وحدة الإحياءحوارات

التراث العربي الإسلامي.. المخطوط ورهان الترجمة

حوار للموقع

 حاوره: د. عبد السلام طويل

 

1. فزتم بجائزة رفاعة الطهطاوي للترجمة، في دورتها الثامنة، وهي الجائزة التي ينظمها المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية، وذلك عن ترجمتكم لمؤلف (الكتاب العربي المخطوط) من تأليف المستشرق وعالم المخطوطات الفرنسي فرانسوا ديروش، كما سبق أن فزتم بالمركز الأول لجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي بدولة قطر في دورتها الثانية من خلال ترجمتكم لكتاب “المرجع في علم المخطوط العربي” من الإنجليزية إلى العربية.

هل لكم أن تبرزوا المضامين الأساسية للكتابين موضوع الترجمة، وكذا القيمة الرمزية والمادية لكلا الجائزتين؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، فإني أحب بادئ ذي بدء أن أشكر مجلة الإحياء في الرابطة المحمدية للعلماء على بادرتها الطيبة هذه، واهتمامها بجهدٍ مقلٌّ صاحبُه، وأعمال متواضعٌ مستواها، ولولا توفيق الله، عز وجل، ما نالت ما نالته من القبول.

في ما يخص الكتاب الأول، الذي ترجمته لعالم المخطوطات الفرنسي فرانسوا ديروش، يعدُّ من الكتب التي حاولت أن تضع نظرية متكاملة لعلم المخطوط والكتاب العربيين، ذلك أن فرانسوا ديروش لمَّا أتى على تأليف هذا الكتاب كان منطلقُه في ذلك مجموعة من المحاضرات ألقاها في المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، في إطار الموسم الثقافي”ليوبولددليزل”، هَدَفَ من خلالها تعريف زوار هذا الموسم من عامة المثقفين الفرنسيين برؤيته المتخصصة لتاريخ الكتاب العربي، مبتدئًا بـ: تاريخ الكتاب العربي الأول (القرآن الكريم)، معرجًا على الرجال الذين قاموا على صنعة الكتاب بإطلاق، والجغرافيا وعلاقتها بهذا التاريخ عندما خصص فصلًا خاصًّا عن خصوصية الكتاب العربي المخطوط في الغرب الإسلامي. وختم الكتاب بفصل عن الزخرفة والتزيين في المخطوطات اعتنى فيه ببيان أصول هذا الفن، وحيثيات نشأته وتطوره، ودور الروافد الثقافية والحضارية في إغنائه وتنميقه. وقد حرص في كل ذلك على الإتيان بالشواهد الزخرفية الدالة على كلامه، بل يكاد يكون هذا الأمر مطردا في الكتاب كله، حيث حرص على إيراد مجموعة من اللوحات المخطوطة الدالة على جل الظواهر الكوديكولوجية (المخطوطية) التي عرَّج عليها.

فأدى هذا التنوع إلى وضع أصول أولية لنظرية مهمة يمكن أن نطلق عليها نظرية الكتاب العربي المخطوط بحلة علمية، اعتنت بالحضارة بمكوناتها الرئيسة: الإنسان، والإبداع الذوقي والجمالي، والمكان/الجغرافيا، والزمن. منطلقًا من نشأة الكتاب مع ظهور الإسلام، لافتًا لظاهرة الولع بالكتاب من قبل الشرائح العلمية والاجتماعية المختلفة في المجتمع الإسلامي، ملقيًا الضوء على منطقة نائية من العالم الإسلامي شعر بأنها لها خصوصية هي الغرب الإسلامي لغناها بخصائص لـ”الكتاب” في شكله، وحوامله (الرَّق)، والخط المستخدم (الكوفي/المغربي).

أما الكتاب الثاني فهو “الكتاب العربي المخطوط” للمستشرق البولندي آدم جاشيك، الذي يعد كتابه هذا بمثابة موسوعة مصغَّرة، بدأ العمل عليها منذ عشرين عامًا، ومهَّد لإصدارها في مجموعة من الكتب والمقالات البحثية، جمعها في هذا الكتاب الموسوعة، التي ألَّفَها مُسَاعَدَةً للطَّلَبَةِ والبَاحِثِينَ، الَّذِينَ يجدون صعوبة في ولوج هذا المَجَالِ الضَّخْمِ والغَامِضِ على حد تعبيره ألا وهو: “المخْطُوطَاتِ العَرَبِيَّةِ” و”لُغَتها التِّقْنِيَّةِ”. ذلك أنه قدَّم في هذا الكتب أَكْثَرَ مِن 300 مَدْخَلٍ ومُصْطَلَحٍ تقني غطَّت جل الظَّواهِر الكُوديكُولُوجيَّة (علم المخطوطات) والبَّالْيُوغْرَافِيَّة (علم تطوُّر الخَط) والفِيلُولُوجِيَّة (عِلْمُ تَحْقِيقِ النُّصُوص) حَوْلَ المخْطُوطَاتِ العَرَبِيَّة.

فكانت الرؤية التي انطلق منها المؤلف متسمةً بنهجها الشمولي، وطابعها الموسوعي، ذلك أنه كان يتلبَّث عند كل مصطلح من مُصطلحات علم المخطوط العربي، ليقرأَه قراءةَ تحقيقٍ بغرض الإحاطة بمعناه، وتحليلِ مفهومه، وتَعميقِ الوعي بتطوُّره وتاريخه، ممَّا يُضفي عليه مَسحةَ الكتابة الموسوعيَّة، ويجعل من الكتاب أشبه بموسوعة صغيرة متخصِّصة، كما سلف الذكر، بالإضافة إلى غِنَى نَمَاذِجِ الأَشْكَالِ وَالصُّوَرِ التَّوْضِيحِيَّةِ الكَثِيرَةِ المُسْتَقَاةِ مِنَ المَخْطُوطَاتِ، والرُّسُومَاتِ المُنْجَزَةِ بِخِبْرَةٍ عَالِيَةٍ، التي استعان بها المؤلف لتوضيح كل ما أورده من مضامين. كما أغنى الكتاب بملاحق مهِمَّة ذَيَّله بها. ولقد كان في كل ذلك ملتزمًا بالتَّوثيق العلمي الرصين، والإحالة المطردة على المصادر والمراجع.

أما عن القيمة الرمزية والمادية لكلا الجائزتين:

لا يخفى عليكم ما للجوائز من أثر إيجابي رمزي مهم على الفائز؛ لأنه تمثل تقديرًا معنويًّا مهمًّا واعترافًا كبيرًا وتزكية ذات قيمة لعمله مهما كانت قيمة الجائزة المادية (ضئيلة كانت أو كبيرة)، وتجعله يحظى بتصنيف مهم ضمن فئة خاصة من الباحثين/المترجمين، وتشجعه على مواصلة العمل والإجادة، في ظل وضع مزري للبحث العلمي في العالم العربي، يعاني فيه من آفتين، هما: قلة الإمكانات من ناحية، ومحاربة الباحث والتقليل من شأن عمله وغمط حقه من قبل أصحاب القلوب المريضة من ناحية أخرى.

2. كيف نشأت وتطورت تجربتكم ومعاناتكم لفعل الترجمة عموما، وترجمة الكتاب المخطوط خصوصا؟

لقد نشأت تجربتي مع فعل الترجمة منذ قاعات الدرس في الجامعة المغربية، عندما كنا ندرس هذه المادة في السنتين الثالثة والرابعة من سنوات الإجازة في شعبة الدراسات الإسلامية، ثم من خلال تكليفات أعمال السنة من قبل بعض أساتذة اللسانيات في شعبة الأدب العربي، ثم انتقلت إلى الفعل الترجمي المعد للنشر، الذي ابتدأ محتشمًا مع دار نشر مصرية (دار الكيلاني لقصص الأطفال)، ثم تطور ونضج في معهد المخطوطات العربية، الذي نشرت فيه مجموعة من المقالات البحثية في علم المخطوط العربي، ثم تكللت التجربة بترجمة أول كتاب صدر عام 2010 بعنوان تقاليد المخطوط العربي، ثم كتاب “الكتاب العربي المخطوط”، ثم كتاب “آفات المتاحف”، ثم كتاب المرجع في علم المخطوط العربي.

3. كيف نشأ وتطور اهتمامكم العلمي بالمخطوط العربي؟

نشأ اهتمامي العلمي بالمخطوط العربي من خلال المصادر التي كنا نرجع إليها في الدراسة الجامعية، ذلك أن جلها كانت عبارة عن مخطوطات محققة أو مصححة، فكنا نعود إلى عمل المحققين، ونعرف منهجهم في تحقيق النص المخطوط ودراسته وتوصيفه، ثم تطور هذا الاهتمام، لما درستها مادة مستقلة سواء في شعبة الأدب العربي، أو في دار الحديث الحسنية. ثم عندما ارتأيت أن أدرس هذا العلم في قسم متخصص في معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة على مستوى الماستر.

4. هل هذا يعني أن اهتمامكم ينصب على ترجمة المخطوط العربي ولا يتعداه، أم أنكم تشتغلون على ترجمة نصوص أخرى؟

في الحقيقة اهتمامي في الترجمة متنوع، ولا ينحصر في ترجمة بحوث علوم المخطوط العربي، بل يتعداه لكل ما له علاقة بالعلوم العربية والإسلامية من قريب أو من بعيد.

5. تشكل الترجمة فعلا علميا لازما لتحقيق أية نهضة ثقافية وعلمية. كيف تفسرون غياب أي مشروع وطني مغربي حول الترجمة؟ وكذا غياب أي مشروع جامع للترجمة، سواء في إطار الإيسيسكو، أو في إطار جامعة الدول العربية، يخضع لمنطق أولويات علمي وظيفي صارم، ولمعايير علمية موضوعية تراعي ما تمت ترجمته وتؤسس عليه؟

لا شك أن ما قلتموه من أهمية الترجمة في نهضة أي أمة لا يخفى على كل ذي لب، لكن الواقع المغربي/العربي مرير، ولا تعدُّ الترجمة فيه من أولويات المرحلة عند أولي الأمر، باستثناء بعض نقاط الضوء في هذا الواقع المظلم، الذي يمثله مكتب تنسيق التعريب بالرباط الذي يعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية (من خلال منظمة الألكسو)، وإن كان يهتم بالمصطلح أكثر من النصوص. بالإضافة إلى بعض المبادرات الخاصة هنا وهنالك، لكن تغيب فيها الرؤية الشاملة، والمشروع المتكامل. وما عدا ذلك فإننا نعيش في فوضى الترجمة وركاكة الأسلوب، وغموض العبارة، وعجمة الصياغة، التي تسببت في مجموعة من الأخطاء اللغوية في العربية المعاصرة؛ بسبب الترجمة الحرفية الخاطئة إن في الكتب المترجمة، وإن في نشرات الأخبار المترجَمة المستقاة من المواقع الإخبارية العالمية.

6. ما هي الملامح العامة لاهتماماتكم العلمية المستقبلية في مجال الترجمة؟

تتمثل الملامح العامة لرؤيتي المستقبلية في مجال الترجمة، في أني أود أن أغني المكتبة العربية بمجموعة من الكتب العلمية في مجال علم المخطوط وتحقيق النصوص، بغرض تأسيس مكتبة قائمة بذاتها، تكون بمثابة الأساس الذي تقوم عليه الدراسات العربية في هذا المجال البكر، الذي يعاني من شح كبير، وما يتوفر عليه من دراسات عربية لم يصل بعدُ إلى درجة كبيرة من العمق والرصانة، مقارنة بنظيره الغربي؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإني أرغبُ في المشاركة في ترجمة كتابات مهمة في مجالات أخرى لها علاقة بمجال دراساتي العربية والإسلامية، تحتاج إلى تعريف القارئ العربي بها، وإطلاعه عليها.

وفي الأخير أود أن أجدد شكري لمجلة الإحياء في الرابطة المحمدية للعلماء ممثلة في رئيس تحريرها أ.د عبد السلام الطويل على اهتمامه بي وبعملي المتواضع، وعلى أريحيته العالية في إجراء هذا الحوار المهم مع باحث هو في حكم طالب من طلبته، وإن لم أشرف بالتلمذة المباشرة عنه، فقد أفدتُ من علمه الرصين وخُلُقه الجم، فشكرًا جزيلًا لكم دكتور.

د. مراد تدغوت

باحث ومترجم بمعهد المخطوطات العربية

جامعة الدول العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق