مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

البعد التربوي لألفية ابن مالك الطائي الجياني (الحلقة السابعة عشرة)

16- طلب العلم:
قال الناظم – رحمه الله تعالى -:
وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ بِهِ كَفَى
  كَـ«الْعِلْمُ نِعْمَ الْمُقْتَنَى وَالْمُقْتَفَى»
*   *   *
ورد البيت في باب «نعم وبئس وما جرى مجراهما»، قال ابن عقيل – رحمه الله تعالى – في شرحه:”إذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا كقوله تعالى: في أيوب:(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص:44] أي نعم العبد أيوب فحذف المخصوص بالمدح وهو أيوب لدلالة ما قبله عليه”(1)، وفي المثال الذي ذكره الناظمُ إشكالٌ تطرق إليه الشُّراح(2).

16- طلب العلم:

قال الناظم – رحمه الله تعالى -:

وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ بِهِ كَفَى ///  كَـ«الْعِلْمُ نِعْمَ الْمُقْتَنَى وَالْمُقْتَفَى»

*   *   *

ورد البيت في باب «نعم وبئس وما جرى مجراهما»، قال ابن عقيل – رحمه الله تعالى – في شرحه:”إذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا كقوله تعالى: في أيوب:(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص:44] أي نعم العبد أيوب فحذف المخصوص بالمدح وهو أيوب لدلالة ما قبله عليه”(1)، وفي المثال الذي ذكره الناظمُ إشكالٌ تطرق إليه الشُّراح(2).

*   *    *

ومعنى المثال الذي ذكره الشيخ الناظم –  كما قال الشاطبي – رحمهما الله تعالى -:”العلمُ نعم المال المتّخذ، والإمام المتَّبع الهادي إلى سبيل الرشاد”(3)، وفيه حثٌّ على العلم وتطلابه، والتّأويب والإدلاج في تحصيله واكتسابه، لأنَّ به ارتفاعَ الدرجاتِ، والخروج للنور من الظلمات، قال تعالى:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر:9]، وقال:(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة:11]، قال ابن حجر – رحمه الله تعالى -:”وَرِفْعَتُهَا تَشْمَلُ الْمَعْنَوِيَّةَ فِي الدُّنْيَا بِعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ وَحُسْنِ الصِّيتِ، وَالْحِسِّيَّةَ فِي الْآخِرَةِ بِعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ فِي الْجَنَّةِ(4)”.

وقد ورد في بيان فضله ما لا يعدُّ من الآثار، وتواتر في التنويه بشرفه ما لا يحصى من الأخبار، ومن ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم -:«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»[رواه ابن ماجه]، وقوله:«مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ»[رواه مسلم]، وفي رواية:«مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًى لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَرِثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»[رواه أحمد]، وحسبكَ برهانا على شرفه وفضله أن الله تعالى ما أمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم، وذلك في قوله:(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه:114].

وقد جاء عن السلف الصالح الحض عليه، قال سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ – رحمه الله تعالى -: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ إِذَا صَحَّتِ النِّيَّةُ(5)»، وقال الشافعي – رحمه الله تعالى -:”لَيْسَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، قِيلَ لَهُ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”(6)، وقال:”طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ النَّافِلَةِ”(7).

وينسَبُ للإمام عليّ – كرم الله وجهه -:

النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكْفَاءُ = أَبُوهُمُ آدَمٌ وَالْأُمُّ حَوَّاءُ

فَإِنْ أَتَيْتَ بِفَخْرٍ مِنْ ذَوِي حَسَبٍ = يُفَاخِرُونَ بِهِ فَالطِّينُ وَالْـمَاءُ

مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ = عَلَى الْهُدَى لِـمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ

وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ = فَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ

فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَدًا = النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ

ولا يتحصّل لطالب العلم ما ذكرنا من الأجر العظيم والشرف الصميم إلا إذا أخلص في طلبه، مبتغيًا فيه وجه الله تعالى، مع مراعاة آداب الطلب التي يتطرق إليها الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – بين الفينة والأخرى ابتداءً بالاستقامة، كما في قوله:«كاستقم»، والتوكل على الله تعالى كما في قوله:«اللهُ حَسْبِي وَكَفَى» والتحلي بالورع كما في قوله:«مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ»، وبسلامة القلب كما في قوله:«كَطَاهِرِ الْقَلْبِ جَمِيلِ الظَّاهِرِ»، فضلا عن قوة العزم وعلو الهمة كما في قوله:«كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ»، والصحبة الصالحة كما في قوله:«أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْدِقْ بِهِمَا» والانكباب على الكتب بحثاً وقراءةً وتدبراً، كما في قوله:«نَحْوُ: تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ»، وكل هذه الخصال تكلمنا عنها في الحلقات السابقة، فمن عض عليها بالنواجذ فاز بالمطالب، وظفر بالمنى والمآرب، وكان علمهُ حجةً لهُ لا عليه! ورحم الله الإمام الغزاليّ حين قال:” إن كنتَ تَقصدُ بالعلم المنافسةَ، والمباهَاةَ، والتَّقدّم على الأقران، واستمالةَ وجوهِ النَّاس إليكَ، وجمعَ حُطام الدنيا، فَأنتَ سَاعٍ في هَدمِ دينِكَ، وَإهلاكِ نَفسكَ، وَبيعِ آخرتك بدُنياك؛ فصفقتُكَ خاسرةٌ، وتجارتك بائرةٌ، وَمُعلِّمكَ مُعينٌ لكَ عَلى عصيانكَ، وَشريكٌ لك في خسرانكَ، وَهوَ كبائعِ سيفٍ لقاطعِ طريقٍ، كما قال – صلى الله عليه وسلم -«مَنْ أَعَانَ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ كَانَ شَرِيكاً لَهُ فِيها». وإنْ كَانتْ نيّتكَ وقصدُك بينَك وبين الله تعالى مِنْ طلبِ العِلْمِ: الهدَايةَ دُونَ مجرَّدِ الرِّواية، فَأَبْشرْ؛ فإنَّ الملائكَةَ تَبسُط لكَ أجنحتهَا إذا مَشَيْتَ، وحيتان البحر تستغفرُ لك إذا سَعيتَ”(8).

ـــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1)  انظر: شرح ابن عقيل  (3/167).

(2)  انظر: المقاصد الشافية (4/543)، توضيح المقاصد (2/924)، حاشية الخضري (2/117)، قال المرادي رحمه الله تعالى -:”قوله:وإن يقدم… تصريح بأن المتقدم ليس هو المخصوص, بل مشعر به، والظاهر أن هذا المثال مما تقدم فيه المخصوص، لا مما حذف فيه لدلالة ما قبله”.

(3)  انظر: المقاصد الشافية (4/543).

(4)  فتح الباري (1/141).

(5)  جامع بيان العلم وفضله (1/ 124).

(6)  المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص: 310)

(7)  شرح السنة للبغوي (1/ 280).

 (8)  بداية الهداية، ص:25.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق