مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

التعريف بمضمون رسالة: “المصابيح في صلاة التراويح لجلال الدين السيوطي (911هـ)”

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين:

تقديم:

     اعتنى علماء الأمة الإسلامية بالتأليف في قيام رمضان، وجمع وإيراد ما ذكر حوله من الآيات والأحاديث النبوية  الموضحة والمؤكدة لفضل قيامه، وممن صنف فيه؛ العلامة المحدث جلال الدين السيوطي (911هـ)، برسالته الموسومة بـ: “المصابيح في صلاة التراويح”، وقبل التعريف بمضمون هذه الرسالة، لابد من الإشارة اللطيفة إلى ترجمة المؤلف باختصار، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

التعريف الموجز بجلال الدين السيوطي ([1]):

هو: عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر محمد  بن سابق الأسيوطي، نسبة إلى أسيوط من قبل والده الذي ولد بها، القاهري مولدا، والشافعي مذهبا، يلقب بجلال الدين، ويكنى بأبي الفضل، ولد بالقاهرة سنة  (849هـ)، واعتنى به والده عناية خاصة؛ حيث تولى مهمة تحفيظه للقرآن الكريم، وبعد وفاة والده سنة (855هـ) أتم حفظه على يد شيخه كمال الدين بن الهمام، وقد أتم حفظه وهو دون الثامنة من عمره. ثم حفظ متون بعض الكتب في سن مبكرة.

رحل المترجم له في طلب العلم إلى بلدان عدة ؛ كالحجاز ، والشام، واليمن، والهند، والغرب الإسلامي، وغيرها، فأخذ عن شيوخ عدة وتوسعت مداركه العلمية، و رزق التبحر  في سبعة علوم : التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع على طريقة العرب والبلغاء، وفي هذا يقول عن نفسه في حسن المحاضرة: ” والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها فيها، لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي؛ فضلا عمن هو دونهم،… ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفاً بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية، ومداركها ونقوصها وأجوبتها، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها، لقدرت على ذلك من فضل الله، لا بحولي ولا بقوتي، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. “([2]) .

تفرغ -رحمه الله- للعبادة والتأليف عندما بلغ أربعين سنة ؛حيث اعتزل الناس، وخلا بنفسه ؛ فألف أكثر كتبه؛ وتجدر الإشارة إلى أنه قد شرع في التأليف قبل هذا، وذلك في سنة (866هـ) كما قال عن نفسه في حسن المحاضرة قال: ” وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين، وبلغت مؤلفاتي إلى الآن ثلاثمائة كتاب؛ سوى ما غسَّلْتُه ورجعت عنه”([3])، ومن مؤلفاته أذكر: الإتقان في علوم القرآن، مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه، إسعاف المبطأ برجال الموطأ، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، والمصابيح في صلاة التراويح … وغيرها.

لم يلتفت رحمه الله إلى جمع الأموال وقبول الهدايا؛ حيث كان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه ذلك فيرده. وطلبه السلطان مراراً فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها، وبقي على ذلك إلى أن توفي  ليلة الجمعة تاسع عشر من  شهر جمادى الأولى سنة (911هـ) .

التعريف بمضمون رسالة المصابيح في صلاة التراويح:

     موضوع هذه الرسالة كما يدل عليها عنوانها؛ حول “صلاة التراويح” ، وقد تناول فيها مؤلفها أحكاما وتفاصيلا عن هذه الصلاة ،وشرح فيها معظم أراء علماء الأمة والأحكام المتعلقة بها؛ وقد افتتحها بجوابه عن سؤال ورده مرات عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة التراويح عشرون ركعة، بنفيه لهذا الأمر؛ لأن الذي ورد في الأحاديث الصحيحة والحسنة الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد معين؛ وإنما صلى ليالي لم يذكر عددها، ثم تأخر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض على الأمة بعده فيعجزون عنها، مبينا ضعف دليل من قال بتعيينها في عشرين ركعة، وهو حديث ابن عباس رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر” ([4])، وذلك من خمسة وجوه وهي:  

الوجه الأول: إيراده وبيانه لضعف الحديث ووهائه:  حيث قال بعد تخريج الحديث المذكور : “هذا الحديث ضعيف جدا، لا تقوم به حجة “([5]) . مشيرا في ضعفه إلى أقوال العلماء المتقدمين  في ضعف هذا الخبر، مع بيان علله ،  ومن هؤلاء الإمام البخاري (256هـ)، والترمذي (279هـ)، والنسائي (303هـ)، وأبو حاتم الرازي (327هـ)، والمزي (742هـ)، وا لذهبي (748هـ) ، …وغيرهم([6]).

الوجه الثاني:  أنه قد ثبت في حديث صحيح عن عائشة أنها سئلت عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت: “ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة”([7]).

الوجه الثالث:  أنه ثبت في أثر صحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال في التراويح: ” نعم البدعة هذه” ([8])أي: بدعة حسنة. قال السيوطي: “وذلك صريح في أنها لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم”([9])؛ أي: بهذا العدد المذكور.

الوجه الرابع: أن العلماء اختلفوا في عددها، ولو ثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم لم يختلف في عددها كعدد الوتر والرواتب، فمنهم من كان يصليها أربعين ركعة كالأسود بن يزيد ، وثبت عن مالك أن صلاة  التراويح : ست وثلاثون ركعة غير الوتر([10]).

الوجه الخامس: أنها تستحب لأهل المدينة ستا وثلاثين ركعة تشبيها بأهل مكة([11]).

وختم رسالته بقول الرافعي من كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس عشرين ركعة  مع إيراده لقول ابن حجر  في الموضوع الذي قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثمان ركعات لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه([12]).  قال السيوطي: “فالحاصل أن العشرين ركعة لم تثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، وما نقله –أي الحافظ ابن حجر-عن صحيح ابن حبان غاية فيما ذهبنا إليه”([13])، مؤكدا ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملا واظب عليه،  وأن أول من سن ذلك هو  سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مستدلا بآثار العلماء التي استشهدوا بها في هذا الموضوع كسعيد بن منصور (227هـ) ، وابن سعد (230هـ)، والعسكري (395هـ)، والبيهقي (458هـ)، والسبكي (771هـ) .

الخاتمة:

    هذا قبس في التعريف بمضمون هذه الرسالة  وبمؤلفها باختصار ، ومن خلال ذلك  أخلص إلى الآتي:

1-عناية العلامة أبو بكر بن محمد السيوطي  بولده عبد الرحمن السيوطي عناية خاصة؛ وقد تولى مهمة تحفيظه كتاب الله في سن صغيرة، والذي أتمه بعد وفاة والده على يد شيخه كمال الدين بن الهمام.

2-إتمامه حفظ القرآن الكريم دون الثامنة من عمره.

3-حفظه لمتون بعض الكتب في سن صغيرة.

4-رحلته في طلب العلم إلى بلدان عدة؛ كالحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامي.

5-تبحره في علوم عدة؛ كالتفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع على طريقة العرب.

6-تفرغه للتأليف؛ حتى فاقت مؤلفاته أكثر من 300 كتاب ورسالة.

7-تعففه عن قبول الهدايا والأموال، وبقي على هذه الحال إلى أن توفي رحمه الله (911هـ).

8-تعد رسالته هذه من أهم الرسائل في موضوعها الذي تحدثت عنه وهو : “صلاة التراويح”.

9-جمع فيها مصنفه أحكاما وتفاصيلا عن صلاة التراويح وشرح فيها معظم آراء علماء الأمة والأحكام المتعلقة بها من حيث الآتي:

أ-افتتح الرسالة بجوابه عن سؤال ورده مرات عن صلاة التراويح عشرون ركعة، ونفيه لهذا الأمر ؛ لأوجه خمسة ذكرها في هذه الرسالة، وقد تقدمت الإشارة إليها.

ب-ختم رسالته بكون العشرين ركعة في صلاة التراويح لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي سنها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مستدلا بآثار العلماء التي استشهدوا بها في الموضوع وقد تقدمت.

هوامش المقال:

([1])  لم أر التوسع في ترجمته؛ لأنه علم معروف ومشهور ، وقد رمت إلى اختصار ها ، ومن مصادر ترجمته التي وقفت عليها أذكر الآتي: حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة وهو الكتاب الذي ترجم فيه السيوطي لنفسه ، كما رجعت إلى بعض مصادر المتأخرين عنه الذين ترجموا له؛ ومن هؤلاء أذكر:  شذرات الذهب (10 /74)، الكواكب السائرة (1 /227- 232)، الأعلام (3 /301-302)، فهرس الفهارس (2 /1010-1022).

([2])  حسن المحاضرة (1 /290).

([3])  حسن المحاضرة (1 /289).

([4])  أنظر تخريجه وطرقه في المصابيح في صلاة التراويح (ص: 16-17).

([5])  المصابيح في صلاة التراويح (ص: 17).

([6])  انظر المصابيح في صلاة التراويح (ص: 17-21).

([7])  أخرجه البخاري في صحيحه (2 /61)، كتاب: الصوم، باب: فضل من قام رمضان، برقم: (2013) .

([8])  أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 60)، كتاب: الصوم، باب: فضل من قام رمضان، برقم: (2010) .

([9]) المصابيح في صلاة التراويح (ص: 23) .

([10]) المصابيح في صلاة التراويح (ص: 31-32).

([11]) المصابيح في صلاة التراويح (ص: 32) .

([12])  موارد الظمآن (ص: 230) برقم : (922).

([13]) المصابيح في صلاة التراويح (ص: 35).

*****************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين المستشرقين). لخير الدين الزركلي. دار العلم للملايين بيروت لبنان. ط 15 / 2002مـ.

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه، وتصحيحه ، وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه،  وأبوابه،  وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه،  وقام بإخراجه،  وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400 مـ.

حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة.  لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي. وضع حواشيه: خليل المنصور. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 1997مـ.

شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لعبد الحي بن أحمد بن محمد العكبري الحنبلي. أشرف على تحقيقه وخرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط- حققه وعلق عليه: محمود الأرناؤوط. دار ابن كثير دمشق بيروت . ط1/ 1414هـ- 1993مـ

فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات. لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. باعتناء د إحسان عباس.  دار الغرب الإسلامي بيروت. ط2/ 1402هـ- 1982مـ.

الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة.  لنجم الدين محمد بن محمد الغزي. وضع حواشيه: خليل المنصور. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. ط1/ 1418هـ- 1997مـ.

المصابيح في صلاة التراويح. لجلال الدين السيوطي. دار القبس – دار عمار  عمان ط1/ 1406هـ- 1986مـ.

موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان. لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي . حققه ونشره: محمد عبد الرزاق حمزة. دار الكتب العلمية بيروت 1990مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق