مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةقراءة في كتاب

التعريف الموجز بكتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار لأبي حازم محمد بن موسى بن عثمان الهمداني (ت584هـ)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛

فإن معرفة الناسخ والمنسوخ من الحديث، علم مهم لا ينهض به إلا الفحول من المحدثين والفقهاء، وهو من ضرورات الفقه والاجتهاد.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما مر على قاصٍّ: “أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت”[1].

وقال الزهري: “أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه”[2].

 ولجلالة هذا الموضوع وأهميته، فقد ألف فيه العلماء مؤلفات منهم: كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار لأبي حازم محمد بن موسى الهمداني، ولما احتوى عليه من فوائد مفيدة، ارتأيت التعريف بهذا الكتاب وبصاحبه.

أولا: التعريف بالمؤلف[3].

هو محمد بن موسى بن عثمان ابن حازم، أبو بكر، زين الدين، المعروف بالحازمي أصله من همذان، ولد سنة ثمان، أو تسع وأربعين وخمسمائة.

تخرج بالحافظ أبي موسى المديني، وكان أبو موسى يقول: “هو أحفظ من عبد الغني المقدسي وما رأيت شابا أحفظ منه”[4].

له مؤلفات منها: “ما اتفق لفظه واختلف مسماه”  في الأماكن والبلدان المشتبهة في الخط، و “الفيصل” في مشتبه النسبة، و “الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الاثار” في الحديث، و “عجالة المبتدي وفضالة المنتهي” في النسب، و “شروط الأئمة الخمسة “في مصطلح الحديث، وغير ذلك.

توفي في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة عن خمس وثلاثين سنة(ت584هـ) [5].

ثانيا: التعريف بكتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ.

هو كتاب في معرفة   ناسخ الآثار من منسوخها،  وطرق معرفة النسخ، وأقسامه، وطرق الترجيح عند التعارض، ثم ساق الأحاديث التي ظاهرها التعارض، مرتبا إياها على أبواب الفقه، ثم مضى في بيان شرط كل واحد من الأئمة أصحاب الكتب الحديثية المشهورة، مع الإشارة إلى معرفة أهمية هذا العلم، قال في مقدمة كتابه:  “أما بعد: فهذا الكتاب أذكر فيه ما انتهت إلي معرفته من ناسخ حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومنسوخه، إذ هو علم جليل ذو غور وغموض، دارت فيه الرءوس، وتاهت في الكشف عن مكنونه النفوس، وقد توهم بعض من لم يحظ من معرفة الآثار إلا بآثار، ولم يحصل من طرائق الأخبار إلا أخبارا، أن الخطب فيه جليل يسير، والمحصول منه قليل غير كثير.

ومن أمعن النظر في اختلاف الصحابة في الأحكام المنقولة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اتضح له ما قلناه.

 ويشهد لصحة ما رسمناه ما أخبرنيه أبو موسى محمد بن عمر الحافظ، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبيد الله بن سعد، حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة بن رجاء بن أبي سلمة عن أبي رزين، قال: سمعت الزهري يقول: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومنسوخه.

ألا ترى الزهري وهو أحد من انتهى إليه علم الصحابة، وعليه مدار

حديث الحجاز، وهو القائل: ” لم يدون هذا العلم أحد قبلي تدويني ” وكان إليه المرجع في الحديث، وعليه المعول في الفتيا، كيف استعظم هذا الشأن مخبرا عن فقهاء الأمصار.

ثم لا نعلم أحدا جاء بعده تصدى لهذا الفن ولخصه، وأمعن فيه وخصصه إلا ما يوجد من بعض الإيماء والإشارة في عرض الكلام عن آحاد الأئمة، حتى جاء أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي – رضي الله عنه – فإنه خاض تياره وكشف أسراره واستنبط معينه، واستخرج دفينه، واستفتح بابه، ورتب أبوابه”[6].

ثم عقد مقدمة تناول  فيها: حقيقة النسخ  وشرائطة وأمارته، ووجوه الترجيحات  وهي كثيرة،  قال رحمه الله ” ووجوه الترجيحات كثيرة أنا أذكر معظمها “[7]،  وتمييز الناسخ من المنسوخ، والتمييز بين التخصيص والنسخ، ثم رتب كتب كتابه على الأبواب الفقهية، وتحت كل كتاب أبواب، والكتب التي  اشتمل عليها  ما يلي:

كتاب الطهارة وكتاب الصلاة ، وكتاب الزكاة، وكتاب الصيام،  وكتاب الحج،  وكتاب الأضاحي والذبائح، وكتاب البيوع، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب العدة، وكتاب الرضاع، وكتاب الجنايات، وكتاب السير، وكتاب الأيمان، وكتاب الأشربة، وكتاب اللباس.

يتبين مما تقدم أن كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار لأبي حازم محمد بن موسى بن عثمان الهمداني ، جليل القدر عظيم النفع جمع فيه قواعد وفوائد تتعلق بمعرفة الناسخ والمنسوخ  في علم الحديث فهو يعد مرجعا لطلبة العلم والدارسين.

وكتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار  طبع بدائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد، الدكن، 1359 هـ.

*********************

هوامش المقال:

[1]  الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس(ص: 48).

[2]  نواهد الأبكار وشوارد الأفكار (2/ 294).

[3]  طبقات الشافعية لابن القاضي شهبة (2 /46)، الأعلام للزركلي(7/ 117).

[4]  طبقات الشافعية لابن القاضي شهبة (2/ 46).

[5]  طبقات الشافعية لابن القاضي شهبة (2 /46).

[6]  الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ (ص: 2 ـ 3).

[7]  الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ (ص: 9).

*******************

جريدة المصادر والمراجع:

الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار لأبي حازم محمد بن موسى طبع بدائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد، الدكن، 1359 هـ.

الأعلام، لخير الدين الزركلي،  دار العلم للملايين. ط15، 2002 م.

تحقيق الرغبةِ في توضيح النخبة لعبد الكريم بن عبد الله الخضير، مكتبة دار المنهاج ـ الرياض، 1426هـ.

طبقات الشافعية ـ لابن قاضى شهبة، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، تحقيق، د. الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب ـ بيروت، 1407  ط1.

الناسخ والمنسوخ، لأبي جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي، تحقيق: محمد عبد السلام محمد، مكتبة الفلاح ـ الكويت، ط1، 1408.

نواهد الأبكار وشوارد الأفكار لعبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، جامعة أم القرى ـ كلية الدعوة وأصول الدين، المملكة العربية السعودية، 1424 هـ ـ 2005 م.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق