مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

التعريف بـ “تقييد على حديث من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال” للطيب بن كيران

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

بقلم الباحث: عبد الفتاح مغفور*

وبعد؛

يعدّ تقييد”الطيب بن كيران على حديث “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال من أفضل التقييدات على هذا الحديث الشريف، وأجداها نفعا، وأدقّها منهجا، فهو حافل بالاستنباطات الفقهية القيمة،وبالفوائد، والفرائد، والحكم والمقاصد الجيدة.

ونظرا لأهميته ارتأيت أن أكتب مقالا عنه للتعريف به، وقسمته إلى قسمين:

1 ـ التعريف بالمؤَلِّف: الطيب بن كيران.

2 ـ التعريف بالمؤَلَّف:تقييد على حديث من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال

الأول: التعريف بالمؤلف[1]

هو أبو عبد الله محمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام بن كيران الفاسي دارًا ومنشأ، ولد بفاس سنة 1172هـ، من أسرة ابن كيران المشهورة بفاس، كانت هذه الأسرة تقطن في عدوتي الأندلس والقرويين، ومنها التجار، والعلماء، والقضاة، وهي فروع عديدة، انتقل كثير من أفرادها منذ القديم، إلى مدن شتى.
أخذ الشيخ ابن كيران قواعد العلم بفاس، فكان من جملة من أخذ عنهم الشيخ محمد التاودي بن سودة، والشيخ عمر الفاسي، والشيخ محمد بناني، والشيخ زين العابدين العراقي، والشيخ محمد بن طاهر الهواري، وغيرهم ممن عاصرهم من علماء فاس.

وأخذ عنه ثلة من العلماء لا يحصون، أبرزهم السلطان المولى سليمان الذي جمعته معه علاقة جيدة، والشيخ عبد القادر الكوهن، والشيخ حمدون بن الحاج، وأحمد بن عبد السلام بناني،والشيخ ابن عجيبة التطواني،وغيرهم..
تفرد الشيخ في وقته بالجمع بين علمي المعقول والمنقول، والفروع والأصول، وله في العربية باع مديد ونظم سديد، واشتغل بالتدريس في القرويين، ومن الفنون التي درّسها وأجاد فيها: التفسير، والمنطق، والتصوف، والنحو، والبلاغة، وعرف في أكثر هذه الفنون بالاجتهاد لا بالتقليد، لذلك تمتع باحترام كبير من طرف السلطان المولى سليمان الذي كان يستشيره في الكثير من المشكلات والملمات، وبالجملة فالشيخ من أفذاذ العلماء وكبارهم في زمانه.
خلف رحمه الله مؤلفات عديدة،  منها: تفسير جليل من سورة النساء إلى غافر، وشرح توحيد المرشد المعين، وشرح الخريدة في المنطق، وشرح العشرة الأخيرة من الأربعين النووية، وتقييد في قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة ولد زنى ولا ولد ولده، وحكم لفظة: “قال” في سند الحديث،وشرح ألفية العراقي في السيرة، وحاشية على توضيح ابن هشام، وشرح على الحكم العطائية، وشرح على الصلاة المشيشية، وشرح رسالة المولى سليمان في الكسب، ونظم في المجاز والاستعارة، وغير ذلك من التآليفالمحررةتوفي رحمه الله يوم 17 محرم الحرام سنة 1227هـ/ 1812م، وكانت جنازته مشهودة، حضرها خلق كثير..
2 ـ التعريف بالمؤَلَّف:تقييد على حديث من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال

هو تقييد على حديث “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كمن صام الدهر”، بدأ الشيخ ابن كيران رحمه الله في شرحه لهذا الحديث بتخريجه وعزوه إلى الكتب الحديثية التي أخرجته، وهي: صحيح مسلم،وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجه، ومعجم الطبراني. ثم ذكر روايات أخرى له بألفاظ مختلفة مع رواتها. معتمدا في تخريجه هذا على كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري.

ثم انتقل إلى التعليق والشرح على الحديث، وتناوله في خمسة أمور:

الأمر الأول: في كراهية مالك لصيام ستة من شوال، وذكر قوله في الموطأ: لم ير أحدا من أهل العلم يصومها، ولم يبلغه ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجاهلية والجفاء[2].

ثم أتى بأقوال أصحاب مالكوآرائهم كمطرف، وابن رشد، والقاضي عياض، والشيخ خليل… الذين قالوا إن العلة في كراهة مالك لصيام ستة من شوال هي مخافة أن يلحق الجهلة برمضان غيره.

 ثمانتقلإلى الحديث عن الذين قالوا إن حديث: “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال”لم يبلغ مالك ولم يثبت عنده، أو وجد العمل بخلافه. ثم بأقوال الذين قالوا أنه بلغه، ولكن فيه سعد بن سعيد ضعفه مجموعة من علماء الجرح والتعديل كأحمد بن حنبل، وابن عيينة، والنسائي وغيرهم.

ورجح الطيب بن كيران رحمه الله القول الأول بقوله:”فالحق أن الحديث لم يبلغ مالكا، أو بلغه ووجد عمل أهل المدينة بخلافه، وهو يقدم عملهم على خبر الواحد”[3]

الأمر الثاني: ساق فيه قول من قال: إنالقصد من صوم الستة الأيام: استكمال صوم السنة بصوم عشرها؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها…

وناقش هذه المسألة نقاشا علميا في غاية التحرير والإتقان، معززا كلامه بأقوال فقهاءالمالكية: كالقرافي، والحطاب،والشبيبي، والشيخ خليل.

الأمر الثالث:ناقش فيه الذين قالوا بأن التشبيه في قوله “فكأنما صام الدهر” يشترط فيه المساواة أو المقاربة، وهاهنا ليس كذلك، والأجر على قدر العمل.

فأجاب رحمه اللهأن ذلك إذا كان من غير هذه الأمة، ثم أتى بقول المناوي رحمه الله أن: “التشبيه في الأصل لا في التضعيف الحاصل بالفعل؛ إذ المشابهة لا تقتضي المساواة من كل وجه هـ فكأنه قيل فكأنما صام الدهر لو أثيب عليه من غير تضعيف”[4]

الأمر الرابع: تناول فيه أن الأجر مختلف، فخمسة أسداسه ناشئة عن رمضان، أعظم أجرالواجب، وسدسه ثواب النفل بمعنى ثواب الواجب أعظم من ثواب المنذوب.

الأمر الخامس:في أنه يمكنمعارضة هذا الحديث أن الصوم يجزي بعشر أمثاله كسائر الحسنات مع ما ثبت من قوله تعالى ” فالصوم لي وأنا أجزي به”[5] أي لا أحد ثوابه بمقدار. ثم قال: والذي يظهر في الجواب أن الصوم يضاعف ثوابه بعشرة أمثاله من جنس ثوابه الخاص الذي له مزيد اختصاص به، ثم يزاد عليه من جنس الثواب العام ما لاحد له[6].

وقد اعتمدت في توصيف هذا التقييد على نسخة موجودة بمؤسسة علال الفاسي تحت رقم: 389ع منقولة عن صاحب التقييد بواسطتين، مكتوبة بخط مغربي لا بأس به. مقياسها: 16/21.

وقد انتهيت من تحقيقه وسينشر قريبا.

 *******************

جريد المصادر والمراجع:

1- إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، لعبد السلام ابن سودة، تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1417 هـ ـ 1997 م

2- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأبي العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري تحقيق جعفر الناصري/ محمد الناصري، دار الكتاب ـ الدارالبيضاء.

3- ترجمة ابن كيران، لمحمد العباس بن كيران، مخطوط الحسنية، رقم:14007.

4- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمحمد بن جعفر الكتاني، دار الثقافة، ط1، 1427هـ/2006م.

5- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية،لمحمد مخلوفعلق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1424 هـ ـ2003 م.

6- صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط1، 1422هـ

7- معجم المؤلفين لعمر بن رضا كحالة، مكتبة المثنى ـ بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت.

 * راجع المقال الباحث: محمد إليولو


[1]مصادر الترجمة:سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس (3/3ـ5)،إتحاف المُطالع (1/108)، موسوعة أعلام المغرب:(7/2487)، معجم المؤلفين (10/109)،شجرة النور (1/539)، الاستقصا (3/128)، ترجمة ابن كيران، لمحمد العباس بن كيران، رقم مخ: 14007.

[2] تقيد على حديث “من صام رمضان واتبعه ستا من شوال” مخ علال الفاسي، رقم: 389ع. الورقة 19و.

[3] تقيد على حديث “من صام رمضان واتبعه ستا من شوال” مخ علال الفاسي، رقم: 389ع. الورقة 19ظ.

[4] تقيد على حديث “من صام رمضان واتبعه ستا من شوال” مخ علال الفاسي، رقم: 389ع. الورقة 21و.

[5]أخرجه البخاري في كتاب: الصوم، باب فضل الصوم، رقم:1894، (3/24)

[6] تقيد على حديث “من صام رمضان واتبعه ستا من شوال” مخ علال الفاسي، رقم: 389ع. الورقة 21و.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق