مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

التعريف بمراحل تطور المذهب المالكي

الدكتور عبدالله معصر

رئيس مركز دراس بن إسماعيل:


3-مفهوم المخالفة: والمفهوم هو المعنى الذي دل عليه اللفظ في غير محل النطق عكس المنطوق، إذ هما متقابلان، وينقسم المفهوم إلى قسمين:

القسم الأول: مفهوم الموافقة، وحده إعطاء ما ثبت للفظ من حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى، كان الحكم المنطوق به منفيا أو موجبا كقوله تعالى: ( فلا تقل لهما أف)[1]، فالنهي عن التأفيف منطوق به، وعن الضرب مفهوم موافق للتأفيف من باب أولى بجامع الإذاية في كل، إذ هي أشد في الضرب.

والقسم الثاني: مفهوم المخالفة، وحده إثبات نقيض الحكم المنطوق به للمسكوت عنه، ومفهوم المخالفة أنواع منها:

-الظرف زمانا كان أو مكانا، كقوله تعالى:( الحج أشهر معلومات)[2]، مفهومه أن الإحرام في غير تلك الأشهر غير مشروع.

-ومنها العدد، كقوله تعالى: ( فاجلدوهم ثمانين جلدة)[3]، فمفهومه أنه لا يجوز ضربهم أكثر من ذلك ولا أكثر.

-ومنها الشرط كقوله تعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن)[4] ، فمفهومه انتفاء المشروط الذي هو الإنفاق عند انتهاء الشرط الذي هو الحمل.

-ومنها الغاية كقوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)[5] ، أي فإذا نكحته حلت للأول بشرطه المعروف في الفروع.

-ومنها الحصر كقوله تعالى: ( إياك نعبد)[6] أي لا نعبد إلا إياك.

-ومنها الصفة كقوله تعالى: ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)[7] ، فمفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبين في خبره، فيجب قبول خبر الواحد العدل.

واختلف في الاحتجاج بهذه المفاهيم على أقوال كثيرة، والأصح أنها كلها حجة بشروط[8].

4-مفهوم الموافقة: وقد تقدم حده، ومن أقسامه المندرجة فيه المفهوم بالأولى، والثابت بالمفهوم مثل الثابت بالمنطوق في كونه قطعيا مستندا إلى النظم، لاستناده إلى المعنى المفهوم في النظم لغة، فهو فوق الثابت بالقياس بالرأي والاجتهاد[9].

5-التنبيه على العلة: ويعرف أيضا بدلالة الإيماء، وحده أن يقرن الوصف بحكم لو لم يكن الوصف علة ذلك الحكم عابه الفطن بمقاصد الكلام، لأنه لا يليق بالفصاحة، كقوله تعالى:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)[10]، فقد اقترن الوصف وهو أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكم وهو الخيرية، والوصف هنا إن لم يكن لتعليل الحكم عليهم بالخيرية عابه الفطن بمقاصد الكلام[11].

ومن السنة مثل هذه الخمسة فهذه عشرة.

6-الإجماع: وهو اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار على أي أمر كان.

7-القياس: وهو عبارة  عن إلحاق صورة مجهولة الحكم بصورة معلومة الحكم لأجل جامع بينهما يقتضي ذلك الحكم، والصورة المعلومة الحكم تسمى أصلا، والصورة المجهولة الحكم تسمى فرعا، ومثاله قياس النبيذ الذي هو مجهول الحكم ومحل النزاع على الخمر الذي هو معلوم الحكم ومحل الاتفاق، فالخمر هو الأصل، والنبيذ هو الفرع، والجامع الإسكار، والحكم المطلوب إثباته في الفرع التحريم[12].

8-عمل أهل المدينة: والمراد به إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين، لأنهم أعرف بالوحي وبالمراد منه، وهذا الدليل من أمهات مسائل مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى، وقد اشتهر أن عمل أهل المدينة حجة عند مالك، فمنهم من يطلق هذه العبارة، ومنهم من يقيدها، ومنهم من يشنع على المالكية بهذا الدليل، وهم إذا تكلموا، فإنما يتكلمون في غير موضع خلاف، ولا تحرير لمسألة، ومنهم من لم يتصور المسألة ولا تحققها[13]، وتحقيق القول في هذا الدليل ما قاله القاضي عياض أن ما ينقل عن أهل المدينة: (إما نقل شرع من جهة النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل كالصاع والمد، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ منهم بذلك صدقاتهم وفطرتهم، وكالآذان والإقامة، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وكالوقوف والأحباس، فنقلهم لهذه الأمور من قوله وفعله كنقلهم موضع قبره ومسجده ومنبره ومدينته، أو نقل إقراره عليه الصلاة والسلام لما شاهده منهم ولم ينقل عنه إنكاره، أو نقل تركه لأمور وأحكام لم يلزمهم إياها مع شهرتها لديهم وظهورها فيهم، كتركه أخذ الزكاة من الخضروات مع علمه عليه السلام بكونها عندهم كثيرة، فهذا النوع من إجماعهم في هذه الوجوه حجة يلزم المصير إليه، ويترك ما خالفه من خبر واحد أو قياس، وإلى هذا رجع أبو يوسف وغيره من المخالفين ممن ناظر مالكا وغيره من أهل المدينة في مسألة الأوقاف والمد والصاع، حين شاهد النقل وتحققه، وهو الذي تكلم عليه مالك عند أكثر المالكية، وأما إجماع أهل المدينة على عمل على طريق الاجتهاد والاستدلال، فهذا النوع اختلف فيه المالكية، فذهب معظمهم إلى أنه ليس حجة ولا فيه ترجيح وهو قول كبراء البغداديين منهم ابن بكير وأبو الفرج القاضي وأبو بكر الأبهري وغيرهم، وذهب معظمهم إلى أنه ليس حجة، ولكن يرجح به على اجتهاد غيرهم، وذهب بعض المالكية إلى أن هذا النوع  حجة كالنوع الأول، وحكوه عن مالك ولايصح عنه مطلقا)[14].

9-قول الصحابي: وهو أن رأي الصحابي المجتهد أي مذهبه في المسألة حجة في غير حق الصحابة كالتابعي فمن بعده من المجتهدين، بمعنى أنه يجب عليه اتباعه ولا يجوز له مخالفته، وهذا هو المشهور عن مالك[15].

 

 

 

 

الهوامش: 

 


[1]  -سورة الإسراء الآية 23

[2]   -سورة البقرة الآية197

 -[3]  سورة النور الآية 4

-[4]  سورة الطلاق الآية 6 .

-[5]  سورة البقرة الآية 230 .

 -[6] سورة الفاتحة الآية 5 .

[7]    -سورة الحجرات الآية 6 .

 -[8] نشر البنود ج1ص95 والجواهر الثمينة ص137

 -[9] الجواهر الثمينة ص142.

  -[10] سورة آل عمران الآية 110 .

 -[11] الجواهر الثمينة ص147 .

 -[12] مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول:للتلمساني ص105 .

 -[13] الجواهر الثمينة ص207.

 -[14] ترتيب المدارك ج1ص 47.

 -[15]  نشر البنود ج2ص264 والجواهر ص215 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق