مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

البهجة شرح التحفة لأبي الحسن التُّسولي تـ1258هـ

   كتاب البهجة شرح التحفة هو من أوعب الشروح الموضوعة على كتاب تحفة الحكّام للقاضي أبي بكر محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي الذي يندرج تحت باب علم الوثائق والشروط؛ وضعه صاحبه القاضي الفقيه النوازلي المالكي علي بن عبد السلام، أبو الحسن التسولي الفاسي الملّقب بِمْدِيدَش(ت 1258هـ).

  ولما كان كتاب التحفة من أجلّ ما أُلف في علم الوثائق والإبرام لسلامة نظمها ووجازة لفظها ولاجتماع ما افترق في غيرها، قصد صاحبنا الفقيه بعد تدريسها وإقرائها وشرح وإبراز خفيّ معانيها ومقفلها، إلى وضع شرح عليها نزولاً عند رغبة الكثير من الطلبة حتى تقع الاستفادة منها وتحقق الغاية وينال المرام، وقد كان أحد طلبة الفقيه قد رأى في منامه أن شيخه وضع شرحاً فائق الصناعة، فنشطت همة الشيخ لهذا القصد، وخصوصاً أنه كان قد رأى في منامه من يشير عليه بتسمية الشرح بالبهجة في شرح التحفة، مأخوذاً من قوله تعالى: ﴿ذات بهجة﴾، فاستبشر الشيخ وأقبل على الكتاب مع إخلاص النية في ذلك.

  ومما تميّز به هذا الشرح أنه يُعد بحق موسوعة فقهية متميزة في أبواب القضاء والمعاملات الأسرية والمالية التي لا غنى للقضاة وأصحاب الفقه والقانون عنها، حيث تمكّن الفقيه التسولي من جمع شوارده، وتنوّع أحكامه، وتنزيلها على واقع الناس مع الإكثار من النقولات، وذكر اختلاف الفقهاء في المسألة الواحدة واعتناءه بتفصيلها، وذكر ما يتفرع عنها، وربطها بقواعد المذهب التي لا تكاد تخلو صفحة منه من ذكرها؛ ومن القواعد التي بثّها شرحه: مراعاة الخلاف، إذا خرج حكم الحاكم عن الكتاب والسنة والقياس الجلي لم ينفذ حكمه، العرف محكّم، ما جرى به العمل بسبب العرف يحمل على عرف تلك البلد خاصة، إذا التقى الضرران ارتُكب أخفّهما، المعاملة بنقيض المقصود الفاسد…

  وقد سلك التسولي منهجا بديعا في شرحه، حيث بيّن في مقدمته مقصده وداعيه إلى وضعه ومنهجه العام فيه؛ إذ سلك فيه البسط في العبارة مبتعداً عن الإشارة والإلغاز؛ لأن غايته أن يفهمه من له أدنى مسيس بعلم الفقه والعربية، معرضا عن التصريح بانتقاد شرّاح الكتاب؛ لأن لكل واحد منهم طريقته، ومن منهجه أيضا استعمال الرمز والتصريح في من نقل عنه من العلماء؛ فرمز للشيخ خليل بحرف «خ»، وللشيخ التاودي «ت»، وللشيخ ميارة «م»، وللإمام الحطاب «ح»، وهؤلاء قد خصّهم بالذكر في المقدمة، وممن صرّح بأسمائهم ابن الماجشون، وابن القاسم، وابن شاس، وابن عرفة، دون العزو إلى كتاب معين. وهذا ما يدل على سعة اطّلاع الشيخ، وطول باعه في علم النوازل والأحكام.

  وعقب هذا بترجمة الإمام ابن عاصم صاحب الأرجوزة، ثم شرع في عرض أبياتها التي بلغت 1699 بيتا وشرْح ألفاظها، وإعراب ألفاظها، وبيان منطوقها ومفهوم كلامها، وإبراز فرائدها، مبيّنا ما به العمل عند المتأخرة من قضاة العدل، مع إصلاح الألفاظ التي تحتاج للإصلاح، وشرْح غالب وثائق الأبواب وإن كان بشيء من الإطناب، حتى يتدرّب ويهتدي المبتدئ إلى كيفية تنزيل الفقه على وثائق الأحكام؛ ومن الأبواب التي تعرّض لها: باب القضاء وما يتعلق به، الشهادات، اليمين، الصلح، النكاح وما يتعلق به، البيوع وما يتعلق بها، الكراء… ثم ختم شرحه بحمد الله أن يسّره له، والصلاة على نبيّه صلوات الله عليه، مع سؤال المولى عزّ وجل النفع به، والاعتذار عما وقع فيه من إخلال أو تقصير.

  وممن أثنى على الفقيه الجليل الإمام عبد السلام بن عبد القادر بن سودة في كتابه إتحاف المُطالع قائلا: «كان علامة مشاركا حافظا نوازليا، يستحضر نصوص الفقه المالكي»، ووصف شرحه قائلا: «له شرح على التحفة مطبوع متداول مشهور».

  ومن الأعمال التي وضعت عليه: كتاب «تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية من خلال كتاب البهجة في شرح التحفة»، للصادق بن عبد الرحمن الغرياني، طبع بدار ابن حزم سنة 1426هـ/2005م، واعتنى فيه صاحبه بجمع القواعد والضوابط الفقهية وتفريعات مسائلها المبثوتة في كتاب التحفة؛ فيذكر القاعدة، ثم يشرحها، ثم يذكر نوعها وتطبيقاتها، وأحياناً الصيغ التي جاءت بها واستثناءاتها، كل هذا مع الإحالة على البهجة ليسهل الرجوع إليها.

  طبع كتاب البهجة عدة طبعات، منها طبعة دار الكتب العلمية سنة 1418هـ/1998م، في جزئين، ومعه شرح آخر للتحفة وهو حلى المعاصم لفكر ابن عاصم للإمام أبي عبد الله محمد ابن محمد التاودي (ت 1209هـ).

الكتاب: البهجة شرح التحفة على كتاب: الأرجوزة المسماة بتحفة الحكام للقاضي أبي بكر محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي(ت829هـ).

المؤلف: أبو الحسن علي بن عبد السلام التُّسولي (ت 1258هـ).

من مصادر ترجمته: إتحاف المُطالع وتذكرة المحسنين (ضمن موسوعة أعلام المغرب:7 /2564-2565)، سلوة الأنفاس: (1 /266)، شجرة النور: (1 /567).

المحقق: محمد عبد القادر شاهين.

الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى عام 1418هـ-1998م.

إعداد: ذة. غزلان بن التوزر.

تحميل الكتاب الجزء الأول

الجزء الثاني

Science

ذة. غزلان بن التوزر

باحثة بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء -ملحقة الدار البيضاء – منذ دجنبر 2011م إلى الآن.

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. السلام عليكم
    عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير
    اشكركم على هدا الموقع الرائع الدي يهتم بأمهات الكتب
    واخص بالدكر كتب علم الوثائق.
    أنا طالب جامعي من الجزائر واحضر لبحث عن علم الوثائق بالمغرب الأوسط
    أرجو من الإخوة الكرام مساعدتي باي كتاب أو مخطوط يتناول هدا البحث
    مع شكري وتمنياتي بالتوفيق.

  2. السلام عليكم. أريد كتب حول دور علماء المغرب الأوسط في تدوين النوازل الفقهية

  3. السلام عليكم ابارك لكم في هذا العمل الجاد المستثمر للحسنات جعلها الله لنا و لكم يارب العالمين ارجوا لكم التقدم و الازدهار .شكرا و الله ولي التوفيق.

  4. السلام عليكم .بارك الله فيكم على ما تقدمونه من جهود في خدمة العلم .غير أني لم أتمكن من تحميل الكتاب .أستاذي الغالي بردودي يوسف بالمدينة الجديدة أسأل الله أن يوفقك في عملك تفضل هذا الموقع لقد وجدته صدفة قم بنسخ الرابط وافتحه في صفحة جديدة. كان الله معكم .والسلام عليكم . :http://www.el-awsat.com

  5. السلام عليكم .بارك الله فيكم أبائي وإخوتي في خدمة البشرية بالعلم .لم أتمكن من تحميل هذا الكتاب. ولكن بارك الله فيكم على الجهود الجبارة. استاذي بردودي يوسف بالمدينة الجديدة تفضل هذا الموقع عموما لم يفتح معي لربما لخلل في االجهاز بالتوفيق والسلام عليكم.

    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=214803

    http://www.el-awsat.com/

  6. وفيكم بارك
    الرابط ليس به عطب، ولعل الخلل بجهازك.

  7. السلام عليكم اخواني بارك الله في مجهودكم، من فضلكم ساعدوني أريد منهج الامام التسولي في كتابه البهجة ولكم جزيل الشكر

  8. الظاهر أن الكتاب مهم في بابه، لكن المحقق لم يزد على طبع الكتاب شيئا؛ حيث لا تخريج للأحاديث وغيرها، وقبل هذا، ليست هناك إشارة إلى المخطوطات التي اعتمدت في إخراج هذا الكتاب. ولذلك، أرجو أن يقيض له من يعمل على تحقيقه وتيسيره للقراء

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق