا ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها، و يفهمون عن الله تعالى ما أفهمهم»[1].

وبعبارة أكثر تفصيلا يقول الطاهر بن عاشور : «أما ما يتكلم به أهل الإشارات من الصوفية في بعض آيات القرآن ومن معان لا تجرى على ألفاظ القرآن ظاهرا ولكن بتأويل ونحوه فينبغي أن تعلموا أنهم ما كانوا يدعون كلامهم في ذلك تفسير للقرآن بل يعنون أن الآية تصلح للتمثل بها في الغوص المتكلم فيه، وحسبكم في ذلك أنهم سموها إشارات ولم يسموها معاني فبذلك فارق قولهم قول الباطنية، ولعلماء الحق فيها رأيان: فالغزالي يراها مقبولة قال في كتاب العلم من الإحياء: «إذا قلنا في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» فهذا ظاهره و إشارته أن القلب بيت وهو مهبط الملائكة ومستقر آثارهم، والصفات الرديئة كالغضب والشهوة والحسد والحقد والعجب كلاب نابحة في القلب فلا تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب ونور الله لا يقذفه في القلب إلا بواسطة الملائكة فقلب كهذا لا يقذف فيه النور، وقال: ولست أقول أن المراد من الحديث بلفظ البيت القلب وبالكلب الصفة المذمومة ولكن أقول هو تنبيه عليه وفرق بين تغيير الظاهر للباطن وبين التنبيه على البواطن من ذكر الظواهر» وبهذه الدقيقة فارق نزعة الباطنية، ومثل هذا قريب من تفسير لفظ عام في آية بخاص من جزئياته كما وقع في كتاب المغازي من صحيح البخاري عن عمرو بن عطاء في قوله تعالى: ﴿ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا﴾ قال هم كفار قريش، ومحمد نعمة الله (و يستمر الطاهر بن عاشور إلى أن يقول:) وعندي أن الإشارات لا تعدوا واحدا من ثلاثة أنحاء: الأول ما كان يجري فيه معنى الآية مجرى التمثيل لحال شبيه بذلك المعنى كما يقولون ﴿ومن أظلم ممن مساجد الله أن يذكر فيها إسمه﴾ إنه إشارة للقلوب لأنها مواضع الخضوع لله تعالى إذ بها يعرف فتسجد له القلوب بفناء النفوس ومنعها من ذكر الله هو الحيلولة بينها وبين المعارف اللدنية وسعى في خرابها بتكديرها بالتعصبات و غلبة الهوى فهذا يشبه ضرب المثل لحال من لا يزكي نفسه بالمعرفة و يمنع قلبه أن تدخله صفات الكمال الناشئة عنها بحال مانع المساجد أن يذكر فيها أسم الله و ذكر الآية عند تلك الحالة كالنطق بلفظ المثل، ومن هذا قولهم في حديث: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب» كما تقدم عن الغزالي. الثاني ما كان من نحو التفاؤل فقد يكون للكلمة معنى يسبق من صورتها إلى السمع هو غير معناها المراد و ذلك من باب انصراف ذهن السامع إلى ما هو المهم عنده والذي يجول في خاطره وهذا كمن قال في قوله تعالى: ﴿من ذا الذي يشفع﴾ من ذل ذي إشارة للنفس يصير من المقربين الشفعاء فهذا يأخذ صدى موقع الكلام في السمع ويتأوله على ما شغل به قلبه، ورأيت الشيخ محيي الدين يسمى هذا النوع سماعا ولقد أبدع. الثالث عبر مواعظ وشأن أهل النفوس اليقظى أن ينتفعوا من كل شيء و يأخذوا الحكمة حيث وجدوها فما ظنك بهم إذا قرءوا القرآن و تدبروه واتعظوا بمواعظه فإذا أخذوا من قوله تعالى: ﴿فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا﴾ اقتبسوا أن القلب الذي لم يمتثل رسول المعارف العليا تكون عاقبته وبالا، ومن حكاياتهم في غير باب التفسير أن بعضهم مر برجل يقول لآخر: هذا العود لا ثمرة فيه فلم يعد صالحا إلا للنار، فجعل يبكي ويقول: إذن فالقلب غير المثمر لا يصلح إلا للنار، فنسبة الإشارة إلى لفظ القرآن مجازية لأنها إنما تشير لمن استعدت عقولهم وتدبرهم في حال من الأحوال الثلاثة ولا ينتفع بها غير أولائك فلما كانت آيات القرآن قد أنارت تدبرهم وأثارت اعتبارهم نسبوا تلك الإشارة للآية فليست تلك الإشارة هي حق الدلالة اللفظية أو الاستعمالية حتى تكون من لوازم اللفظ وتوابعه كما قد تبين […] قال في الكشاف وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين من دلالة العبارة وفي شأن المؤمنين من دلالة الإشارة»[2].

 


[1] ـ الإتقان في علوم القرآن، ج4، ص: 197ـ198. التفسير والمفسرون، ج2، ص: 369.

[2] ـ التحرير والتنوير، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون للنشر والتوزيع ـ تونس، 1997، ج1، ص: 34ـ37.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق