مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

“التحدث باسم الله: الشريعة والسلطة والنساء”، لخالد أبو الفضل (2)

بشرى لغزالي

 

 


تحدث الكاتب في بداية مؤلفه عن تعدد المذاهب الذي يعود إلى اختلاف العلماء في الرأي، مضيفا أن الخلاف والاختلاف أمر مشروع في فهم القرآن، وهو أمر ضروري لتحقيق العدل والقسط وتحديد المسؤولية الفردية. وأورد مواقف مجموعة من فقهاء المذاهب، فمنهم من رفض اعتماد كتابه كتشريع موحد لعدم وجود سبب شرعي لذلك، ومنهم من أقر بأن أفكاره تحتمل الخطأ في مقابل رأي الآخر الذي يحتمل الصواب رغم إيمانه بصحة أفكاره.

وتطرق البروفسور أبو الفضل أيضا إلى السلطة الإلهية التي لا يملك أحد الحق في تجسيدها، لأن النصوص الإلهية والنبوية هي مركز السلطة في الإسلام السني، على خلاف المسيحية واليهودية. لكن أزمة السلطة والشرعية لم تظهر إلا بعد وفاة النبي (ص) عبر اغتيال خلفائه. وأضاف الكاتب بأن شرعية العلماء أصبحت تنبني على قدرتهم على قراءة وفهم وتفسير المشيئة الإلهية من خلال النصوص، حيث مأسسوا سلطتهم التي أصبحت سلطة قمعية على مراحل من التاريخ الإسلامي. وفي هذا السياق، أحال الكاتب على ما قاله ابن القيم من أن الظلم الذي يترتب عن تطبيق شرع الله راجع إلى التفسير الخاطئ للنص الديني. واسترسل صاحب الكتاب في القول بأن بعض الروايات غامضة المغزى تعطي الفقهاء الفرصة للتلاعب فيها وبسط النفوذ، إذ يقرون بأن طاعتهم من طاعة الرسول على اعتبار أنهم حماة الدين.

وقد ميز الكاتب بين السلطة القسرية والسلطة الإقناعية، إذ تحيل الأولى على التحكم في تصرف الآخر من خلال التهديد لإرغامه على الإذعان؛ وتعني الثانية القدرة على التحكم في إيمان أو تصرف الفرد من خلال عامل الثقة، لأن أي سلوك لتفسير هذه الثقة الموضوعة في السلطة سيُعد دعامة لها، وهو ما يجسده القرآن عندما سأل إبراهيم عليه السلام الله عز وجل دليلا على ألوهيته، وهو بذلك لا ينفي ألوهيته. وبالتالي، فإن طلب تفسير لا يُعد طعنا في السلطة. كما يرى الكاتب أن الفقيه لا يكتسب هذه السلطة الإقناعية بواسطة الشواهد المحصلة والمنصب المُقلد، وإنما من خلال شخصيته وعلمه وكتاباته وإبداعه، رغم أن العلماء انتقدوا من يعتبر نفسه خبيرا في الشريعة، أو من “يتطاول” على هذا المجال، أو من لا يستعمل المناهج الشرعية للتحليل والمتمثلة خصوصا في إعادة هيكلة المواقف الواقعية المعاصرة، ووضعها في قالب تقليدي على أساس أن القرآن والسنة عالجا كل موقف يمكن مواجهته.

بالإضافة إلى ذلك، تحدث الكاتب عن السلطوية في الإسلام والحاكمية الإلهية التي فسرها من خلال تذكيره بالنزاع الذي نشب بين علي بن أبي طالب (ض) والخوارج الذين اغتالوه لأنهم اعتبروه قد خان الله بقبوله التحكيم لحل النزاع مع معاوية بدل ترجيح حكم الله . لكن الاعتماد على الحكام، في نظر علي بن أبي طالب، لا ينفي الحاكمية الإلهية لأنه من خلالهم تتم مقاومة العدو وإنصاف المظلوم، كما أنه من الضروري تدخل البشر لتفسير كلام الله. ولا يمكن تطبيق الحاكمية الإلهية إلا من خلال خلفائه من البشر الذين يعملون باسم الله. لكن هذه الحاكمية الإلهية أصبحت، في نظر الكاتب، شعارا يُستخدم لأغراض سياسية.

أورد الكاتب مذهب الإرجاء الذي ظهر كرد فعل على موقف الخوارج والحرب الأهلية بين علي وخصومه، حيث يدعون إلى تأجيل الحكم إلى الآخرة التي سيفصل فيها الخالق عز وجل في الخلافات. لكن فكرهم لم يعمر طويلا ليحل محلهم الأشاعرة والمعتزلة. وأمام اختلاف المذاهب في تعاملهم مع موضوع السلطة، ركز الكاتب على مفهوم السلطة والتوجيهات السلطوية من منظور قانوني.

يعتبر الكاتب الفقه مجرد محاولة لبلوغ مقاصد الشريعة لصعوبة امتلاك الحكمة الإلهية. لذلك تُختتم محاولات الاجتهاد بعبارة “والله أعلم”. في هذا السياق، نادرا ما تتحدث مناهج الشريعة الإسلامية عن ما هو يقيني وقطعي لغلبة الظن، لأن الفقهاء يرون أن الله وحده من يملك المعرفة الكاملة والمطلقة. كما أن الفرد مسؤول بشكل مباشر عن تعلم الشريعة وطلب العلم لعدم إمكانية شخص أو مؤسسة تمثيل مشيئة الله. ويرى الكاتب أن الله يريد للإنسان أن يبحث عن الحقيقة الإلهية، لأن المهم هو عملية البحث في حد ذاتها وليس النتيجة، كما أن الانخراط في البحث يدل على الخضوع الكامل لمشيئة الله.

ويعود الكاتب للحديث عن ارتباط عامل الثقة، الذي تنبني عليه علاقة السلطوية، بتوفر مجموعة من العناصر التي يعكس عدم التحلي بها تسلط الفقهاء، وهي كالآتي: الصدق في تبليغ الأوامر الإلهية دون تغيير أو تحريف، والاجتهاد في البحث عن حل للمشكلة المطروحة والتفكير مليا فيها، وشمولية البحث في الأوامر الإلهية دون تقصير، والجِدة في إعطاء تفسير منطقي معقول، والاعتدال عبر الاعتراف بحدود المعرفة لأن الاعتراف بعدم المعرفة خير من ادعاء المعرفة -“والله أعلم”، وهو ما يعكس المعرفة الحقيقية والتقوى، حيث إن صعوبة فهم الأوامر الإلهية دفعت إلى إيجاد متخصصين يدرسونها ويحللونها. ويُنتظر في المقابل من المسلمين أن يذعنوا لسلطة هؤلاء المتخصصين بسبب أهليتهم، وهو ما ينبني على عامل الثقة الذي سبقت الإشارة إليه. كما يُمكن أن يقع الدين تحت رحمة الإنسان، ويخضع لفهمه ورغبته.

ثم تطرق الكاتب إلى “الإفتاء” لكونه يجسد التسلط والاستبداد، وضرورة الكشف عن المنهجية المتبعة فيه. كما يرى أن التطبيقات المعاصرة للشريعة تتعامل معها كأحكام قطعية وجب تطبيقها دون طرح إمكانية تطويرها، وأن الدعوات المتكررة للاجتهاد منذ بداية هذا القرن قد ركزت على الحاجة إلى إنتاج أحكام جديدة دون تجديد المنهجية التقليدية المُتبعة التي تنبني على سرد بعض الروايات أو الأحاديث النبوية التي تدعم موقفا ما قبل إصدار الأحكام.

وقد ركز الكاتب على الفتاوى المتعلقة بالنساء التي أصدرها فقهاء المذهب الوهابي الذين يدَعون تمثيل شرع الله لأنها تعكس الخطابات السلطوية وتؤثر بشكل كبير على المجتمعات الإسلامية، وهي في الغالب ما تستخدم كقاعدة لإرساء القوانين. كما استعمل الكاتب هذه الفتاوى للتمييز بين السلطة والاستبداد. وتبقى المنهجية التي تتبعها المذاهب متشابهة رغم اختلاف الأحكام التي تصدر عنها. كما أشار الكاتب إلى أنه لا يهتم للخلاصات التي توصل إليها الفقهاء بقدر ما يركز على السبب الذي جعلهم يصلون إليها.

في الجزء القادم والأخير من هذه القراءة، سنعرض خلاصة للفتاوى الخاصة بالنساء التي انتقاها الكاتب باعتبارها تجسيدا للسلطوية والاستبداد، وبالتالي منبعا لأحكام ظالمة تتأسس عليها القوانين. 

 

نشر بتاريخ: 4 / 06 / 2013

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق