مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

التعريف بكتاب: “بلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام”، لأبي عبد الله محمد ابن مسعود الطرنباطي (1214هـ).

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث معلما ومربيا للعالمين، فكان إسوة حسنة لأصحابه  وأتباعه إلى يوم الدين.

وبعد؛

فقد اهتم العلماء،  والفلاسفة،  والباحثون عبر العصور بموضوع العلم وتعلمه، وطرق وأساليب الحصول عليه، فوضعوا مجموعة من النظريات،  والمناهج،  والطرق،  والأفكار التربوية، ولعلماء المسلمين – شرقا وغربا – مساهمة ومشاركة كبيرة في مجال التربية والتعليم،  فألفوا مؤلفات تعد مرجعا في هذا الفن من التأليف، ومن بين هؤلاء: العلامة محمد بن مسعود الطرنباطي،  الذي يعد من علماء التربية، ألف كتابا سماه: “بلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام”، ولأهمية هذا الكتاب،  وقيمته العلمية في التربية والتعليم،  اخترت التعريف به،  وبصاحبه. فأقول وبالله التوفيق:

أولا:  التعريف بالمؤلف[1]:

هو: الشيخ،  الفقيه،  الأديب،  النحوي،  الأريب،  العالم،  العلامة،  المشارك،  المحقق،  أبو عبد الله محمد بن مسعود بن أحمد الطرنباطي الأموي العثماني نسبا،  الأندلسي أصلا،  الفاسي منشأ ودارا وقرارا،   وكانت ولادته بفاس  في بيت عريق،  تمتد جذوره إلى  عهد الخلافة الأموية  بالأندلس، وهو من أشهر بيوتات  مدينة فاس القديمة.

تلقى العلم على يد مجموعة من شيوخ عصره منهم:  محمد بن الطاهر الفاسي (تـ: 1177هـ)، وأبو زيد عبد الرحمن بن أبي العلاء إدريس المنجرة(1179هـ)،  وأبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس (تـ: 1182هـ) ، وأبو عبد الله محمد بن محمد الخياط الدكالي(تـ : 1184هـ)، وأبو حفص عمر بن عبد الله الفاسي (تـ: 1188هـ)،  وأبو عبد الله محمد بن الحسن  بناني (تـ: 1194هـ)، وأبو محمد عبد الكريم بن علي بن عمر بن أبي بكر بن  إدريس اليازغي(تـ: 1199هـ).

 وتخرج على  يده علماء أجلاء من بينهم: أبو الربيع السلطان مولاي سليمان بن محمد بن إسماعيل العلوي الحسني (تـ: 1238هـ)، وأبو  حامد العربي  بن محمد الدمناتي (تـ: 1253هـ)، وأبو محمد عبد القادر بن أحمد بن أبي جيدة  الكوهن(1254هـ).

وللعلامة الطرنباطي مؤلفات كثيرة منها:  رشف الزلال من عين الحياة في مباحث في البسملة والحمدلة والصلاة، وشرح خطبة ألفية ابن مالك، وتقييد في الفعل المؤكد بالنون عند قول ابن مالك في الخلاصة: وآخر المؤكد افتح كابرزا، وإرشاد السالك إلى فهم ألفية ابن مالك، وهو حاشية على ألفية ابن مالك. ورسالة في الخنثى المشكل، وبلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام.

وقد أثنى عليه غير واحد من العلماء، قال في حقه محمد بن جعفر الكتاني:وكان رحمه الله  ذا نية صالحة في تعليم العلم وبثه، مع المروءة التامة، مقبلا على شأنه، مشتغلا بما يعنيه، مليح الدعابة، ذا دين متين، وتقى مستبين”[2].

توفي رحمه الله  يوم الإثنين 6 محرم سنة (1214هـ) ودفن بمقبرة المنجريين،   قربة روضة سيدي رضوان، خارج باب فتوح.

ثانيا: التعريف بكتاب: بلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام.

يتناول  الكتاب  كما يفهم من عنوانه “بلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام ”  مجموعة من القضايا والمسائل في مجال علوم التربية،  وهي ذات أهمية كبيرة  جدا،  شغلت علماءنا المسلمين المتقدمين، وما زالت تشغل بال الدارسين،  والباحثين التربويين  في عصرنا الحاضر، وهي قضايا كثيرة جدا.

وقد ألف ـ رحمه الله ـ هذا الكتاب بطلب وإيعاز من مجموعة من طلاب العلم، يقول الطرنباطي في مقدمة كتابه:” فإن بعض الأحبة ممن خلص في وده، وصعب علي فيما طلب مني رده، طلب مني أن أجمع له شيئا من فضائل العلم  والعلماء؛ لتنبعث النفوس إلى طلبه وتحصيله، إذا سمعت ما أعده الله لأهله…” [3]  يفهم من هذا الكلام أن العلامة الطرنباطي كان حريصا على تعلم العلم،  ونشره،  وغرسه في النفوس؛ لذا لم يتردد في تأليف الكتاب.

وقد رتب كتابه رحمه الله على مقدمة،  وخمسة أبواب،  وخاتمة.

فالمقدمة: تحدث فيها عن أقسام العلوم،  وسبب وضعها، وقد قسم العلم،  وجعله على قسمين: قديم وحديث، والقديم في  نظره: غير منقسم، أما الحادث: فقد قسمه إلى نوعين: ضروري ونظري، أولا: الضروري: وهو ما يدرك من جهة الحس والعقل، ثانيا: النظري: وهو الحاصل بالكسب والطلب، أي: ما كان طريقه الاستدلال والنظر.

الباب الأول: تناول فيه فضل العلم وشرفه، واستدل بكثير من الشواهد العقلية والنقلية  التي تؤيد ذلك، بدأ بالشواهد العقلية، حيث أورد نصا طويلا للفخر الرازي، بين فيه أن العلم صفة الكمال وأن الجهل صفة نقص، وأن طباع الحيوان قد ركز فيها الانقياد للإنسان، وفي طباع الناس كل طائفة تنقاد لأعلى منها وتعظمه، ثم انتقل إلى الشواهد النقلية  من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح، كلها ترفع من شأن العلم  والعالم، وتذم الجهل،  وتحط من قدر الجاهل ، ثم تحدث عن مسألة المفاضلة بين العلم  والعبادة ما لم تكن  هذه الأخيرة فريضة، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم”[4].

وأما الباب الثاني: فقد تناول فيه أهمية العلماء،  والمكانة الرفيعة التي امتازوا بها في الدين الإسلامي على سائر الناس، وأورد الكثير من النصوص الشرعية التي تنوه بهم، وترفع  من شأنهم،  وتضعهم في مراتب عليا تليق بهم،  فهم ورثة الأنبياء.

أما الباب الثالث: فقد خصصه للتحذير من قراءة العلم لغير وجه الله،  وما جاء في ذلك من وعيد؛ حيث يرى أن أول ما يجب على طالب العلم أن يتزود به لطلب العلم هو الإخلاص لله سبحانه وتعالى قولا وعملا؛ لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا له سبحانه؛ فإن فقد الإخلاص،  وأصبح القصد من تحصيل العلم المباهاة،  والشهرة بين الناس، يكون هذا العلم حجة على صاحبه يوم القيامة، واستدل على ذلك بآيات وأحاديث كثيرة، مع تأكيده على ضرورة اقتران العلم بالعمل.

أما الباب الرابع والخاماس: فقد تناول فيهما الطرنباطي مجموعة من القضايا،  والمسائل،  والمرتكزات التربوية،  منها: ما يتعلق بآداب المعلمين،  ومنها: ما يتعلق بآداب المتعلمين،  ومن القضايا التربوي التي تطرق إليها في هذين البابين: طرق التعلم،  ومنهجية التدريس، وآدابهما،  وآداب مجالس العلم، ومقومات التعلم الناجج،  كاختيار المعلم والصاحب، والعوامل المساعدة على تحصيل العلم منها: المواظبة على طلب العلم، والحرص عليه،   والانقطاع عن مشاغل الدنيا،  والرحلة في طلبه ، وتقوى الله….

كما بث في كتابه رحمه الله مجموعة من الحكم التربوية المحفزة  على طلب العلم وتحصيله،  وهي حسنة غاية،  منها:

* أي شيء فات من أدرك العلم؟[5].

*تعلم مسألة خير من عبادة سنة[6].

* العلم إذا أعطيته كلك أعطاك بعضه[7].

* العلم يرفع من الثرى إلى الثريا[8].

* لا يدرك العلم من لا يطيل درسه، ولا يكد نفسه[9].

* لكل شيء طريق وطريق الجنة العلم[10].

* من دام كسله، خاب أمله[11].

 * من لازم الرقاد حرم المراد[12].

والخلاصة: أن كتاب بلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام كتاب جليل القدر، عظيم النفع،  تناول فيه صاحبه قواعد دقيقة، وفوائد جليلة، وتوجيهات تربوية قيمة، مؤصلة من القرآن والسنة،  وأقوال السلف،  تساعد المعلم والمتعلم  على حصول العلم،  كما يدل هذا الكتاب على أن علماء  الغرب الإسلامي عامة،  وعلماء فاس خاصة،  لهم مساهمة،  ومشاركة متميزة في مجال التربية والتعليم.

***************

هوامش المقال

[1]  سلوة الأنفاس (2 /302 ـ 203)، معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين(2 /259)، معجم المطبوعات المغربية (ص: 212).

[2]  سلوة الأنفاس (2 /303).

[3]  بلوغ أقصى المرام (ص: 464).

[4]  بلوغ أقصى المرام (ص: 465).

[5]  بلوغ أقصى المرام (ص: 269).

[6]  بلوغ أقصى المرام (ص: 246).

[7]  بلوغ أقصى المرام (ص:430).

[8]  بلوغ أقصى المرام (ص: 252).

[9]  بلوغ أقصى المرام (ص: 424).

[10]  بلوغ أقصى المرام (ص: 272).

[11]  بلوغ أقصى المرام (ص: 424).

[12]  بلوغ أقصى المرام (ص: 424).

**************

جريدة المصادر والمراجع:

بلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما به يتعلق من الأحكام، لمحمد بن مسعود الطرنباطي، تقديم وتحقيق: عبد الله رمضاني، مركز الدراسات والأبحاث وإحياء الثراث، الرابطة المحمدية للعلماء، ط1، 1429هـ ـ 2008م.

سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لجعفر بن إدريس الكتاني. تحقيق:  عبد الله الكامل الكتاني، وحمزة بن محمد الطيب الكتاني، ومحمد حمزة بن علي الكتاني، ط دار الثقافة، ط1ـ سنة 1425 هـ ـ2004 م.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم مخلوف، تعليق: عبد المجيد خيالي، ط دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1424 هـ ـ 2003 م.

معجم المطبوعات المغربية،  لإدريس بن الماحي الإدريسي القيطوني الحسني، مطابع سلا، سنة: 1988م.

 معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين، لعبد الرحمن بن زيدان، تحقيق: حسن الوزاني،  دار أبي رقراق ط1، 1430هـ ـ 2009م.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق