مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

التآخي مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي

 

فإن توحيد المجتمع الإسلامي، وتقويته وجعله قوي البنيان متماسكا، مثله كمثل الجسد الواحد، فقد كان هذا من اهتمامات النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه بالتكافل المادي والمعنوي بين المسلمين، ليعين منهم القوي الضعيف، وليعطف الغني على الفقير، ولم يترك – صلى الله عليه وسلم – ثغرة واحدة ينفذ منها الوهن والضعف إلى هذا الصف الإسلامي الأول، فأصبح بذلك الرعيل الأول صخرة عظيمة صامدة تحطمت عليها كل مخططات صناديد قريش التي من شأنها القضاء على الإسلام والمسلمين.
لكن هيهات هيهات فلقد نصر الله عز وجل هذا الدين وأهله، ورفع المسلمين راية التوحيد شاهقة رفرافة، إذ كان من نتائج إيمان الأنصار ومبايعتهم وتعهدهم بالنصرة أن دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسلمين إلى الهجرة إلى المدينة، تاركين وراءهم أموالا ومتاعا وبيتا وأهلا؛ بل امتثلوا أمر الله ورسوله، ولسان حالهم يقول: وما عند الله خير وأبقى،  فكان من نتائج ذلك أن ظهرت ظاهرة عظيمة من التكافل الاجتماعي بين المسلمين، فالأنصار فتحوا أبواب بيوتهم لوفود المهاجرين، واستعدوا لاستقبالهم رجالاً ونساءً وأطفالا، إذ أصبح المسكن الواحد يضمّ الأنصار والمهاجرين، فلا فرق ولا حواجز بينهم، فلقد كانوا يتقاسمون اللقمة الواحدة والمال، فمن هذه المنازل التي فتحت أبوابها المستقبلة:
1. منزل مبشّر بن عبد المنذر بن زنبر  بقباء: نزل به مجموعة من المهاجرين نساءً ورجالاً، وقد ضمت هذه الدور عمر بن الخطاب ومن لحق به من أهله وقومه وابنته حفصة وزوجها وعيّاش بن ربيعة.
2. منزل خُبيب بن أساف : نزل به طلحة بن عبيد الله بن عثمان وأمه وصهيب بن سنان.
3. منزل أسعد بن زرارة من بني النّجار : نزل به حمزة بن عبد المطلب.
4. منزل كلثوم بن الهدم : نزل به أنسة وأبو كبشة.
5. منزل سعد بن خيثمة : وكان يسمّى بيت العزاب ونزل به الأعزاب من المهاجرين.
6. منزل عبد الله بن سلمة : نزل به عبيدة بن الحارث وأمّه سخيلة، ومصبح بن أثاثة بن عبّاد بن المطلب، والطفيل بن الحارث، وطليل بن عمير، والحصين بن الحارثي.
7. منزل بني عبد الأشهل والمحتضن هو سعد بن معاذ بن النعمان : نزل به مصعب بن عمير وزوجته حمنة بنت جحش.
8. منزل بني النجار والمحتضن هو أوس بن ثابت بن المنذر : نزل بها عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا النوع من التكافل الاجتماعي الذي ظهر في ذلك العصر، كان من أهم العناصر الممهدة لإقامة المدينة المنورة التي تنبض بالأثرة على النفس وودّ الأخوة الصادقة المؤمنة بين المهاجرين والأنصار، ففي حديث  أنس رضي الله عنه قال: “قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال : بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق. فأتى السوق فربح شيئاً من أقط وسمن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة ، فقال : (مهيم  يا عبد الرحمن). فقال: “تزوجت أنصارية”. قال: (فما سقت إليها)؟ قال: “نواة من ذهب”، قال: (أولم ولو بشاة) . قال ابن بطال تعليقا على هذا الحديث: “في هذا الحديث ما كان عليه الصدر الأول من هذه الأمة من الإيثار على أنفسهم، وبذل النفيس لإخوانهم” . وقال السهيلي: “آخى بين أصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويستأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد بعضهم أزر بعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث، وجعل المؤمنين كلهم إخوة، وأنزل: ﴿إنما المؤمنين إخوة﴾  يعني في التوادد وشمول الدعوة” . 
إن أي بيت من البيوتات لابد أن تقع فيه مشاكسات ومشادّات، إلا أن هذا لم يحصل عند هذا الرعيل الأول، إنه الدين الحق الذي جعل تقوى الله أساساً لتصرف كل نفس والأخلاق السامية التي فرضت الأخوة بين المسلمين ونصرة الدعوة، إنها المبايعة وأثرها في النفوس، إنه الصدق، والأثرة على النفس، والعمل من أجل الجماعة، وخوفاً من العقاب وطمعاً في الثواب، ورهبة من اليوم الآخر، ورغبة في الجنة، كل هذه العناصر أسهمت في إعطائنا هذا المظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي في أبهى صوره، وهذا هو الذي نحتاجه في الآونة الأخيرة، إذ قلت فيه المودة والإخاء.

 

 

                                                     [إعداد يوسف أزهار- باحث بالمركز]

                                             بسم الله الرحمن الرحيم 

                            والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

وبعد؛

    فكان من أكبر أساليب النبي – صلى الله عليه وسلم – في ربطه المجتمع الإسلامي وتوحيده، وتقويته للجبهة الداخلية وجعلها قوية البنيان متماسكة، ما دعا إليه صلى الله عليه وسلم من التكافل المادي والمعنوي بين المسلمين، ليعين منهم القوي الضعيف، وليعطف الغني على الفقير، ولم يترك صلى الله عليه وسلم ثغرة واحدة تنفذ منها الحرب النفسية إلى هذا الصف الإسلامي الأول وأصبح بذلك الرعيل الأول صخرة عظيمة صامدة تحطمت عليها كل الجهود والمخططات التي بذلها صناديد قريش للقضاء على الإسلام والمسلمين.

    لقد كان من نتائج إيمان الأنصار ومبايعتهم وتعهدهم بالنصرة أن دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسلمين إلى الهجرة إلى المدينة، مخلفين وراءهم أموالهم وبيوتهم غير مبالين بذلك؛ بل امتثلوا أمر الله ورسوله، ولسان حالهم يقول: وما عند الله خير وأبقى،  فكان من نتائج ذلك أن ظهرت ظاهرة عظيمة من التكافل بين المسلمين، ففتحت دور الأنصار أبوابها وقلوب مالكيها لوفود المهاجرين في سبيل الله، واستعدت لاستقبالهم رجالاً ونساءً وأطفالا، إذ أصبح المسكن الواحد يضمّ المهاجر والأنصاري والمهاجرة والأنصارية لا فرق بينهم، يتقاسمون اللقمة الواحدة والمال والمكان والمسؤولية الإسلامية، فمن هذه المنازل المستقبلة:

1. منزل مبشّر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء1: ونزل بها مجموعة من المهاجرين نساء ورجالاً، وقد ضمت هذه الدور عمر بن الخطاب ومن لحق به من أهله وقومه وابنته حفصة وزوجها وعيّاش بن ربيعة.

2. منزل خُبيب بن أساف2: نزل بها طلحة بن عبيد الله بن عثمان وأمه وصهيب بن سنان.

3. منزل أسعد بن زرارة من بني النّجار3: قيل نزل بها حمزة بن عبد المطلب.

4. منزل كلثوم بن الهدم4: نزل بها أنسة وأبو كبشة.

5. منزل سعد بن خيثمة5: وكان يسمّى بيت العزاب ونزل بها الأعزاب من المهاجرين6.

6. منزل عبد الله بن سلمة7: نزل بها عبيدة بن الحارث وأمّه سخيلة، ومصبح بن أثاثة بن عبّاد بن المطلب، والطفيل بن الحارث، وطليل بن عمير، والحصين بن الحارثي نزلوا جميعاً على عبد الله بن سلمة بقباء.

7. منزل بني جحجبي والمحتضن هو منذر بن محمد بن عقبة: نزل عنده الزبير بن العوام، وزوجه أسماء بنت أبي بكر، وأبو سبرة بن أبي رهم وزوجته أم كلثوم بنت صهيب.

8. منزل بني عبد الأشهل والمحتضن هو سعد بن معاذ بن النعمان8: نزل بها مصعب بن عمير وزوجته حمنة بنت جحش9.

9. منزل بني النجار والمحتضن هو أوس بن ثابت بن المنذر10: نزل بها عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

   فهذه المقاسمة وهذا التكافل الاجتماعي كان من أهم العناصر التي مهدت لإقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته المهاجرين معه وبعده إقامة طيبة تنبض بالأثرة على النفس وودّ الأخوة الصادقة المؤمنة.

   بهذه الروح العالية والإيمان الوثيق والصدق في المعاملة تمت المؤاخاة وتم الوفاق بين المهاجرين والأنصار، ففي حديث  أنس رضي الله عنه قال: “قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال : بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق. فأتى السوق فربح شيئاً من أقط وسمن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة11، فقال : (مهيم12 يا عبد الرحمن). فقال: “تزوجت أنصارية”. قال: (فما سقت إليها)؟ قال: “نواة من ذهب”، قال: (أولم ولو بشاة)13. قال ابن بطال تعليقا على هذا الحديث: “في هذا الحديث ما كان عليه الصدر الأول من هذه الأمة من الإيثار على أنفسهم، وبذل النفيس لإخوانهم”14.

   قال السهيلي: “آخى بين أصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويستأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد بعضهم أزر بعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث، وجعل المؤمنين كلهم إخوة، وأنزل: ﴿إنما المؤمنين إخوة﴾15 يعني في التوادد وشمول الدعوة”16.

   وقد يحدث تساؤلاً فيقال: لماذا لم نسمع ولم تسجل المصادر ولم تكتب المراجع أن خلافات وقعت في هذه البيوت؟ وأين النساء وما اشتهرن به من مشاكسات؟ إنه الدين الحق الذي جعل تقوى الله أساساً لتصرف كل نفس والأخلاق السامية التي فرضت الأخوة بين المسلمين ونصرة الدعوة، إنها المبايعة وأثرها في النفوس، إنه الصدق، والعمل من أجل المجموعة، خوفاً من العقاب ورهبة من اليوم الآخر، ورغبة في الثواب، وطمعاً في الجنة، أنه دفء حضانة الإيمان واستقامة النفس والسلوك وصدق الطوية، فكل من أسلم وكل من بايع وكل من أسلمت وبايعت يعملون جميعهم بما يؤمرون به ويخلصون فيما يقولون، يخافون الله في السر والعلن، آمنت نفوسهم فاحتضنت المهاجرة المناصرة فالكل يعمل من أجل مصلحة الكل، فهذا هو التكافل الاجتماعي في أجلى صورة، وأقدس واقعة رغّب الكل في الثواب حتى أن الواحد منهم يخاف ذهاب المناصر بالأجر كله.

                                      —————————–

1) هو مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، شهد بدرا مع أخويه أبي لبابة بن عبد المنذر ورفاعة بن عبد المنذر وقتل مبشر ببدر شهيدا، قتله أبو ثور. وقيل : إنه قتل بخيبر. قال العدوي: شهد بدراً وأحداً وقتل يومئذ لا عقب له. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (457/1)

2) هو خبيب بن أساف بن عدي بن عتبة بن عمرو بن جندع بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج أمه سلمى بنت مسعود بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة شهد بدرا وقتل بمكة في حياة رسول الله صلى الله عليه في سنة أربع أو ثلاث. طبقات ابن الخياط (95/1)

3) هو أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثَعْلَبة بن غنم بن مَالِك بن النجار أبو أُمامة الأنصَاري الخزرجي النجاري .السيد نقيب بني النجار أبو أُمامة الأنصَاري الخزرجي، من كبراء الصحابة . توفي شهيدا بالذبحة فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم بعده نقيبا على بني النجار وقال : أنا نقيبكم فكانوا يفخرون بذلك . قال ابن إسحاق : توفي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده قبل بدر. الإصابة في تمييز الصحابة (54/1)

4) هو كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس ابن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف صاحب رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف بذلك، وكان شيخاً كبيراً، أسلم قبل نزول رسول صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو الذي نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حين قدومه في هجرته من مكة إلى المدينة، اتفق على ذلك ابن إسحاق وموسى والواقدي، فأقام عنده أربعة أيام. توفي كلثوم بن الهدم قبل بدر بيسير. وقيل: إن كلثوم بن الهدم أول من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة لم يدرك شيئاً من مشاهده.  

5) هو سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرىء القيس بن مالك ابن الأوس الأنصاري عقبي بدري قتل يوم بدر شهيدا، قيل: قتله طعيمة بن عدي. وقيل بل قتله عمرو بن عبد ود. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (176/1).

6) السيرة النبوية لابن هشام (328/1).  

) هو عبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبعة، من بلي، شهد بدراً وقتل يوم أحد شهيداً، قتله عبد الله بن الزبعري فيما ذكر ابن إسحاق وغيره. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (280/1)

) هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت وهو عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي يكنى أبا عمرو. وأمه كبشة بنت رافع لها صحبة أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير وشهد بدراً وأحداً والخندق ورمى يوم الخندق بسهم فعاش شهراً ثم انتفض جرحه فمات منه. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (181/1)

9) السيرة النبوية لابن هشام (328/1) .

10) هو أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري شهد العقبة وبدرا وقتل يوم أحد في قول عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري وقال الواقدي: شهد أوس بن ثابت بدرا وأحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وتوفي في خلافة عثمان بن عفان بالمدينة. (الاستيعاب في معرفة الأصحاب 37/1).

 11) التلطخ بخلوق أو طيب له لون، وقد صرح به في بعض الروايات بأنه أثر زعفران. عمدة القاري شرح صحيح البخاري (238/17).

12 ) كلمة تقال للتساؤل والاستفهام. أي: ما أمْرُكم وشأْنُكم؟ لسان العرب (564/12)

13) رواه من حديث أنس: البخاري في مناقب الأنصار. باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار رقم: (3781)، وباب كيف آخى النبي بين أصحابه رقم: (3937)، ومسلم: كتاب النكاح. باب الصداق وجواز كونه تعليم القرآن (229/5) الرقم: (1427 مع النووي).                                     

14 ) شرح صحيح البخاري لابن بطال (167/7)

15 ) الحجرات (الآية: 10)

16 ) فتح الباري (270/7) 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق