مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

التجديد الإسلامي وقضايا المرأة: نحو ترشيد واقع المواطنة والديمقراطية للدكتورة هبة رؤوف عزت

نادية الشرقاوي

تناقش الدكتورة هبة عزت رءوف قضايا المرأة والسياسة في العالم العربي من منظور إسلامي تجديدي مفارق للرؤى الإسلامية غير العصرية.
وفي البداية أثارت ثلاثة أمور:
الأمر الأول: ضرورة تدقيق المفاهيم ومصادرها ودلالاتها، كمفهوم “المشاركة” و”التمكين” و”التمثيل” التي ترسم حقوق النساء، كما طرحت مجموعة من الأسئلة من قبيل: هل هذه المفاهيم تمثل تقدما مرحلياً أم أنها تأسر هذه الحقوق في إطار فوقي؟ وهل يوجد تأويل وحيد للشرع، أم يمكن استنطاق الإسلام بصورة مغايرة للسائد تم إسكاتها لأسباب غالبها سياسي سلطوي؟ هل الشرع أصلا دخل في الحقوق السياسية “للمواطنات”أم أن المفهوم علماني في منطقه ؟

الأمر الثاني: “مفهوم المرأة” مفهوم شامل لأصناف متنوعة من النساء، والقرآن استخدمه بمعاني متعددة، كالمرأة بالمعنى المجرد أو المرأة في إطار عقد الزواج، أو “المؤمنات” وهو أقرب لفظ لمفهوم المواطنة بالمعنى الحديث، وإذا كان القرآن قد أثبت القوامة للرجال، فإنه في الوقت نفسه يعود ويؤكد على دور المرأة بتمييز إيجابي.
الأمر الثالث: هو إدراك عدم إمكانية الاجتهاد والتجديد السياسي منفكاً عن التجديد الفقهي، فلا يمكن خلق رؤية ديمقراطية من العدم تنسخ الدين وتنطلق دون اعتبار التجربة التاريخية، ومن هنا نحتاج إلى فهم التراث واستيعابه وترشيد الخطى للمستقبل، بالتركيز على مقاصد الشرع من ناحية وأدوات التجديد من ناحية أخرى كي نفهم ما الذي نعنيه بالشريعة.
ولا بد في نظر -هبة عزت رءوف- من العودة إلى بناء “تصور إسلامي” منطلقه:
أولا: نص الكتاب والسنة.
ثانيا: قراءة الفقهاء مع وضعهم داخل الزمان والمكان الذي ينتمون إليه.
ثالثا: الاجتهاد باعتبار المصلحة الزمنية والمكانية في تفاعلها مع المقاصد الكلية للشرع.
الأمر الرابع: يجب أن يأخذ الحديث عن المرأة بعين الاعتبار إطار المؤسسة المركزية وهي الأسرة، فهي مهمة جداً في الفقه الإسلامي.
الإسلاميون والسياسة: نظرات ومراجعات:
منذ بداية التسعينات صارت قضايا المرأة قضية جدل سياسي عام، وقد زامن ذلك ما طرحه مؤتمر الأمم المتحدة للسكان والتنمية حول الحقوق الاجتماعية للمرأة برؤية نسوية غربية عولمية، وهو ما دفع بعض المؤسسات الدينية الرسمية كـ “الأزهر” وبعض الحركات السياسية الإسلامية كـ “الإخوان المسلمين” إلى تبني الرأي المناصر للحقوق السياسية للمرأة، ويظل الاستثناء الوحيد هو “التيار السلفي”.
ويمكن القول بوضوح أن القوى السياسية المختلفة على الساحة العربية لا تعارض نهوض المرأة ومشاركتها السياسية والاجتماعية، فكافة القوى تعتبر مساواة المرأة القانونية والسياسية أمرا مقبولا، لكن المشكلة تكمن في تفعيل تلك الرؤى، فكافة الأحزاب مشاركة النساء فيها ضعيفة.
وقبل تحليل مواقف تلك القوى الإسلامية وضعت الدكتورة هبة عزت رءوف ملاحظات تمهيدية مهمة:
أولا: أن قضايا المرأة لا تنفصل عن جدليات الوضع العربي الراهن، فهي تخضع لتحولاته، وهذه التحولات هي التي رصدها مركز “دراسات الوحدة العربية” في بيروت تحت مسمى “استشراف مستقبل الوطن العربي” وهذه الجدليات تتمثل في: جدلية التوحد والتفتت، جدلية الداخل والخارج، جدلية التقاليد الكبرى والتقاليد الصغرى، وجدلية الروحانيات والماديات.
ثانيا: أن موقف التيارات والقوى ليس موقفا أحاديا، بل تحكمه مصالح سياسية وإيديولوجية، قد تعوق المسار الإصلاحي لوضعية المرأة ولا تخدم قضاياها.
ثالثا: لا يكفي فهم حال المرأة العربية انطلاقا من المنظور الإحصائي لتقويم وضع المرأة، دون استحضار التحليل السوسيولوجي المتعمق، فمثلا شغل المرأة لعدد من المناصب والمقاعد يميزه ضعف الأداء، كما قد يشوبه فساد وممالاة للنظام وعدم التمثيل الحقيقي للنساء ولا للأمة، كما أن هذا التمثيل لا يرسم خريطة أوسع للمتغيرات الاجتماعية.
التيارات الإسلامية: رؤية للخطاب والأداء
تختلف التيارات الإسلامية في موقفهم من المرأة بحسب المنطلقات الفكرية لهذا التيار أو ذاك، فالتيارات السلفية موقفها واضح في أن المرأة مكانها المنزل ودورها محصور في رعاية الأسرة، ولتقديم التيار السلفي مفهوم القوامة على مفهوم الولاية فإنه لا يحتاج لتأكيد موقفه من دور المرأة السياسي لأن مجمل تصوراته ضد الفعالية والنشاطية النسائية في الحياة المدنية.
وتتبنى التيارات السلفية بشأن حصول المرأة على الحقوق السياسية والمناصب السياسية أربعة استراتيجيات أساسية:
1.إستراتيجية مفاهيمية تقوم على الخلط بين مستويات المفاهيم القرآنية، وتقديم مفهوم القوامة على مفهوم الاستخلاف والولاية، وهذان المفهومان هما أساس مفهوم المواطنة في الإسلام.
2.إستراتيجية توظف أصول الفقه بشكل غير دقيق وغير عادل، فتتبنى التغليب في الخطاب القرآني، ويجتهد هذا الخطاب في مناقضة حجج الخصوم بالتمسك بقراءة للنص الشرعي مناقضة لمنهج أصول الفقه.
3.إستراتيجية خطابية جدلية اختزالية في التعامل مع التاريخ متناقضة في قراءة الواقع والتاريخ، ففي الوقت الذي تحتفي فيه بالتجربة النبوية وانتقال المرأة من وضع الجاهلية إلى وضع المجتمع الإسلامي وحركتها في ميادينه المختلفة، فهي لا تُفَعِّل هذا التصور في الواقع الراهن.
4.إستراتيجية برجماتية: تضع قضية المرأة ضمن أجندات سياسية، إذ أصبحت قضية المرأة محكا للصراع السياسي وإثبات المفارقة المبدئية بين التيار السلفي وغيره من التيارات.
في الجانب الآخر نجد “تيار الإخوان المسلمين” الذي يتخذ مبدئيا موقفا يناصر حصول المرأة على حقوقها السياسية، ويقبل فقها واجتهادا صاغه علماء معاصرون أمثال الغزالي والقرضاوي، ولعل الوثيقة التي أصدرها “الإخوان” حول “المرأة المسلمة في المجتمع المسلم” تعكس موقفا وسطيا يقبل المشاركة السياسية للمرأة.
ومع هذا كله فإن هذا التيار يتميز بضعف التمثيل السياسي للمرأة، وذلك راجع حسب الدكتورة هبة عزت رءوف إلى الاضطهاد المتكرر للجماعة الذي نتج عنه تجنب الحركة تقديم رموز من النساء للصفوف الأولى.
وتسجل الدكتورة هبة عزت رءوف مجموعة من الملاحظات بهذا الصدد:
أولا: تفاوت نشاطية المرأة في المجال السياسي التي تتبنى الرؤية الفكرية للإخوان، مثلا حزب العدالة والتنمية برز فيه صوت المرأة خصوصا في الجدل حول “مدونة الأحوال الشخصية”، كما كان حضور المرأة في الانتخابات البرلمانية بارزا.
ثانيا: قوة التيار السلفي في بعض البلدان خاصة بالجزيرة العربية تدفع الإخوان، برغم المواقف المنفتحة، إلى اتخاذ مواقف سياسية متشددة ضد الحقوق السياسية للمرأة.
ثالثا: إشكالية المرأة الحقيقية مع النسق الفكري الإسلامي لدى الإخوان، وهذا النسق المرجعي يحمل الملامح التالية:
1. مركزية فكرة “الدولة الإسلامية” وضعف فقه الشورى وفقه العمل المدني وقياس منظومة الشريعة على فكرة القانون، وهذا الموقف في نظر الدكتورة هبة عزت رءوف له جذور تاريخية عميقة تعود في تاريخ العقل الفقهي والسياسي الإسلامي إلى هاجس “الفتنة الكبرى”.
2. غلبة الخطاب “السياسي الجدالي” على التصور “الاجتهادي الجدلي”، فغياب الاجتهاد النظري والفهم المعرفي المركب للواقع نتج عنه بحسب الدكتورة هبة “مناطق شتات مفاهيمي” خاصة في نقاشات المرأة والسياسة، فهناك دفاع عن “حقوق الإنسان”، وتغييب لـ “حقوق المرأة”، وتبن لـ”مفهوم المساواة الإنسانية عبر مفهوم الاستخلاف”، لكنه استخلاف مقيد بفهم قاصر للقوامة يقدمها على “الولاية”، وهناك احتفاء بالأسرة كمجال حيوي للمرأة دون استحضار لدور الرجل في الأسرة.
3. كلية النظر للآخر (الغرب) وتعميمها، وغياب النظر للآخر (الجنوب) أو (الشرق)، فالآخر هو الاستعماري أو الصليبي، هو الغربي بالأساس، وداخل هذه النظرة لا توجد تنويعات إلا نادرا، وهنا تسقط المرأة في المجتمعات العربية ضحية تلك النظرة إلى الغرب.
4. غياب النظرة المقارنة والاطلاع على الفكر والخبرة الغربية و”السنن” التي تحكم تهميش أو تمكين المرأة وإشكالاتها الاجتماعية والسياسية.
5. الحاجة لـ “إعادة ترسيم الحدود” بين الشريعة والدولة، ومراجعة العلاقة بين الأمة والشريعة، والنظر فيما آل إليه النسق المفاهيمي السياسي الإسلامي في مخيلة الإسلاميين ومسار هذه التحولات.
6. غياب التخصصية الشرعية، وغياب النظرة الاجتماعية والسياسية، وهي كما تقول الدكتورة هبة ملاحظة لافتة وجديرة بالبحث والتدقيق، فالعقلية الإسلامية “اجتهدت” في قضايا المرأة اللصيقة بالثقافة والممارسات الاجتماعية بزاد قليل من المعرفة الاجتماعية بزاد قليل من المعرفة الاجتماعية وكثير من الولع بالقانون وبالسياسة.
هناك إذن حاجة لفهم “المدرسة” التي انطلقت منها الكتابات التي صنعت المناخ الفكري للحركات، فهناك غياب الخيال الاجتماعي والسياسي الفلسفي النظري في تصورات “السياسة” وهيمنة الفقه الشرعي التاريخي والقانون، تشكل حول ذلك خطاب شرعي وفكري يدعم هذا التصور، ونتج عنه جدل إسلامي حركي أفرز “لغوا إيديولوجيا غزير الكم فقير النوعية” وإنتاجا لـ “نص مغال في السياسة” فشل في تحقيق النهضة. كما وصف الإسلاميون بأنهم يقدمون الأخلاق على التنظير السياسي للمصالح السياسية البراجماتية، والحق أن الخطاب السياسي لا يقدم الأخلاق على المستوى السياسي بل يقدم الدولة والقانون.
وفي الأخير دعت الدكتورة هبة عزت رءوف إلى “صياغة خيال مختلف بشأن المرأة والسياسة”، بالاستعانة بمنهج علماء الأمة فيما عرف بمنهج “الأرأيتيين” 1 لتطوير المسائل الفقهية، وذلك لتقويم الماضي واستشراف المستقبل، كما دعت التيارات الإسلامية أولا إلى الخروج من أسطورة وحش العلمانية، وثانيا إلى إعادة تأسيس النسق الفكري والفقهي على أن الولاية تعني ببساطة المواطنة، وأن المرأة ليست “إشكالية” بل هي شريك في صياغة وصناعة “الأطروحة” برمتها.

*هبة عزت رءوف ناشطة سياسية، كاتبة صحفية، ومدرسة مساعدة في مادة”العلوم السياسية” بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة.

نشر بتاريخ 20/02/2012

___________________________________

1-عرفت مدرسة أبي حنيفة بمدرسة “الأرأيتيين”، أي الذين يفترضون الوقائع بقولهم: أرأيت لو حصل كذا؟ أ رأيت لو كان كذا؟ فكانوا يكثرون من الأسئلة الافتراضية لِما لم يقع من الحوادث والنوازل، ويسمى أيضا هذا المنهج بالفقه الافتراضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق