مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

التحفة الجسيمة في ذكر حليمة

للعلامة الحافظ مُغُلْطَايْ بْنِ قِلِّيج البَكْجَرِي (ت 762هـ) 1 / 2

           

 

بقلم: عبداللطيف السملالي

تَحْفَلُ كُتُب السِّيَر والشَّمائل ودلائل النُّبُوّة، وكتب الأخبار والتواريخ، ومتون الحديث الشريف بالعديد من الأخبار المتصلة بسيدة كان لها الأثر البليغ في تنشئة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رعاية شؤونه حيث كان يقيم في بيتها وبين أهلها وذويها، جزءا غير يسير من طفولته الأولى، فمن ثدييها الطَّاهِرَيْن رضع، وعلى صدرها المفعم بالمحبة غفا، وفي حِجْرِها الطَّافِح بالحَنَان دَرَجَ، ومن فصاحتها وفصاحة قومها بني سعد نهل. ولم تكن هذه السيدة الأثيرة بإرضاع وحضانة النبي عليه الصلاة والسلام ـ زهاء أربع سنوات ـ سوى حليمة بنت أبي ذُؤَيْب عبد الله بن الْحَارِث السَّعْديّة.

وخبر إرْضاعِها للنبي صلى الله عليه وسلم، في ديار بني سعد، وما ظهر عليها من الخير والبركة، هو خَبَرٌ مُسْتَفِيضٌ ومُسَطَّرٌ في مُخْتَلِف كتب السيرة قديمها وحديثها، وأقدم من أورده وأسند خبره، عالم السيرة المشهور: محمد بن إسحاق بن يَسار المدني (ت 151هـ) في كتابه (السير والمغازي)[1]. ثم تتباعت الكتب على مر العصور في رواية هذا الخبر مسندًا، أو الإحالة على مصدره الأول. ومن أشهر الكتب التي بَسَطَتْ قصة حليمة ورواية إرضاعها النبي صلى الله عليه وسلم:

-السيرة النبوية: عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (ت 213هـ).
-الطبقات الكبرى. أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع البغدادي (ت230هـ)
-الآحاد والمثاني. أبو بكر بن أبي عاصم الشيباني (ت 287هـ).
-المسند. أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي (ت 307هـ).
-السيرة النبوية وأخبار الخلفاء. محمد بن حبان البُستي (ت 354هـ).
-صحيح ابن حبان. محمد بن حِبَّان البُسْتي (ت 354هـ).
-الشريعة. أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيّ البغدادي (ت 360هـ).
-المعجم الكبير. أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360هـ).
-دلائل النبوة. أبو نُعَيْم أحمد بن عبدالله الأصبهاني (ت 430هـ).
-أعلام النبوة. أبو الحسن علي بن محمد المَاوَرْدِي (ت 450هـ).
-دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة. أبو بكر أحمد بن الحسين بن البيهقي (ت 458هـ).
-تاريخ دمشق. أبو القاسم علي بن الحسن ابن عساكر (ت 571هـ).
-الرَّوْضُ الأُنُف. أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السُّهَيْلي (ت581هـ).
-الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والثلاثة الخلفاء. أبو الربيع سليمان بن موسى الكَلَاعِي.(ت 634هـ).
-خلاصة سِيَرِ سَيِّدِ البشر. محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت694هـ).
-السيرة النبوية. عبد المومن بن خلف الدمياطي (ت 705هـ).
-عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. أبو الفتح محمد بن محمد اليعمري، المشهور بابن سيد الناس (ت 734هـ).
-تاريخ الإسلام. أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت 748هـ).
-الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا. مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري (ت 762هـ).
-السيرة النبوية. أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي (ت 774هـ).

ومع شهرة هذه السيدة وذُيُوعِ خَبَرِ اِعتنائها بأحوال محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام في سنواته الأولى، فإن جملة من علماء الأمة، ومع كثرة المرويات المتعلقة بحياتها المبثوثة في كتب التاريخ والسيرة ودلائل النبوة، ومع إعمال التمحيص الدقيق لأسانيد ومتون تلك المرويات، تباينت مواقفهم في شأن ثبوت إسلامها وصحبتها، وهذه بعض آراء العلماء المتقدمين، توزعت ما بين نافٍ ومثبتٍ ومتوقفٍ في الحكم على ذلك:

وممن نفى صحبتها وإسلامها:

العلامة عبد المومن بن خلف الدمياطي (ت 705هـ) القائل: «ولا نعرف لها صحبة ولا إسلام، وقد وَهَل فيها غير واحد، فذكروها في الصحابة، وليس بشيء»[2] .

العلامة المؤرخ إسماعيل بن عمر ابن كثير(ت 774هـ): « وقد ذكروا حليمة بنت أبي ذؤيب المرضعة، وإن كان لا يعرف إسلامها. والظاهر أنها ماتت قبل البعثة»[3].

وأما المُثْبِتُون إسلامَها وصحبتَها فجملة من العلماء، منهم:

 العلامة أبو الفَرَج عبدالرحمن بن الجَوْزِي (ت 597هـ) حيث ذكرها في( أَخْبَار النِّسَاء المُشْتَهر ذِكْرِهُنَّ من الصحابيات) قائلا: « حليمة بنت ذُؤَيْب السَّعْدِيَّة، أمُّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الَّتِي أَرْضَعَتْه، أسلمت وَحدَّثَت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلها حَدِيث طَوِيل فِي رضَاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد ذكرته فِي (الحدائق) »[4].

وقال أيضا في كتابه (الحدائق) عن حليمة السعدية:« ثم قدمت عليه بعد النبوة، وأسلمت وبايعت، وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزى»[5].

الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656 هـ) الذي أبدى رأيه في الموضوع قائلا:« وأمُّه – صلى اللَّه عليه وسلم- من الرضاعة: حَليمةُ السَّعدية، أسلمت، وجاءت إليه، وروت عنه – صلى الله عليه وسلم-، روى عنها عبد الله بن جعفر»[6]

العلامة بدر الدين الحلبي (ت 779هـ) القائل: «وأسلمت حليمة على المشهور، وعُدّتْ من الصحابيات وحفَّتْها العناية معجزةً لسيِّد السادات وخيرِ البريات»[7].

أما العلامة محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت942هـ)، فخصَّص بابًا مُطَوَّلًا في إسلامها من كتابه ( سبل الهدى والرشاد)، سماه: (الباب الثالث في إسلام السيدة حليمة وزوجها رضي الله تعالى عنهما)[8]

وهناك من توقف عن إصدار الحُكْمِ عليها، واكتفى بحكاية الاختلاف في إسلامها، وهو العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت 751هـ)، القائل: « وَاخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِ أَبَوَيْهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَالله أَعْلَمُ»[9].

واكتفينا فيما سلف بإيراد أبرز الآراء التي سادت بين علماء الأمة حول السيدة حليمة السعدية، ولعل من أهم العلماء الذين اعتنوا بالتأليف في هذا الموضوع، واجتهدوا في الإحاطة بمتونه الحديثية، ودراسة أسانيده، وإعمال النظر النقدي في سبيل تجلية الموضوع من جوانبه المختلفة، هو العلامة الحافظ علاء الدين مُغُلْطَايْ بْنِ قِلِّيج البَكْجَرِي (ت 762هـ)، الذي كان مُطّلِعًا على ما كُتِبَ في موضوع السيدة حليمة، عارفًا بما ورد من أخبارها، وكيف لا يكون على دراية بذلك، وهو الذي عَكَفَ على كتابة فصول السيرة النبوية، وأخرج لنا كتاب (الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بَعْدَهُ من الخلفا)، كما أبان من خلال تراجمه التي حرَّرَها، عن مجموعة كبيرة من الأسماء المُخْتَلَفِ في صُحْبَتِهم، ووضع في ذلك مُصنَّفا جامعًا سمّاه: (الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة). وأما الرسالة التي وضعها في السيدة حليمة السعدية فسمَّاها: (التحفة الجسيمة في ذكر حليمة).

يظهر من خلال مقدمة التأليف بعض الدواعي الذاتية والموضوعية التي أَمْلَتْ على المُؤَلِّف تحرير هذه الرسالة العلمية الفريدة في بابها، فقد كَثُرَ السؤال عن السيدة حليمة، وذلك بعد مطالعة ما سُطِّرَ عنها في كتب أهل العلم، وبُرُوزِ اختلافهم في موضوع صحبتها وإسلامها، والسائلون لم يكونوا من عامة الناس؛ بل هم من طبقة العلماء الذين لهم اتصال شديد بالمُؤَلِّف، وأجابهم برسالة شفت نَهَمَهُم المَعْرِفِي، حيث بسط فيها أسانيد ومتونا وكلاما عن الرواة بالجرح والتعديل، ومثل هذه المواضيع لا يهْتَمّ بها إلا العلماء المُتَخَصِّصُون. يقول العلامة مغلطاي في مقدمة رسالته:

«فإنّ بعض خُلّص الإخوان، تكرّر سؤاله لي بُرهة من الزّمان، عن ذكر حليمة السّعديّة، مُرضعة خير البريّة، وما صحّ من أمرها، وهل هي صحابيّة، أم ماتت على كفرها؟.

فأجبتُ من غير رَوِيَّة، ولا عقد نيّة، والحمد لِذِي الطّوْلِ والمِنّة، بأنّها من خير عجائز الجنّة.

فلمّا طُولِبْتُ بالبيان، وإيضاح البُرْهان، قلتُ: بَلى، وهَلْ يَخْفَى ابن جَلَا»[10].

ومن خلال ما تلقاه المُؤَلِّفُ من أسئلة متكررة في شأن حليمة، كان مطالبا بالإجابة عما يلي:

1.  ذكر مرضعة النبي السيدة حليمة.

2.  هل صَحَّ من أمرها شَيْء؟.

3.  هل لها حَظٌّ من صحبة سيد البشر؟ أم ماتت على كفرها؟.

 


[1] . السير والمغازي. ابن إسحاق. ص 48 ـ49.

[2] . السيرة النبوية. الدمياطي. 36.

[3] . جامع المسانيد. ابن كثير. 15/294.

[4] . تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير. ابن الجوزي. 231.

[5] . الحدائق. ابن الجوزي. 1/169.

[6] . مختصر سنن أبي داود. عبدالعظيم المنذري.3/423.

[7] . المقتفى من سيرة المصطفى. بدر الدين الحلبي. ص37ـ38.

[8] . سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد. الصالحي. 1/382 ـ 385.

[9] . زاد المعاد. ابن القيم الجوزية. 1/81.

[10] . التحفة الجسيمة. 63.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق