مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

التراث الصوفي المخطوط بخزانة جامع القرويين بفاس

     تُرجع أغلب المصادر التاريخية التي أرخت للحركة العلمية والثقافية بمدينة فاس الإرهاصات الأولى لنشوء خزانة جامع القرويين إلى سنة (750هـ / 1349م)،  فترة حكم السلطان أبو عنان المريني الذي اعتنى بالخزانة ووضع لها قانونا للقراءة والمطالعة والنسخ، وزودها بكتب نفيسة في مختلف العلوم والفنون، حسب ما ذكره ابن القاضي في “جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس” حيث قال: «وأما خزانة القرويين التي يدخل إليها من أعلى المستودع الذي بها؛ فإنه لما كان من رأي أبي عنان حب العلم وإيثاره والتهمهم فيه والرغبة في انتشاره والاعتناء بأهله، انتدب بأن صنع هذه الخزانة، وأخرج لها من الكتب المحتوية على أنواع من العلوم كعلوم الأديان والأبدان والأذهان واللسان وغير ذلك من العلوم على اختلاف أنواعها» (الجذوة 73/1). وتوالى الاهتمام بهذه الخزانة من قبل العديد من سلاطين وملوك وأمراء المغرب، ففي عهد الدولة السعدية شهدت الخزانة تحولات جذرية وخاصة مع السلطان المنصور السعدي الذي أعاد بناء الخزانة وأشرف على تدشينها، وحضر بنفسه عملية إدخال الكتب التي حُبس الكثير منها على الخزانة؛ «كالمصحف الأكبر»  و «مختصر أبي مصعب الزهري» المكتوب على ورق عتيق بقرطبة بالأندلس سنة 359هـ. كما حظيت الخزانة في عهد الدولة العلوية باهتمام متزايد، ويتضح ذلك من خلال ما تناقلته المصادر التاريخية من رسائل كان يرسلها السلاطين العلويين إلى القيمين على الخزانة ومن بينها -على سبيل المثال لا الحصر-  الرسالة التي أرسلها السلطان الحسن الأول إلى كل من قاضي فاس محمد بن محمد العلوي المدغري والسيد حميد بناني، بعد أن لاحظ السلطان التفريط والإهمال الذي لحق الخزانة، فأمرهما بإحداث هيئة مكونة من النظار وأربعة عدول إضافة إلى القيمين على الخزانة، مهمتها الإشراف على تسير شؤون الخزانة والمحافظة على محتوياتها، إلا أنه بمرور الزمان ستتعرض أجزاء من مخطوطات الخزانة للاختفاء والضياع، وخاصة إبان فترة الحماية الفرنسية التي شهدت فيه الخزانة اختفاء عديد من المخطوطات النادرة؛ كـ “مذكرات الأمير الزيري بن بلوقين” ملك غرناطة، وجزء من كتاب “المقتبس” لابن حيان. 

   كل هذه العوامل وغيرها أدت إلى تقلص محتويات خزانة القرويين من وثائق ومؤلفات مخطوطة، ليصبح العدد الإجمالي من الكتب التي تتوفر عليها الخزانة حاليا حوالي 21250 كتاب بعد أن أهدى المفكر المغربي عبد الهادي التازي للخزانة جزءا كبيرا من الكتب التي تتوفر عليها مكتبته الشخصية. كما تحتوي خزانة القرويين على ما يقرب من 421 مطبوعا حجريا، و6 الآف مخطوط. أما ما يتعلق بمجموع الملفات الأرشيفية فيبلغ عددها -حسب ما صرح به الأستاذ عبد الحميد العلمي ممثل اللجنة العلمية بخزانة القرويين-[1] 1353 ملف.

      أما ما يتعلق بالتراث الصوفي المخطوط بالخزانة فيبلغ عدد عناوينه 291 عنوانا ضمن مجموع مخطوطات الخزانة، كما تحتفظ الخزانة برصيد لا بأس به من الخروم كتب التصوف التي لاحظ الأستاذ إدريس الفاسي الفهري -وهو بدوره عضو اللجنة العلمية بخزانة القرويين- وفرتها العددية مقارنة بخروم كتب باقي العلوم الشرعية، وخاصة أجزاء من كتبي الإحياء والحكم العطائية وما يتعلق بهما من شروح وتعليقات، واستنتج الأستاذ الفاسي من خلال هذا المعطى اهتمام المغاربة بالمنحى الصوفي الجامع بين الشريعة والحقيقة أو ما يسمى بالتصوف السني.

ويمكن تقسيم التراث الصوفي المخطوط المتواجد بخزانة القرويين إلى قسمين رئيسيين:

– القسم الأول: المصادر الأصول التي قصد بها مؤلفوها التعريف بالتصوف، أو ما يسمى بالأمهات المؤسسة للفكر الصوفي، ومنها على سبيل المثال: “قوت القلوب” لأبي طالب المكي، و”حلية الأولياء” لأبي نعيم الأصبهاني و”الإحياء” لأبي حامد الغزالي…أضف إلى ذلك كتب أخرى ومجموع الرسائل التي جاءت بعد هذه الأمهات والتي تتوفر خزانة القرويين على نسخ فريدة منها كـ”رسالة في أحوال المتصوفة” لأبي الحسن الشاذلي، و”رسالة قوانين حكم الأشواق إلى كل الصوفية في جميع الأفاق” لأبي المواهب التونسي المصري، و”رسالة في جواز الجهر بالذكر واستحبابه وندبه والجمع له والمناوبة فيه” لعبد القادر الفاسي…

– القسم الثاني: المصادر الفرعية التي قصد بها التعريف بعلم من أعلام التصوف أو بمدرسة من مدارسه، أو قصد بها مؤلفوها استئناف ما أورده أصحاب الأمهات في كتبهم أو شرح ما أشكل من كتبهم والتعقيب عليه، ومن هذه المصادر التي تتوفر خزانة القرويين على نسخ مخطوطة منها نذكر: “فتح الباب الملتزم الجامع لبعض معاني كتاب الحكم” للشطيبي، وكتاب “الإلمام والإعلام بنفحة من بحور علم ما تضمنته صلاة القطب مولاي عبد السلام رضي الله عنه” لأبي عبد الله بن  عبد الرحمن الحوضي وكتاب “جهد المقل القاصر في نصرة الشيخ عبد القادر” لأبي عبد الله المسناوي وغيرها من المصنفات.

   هذه نظرة سريعة على بعض المخطوطات الصوفية بخزانة جامع القرويين بفاس على أن نستكمل البحث ونعمقه في باقي المخطوطات الصوفية بحول الله وقوته.

 …يتبع

 


[1] نظمت وزارة الثقافة وخزانة القرويين بتعاون مع اللجنة العلمية المكلفة بخروم خزانة القرويين مساء يوم الجمعة 15/01/2010 يوما دراسيا حول موضوع: “خروم مخطوطات خزانة القرويين”، وقد شارك في هذا اليوم مجموعة من الأساتذة الباحثين المتخصصين في مجال البحث في التراث المخطوط ببلادنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق