مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

البعد التربوي لألفية ابن مالك الطائي الجياني (الحلقة الرابعة عشرة)

13-  في الحث على الورع:
قال الناظم – رحمه الله تعالى -:
وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ
  مَعْنًى كَـ”مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ”
  
*   *   *
ورد البيت في باب «إعمال اسم الفاعل»، وهو بابٌ تكلم فيه الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – عن إعمالِ كلٍّ من اسم الفاعل وصيغ المبالغة واسم المفعول. وأما هذا البيتُ فتكلم فيه عن إعمال اسم المفعول، وذكر أنه يجوز إضافةُ اسم المفعول إلى ما كان مرفوعا به فتقول: زَيدٌ مضروبُ العبدِ، والأصلُ: زَيدٌ مضروبٌ عبدُهُ، وتقول: الوَرِعُ محمودُ المقَاصدِ، وَالأصلُ: الوَرِعُ مَحْمُودَةٌ مَقَاصِدُهُ، فَتضيف اسمَ المفعُولِ إلَى مَا كانَ مَرفوعًا بِهِ(1).

13-  في الحث على الورع:

قال الناظم – رحمه الله تعالى -:

وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ  ///  مَعْنًى كَـ”مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ”

  *   *   *

ورد البيت في باب «إعمال اسم الفاعل»، وهو بابٌ تكلم فيه الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – عن إعمالِ كلٍّ من اسم الفاعل وصيغ المبالغة واسم المفعول. وأما هذا البيتُ فتكلم فيه عن إعمال اسم المفعول، وذكر أنه يجوز إضافةُ اسم المفعول إلى ما كان مرفوعا به فتقول: زَيدٌ مضروبُ العبدِ، والأصلُ: زَيدٌ مضروبٌ عبدُهُ، وتقول: الوَرِعُ محمودُ المقَاصدِ، وَالأصلُ: الوَرِعُ مَحْمُودَةٌ مَقَاصِدُهُ، فَتضيف اسمَ المفعُولِ إلَى مَا كانَ مَرفوعًا بِهِ(1).

ويحثُّ الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – في مثاله:«مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِع» إلى التحلِّى بالورع والعضّ عليه بالنواجذ، قال الشاطبي – رحمه الله تعالى -:”وَمعنى المثال: أن الورِعَ المتَّقِيَ للهِ مَقاصِدُهُ كُلُّهَا مَحمودَةٌ، لأَنَّ قصدَهُ في كلِّ شيءٍ تَقْوَى اللهِ تَعَالى(2)”.

والورعُ خَصلةٌ من خصال الأنبياء، وصفةٌ من صفات الأوليَاء والأصفياء، ومعناهُ – كما قال القرافي رحمه الله تعالى -:”تَركُ ما لا بأس به حذرًا مما به البأس”(3)، أو هو:” ترك ما يريبك ونفي ما يعيبك، والأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشق”(4)، ويعني ذلك تجنّبَ كلِّ ما حاك في الصدر، والأخذ بما يسكن إليه النفس ويطمئن به القلب. 

والأصل فيه قوله -صلى الله عليه وسلم- :«إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيه، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ»[متفق عليه]، وقال -صلى الله عليه وسلم-:«يا أبا هريرة، كُنْ وَرِعاً تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ(5)»، وقال:«مِلَاكُ الدِّينِ الوَرَعُ(6)»، وقال:«دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لاَ يرِيبُكَ»(7)، وقال:«لا يبلغُ العبدُ أنْ يكونَ من المتَّقين حَتّى يَدَعَ ما لا بأسَ به حذراً لما به بأسٌ(8)».

وقال أبو بكر رضي الله عنه:”كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام(9)”، وقال الحسنُ البصريّ رحمه الله تعالى “ما زالتِ التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام(10)”، وقال ميمون بن مهران رحمه الله تعالى:”لَا يَسْلَمُ لِلرَّجُلِ الْحَلَالُ حَتَّى يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ حَاجِزًا مِنَ الْحَلَالِ(11)”، وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى:” لَا يُصِيبُ رَجُلٌ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يُحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ حَاجِزًا مِنَ الْحَلَالِ , وَحَتَّى يَدَعَ الْإِثْمَ وَمَا تَشَابَهَ مِنْهُ(12).

وذكر الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى في كتابه «الذريعة» أن الورع على ثلاثة أضرب:

1- واجب: وهو الإحجام عن المحارم وذلك للناس كافة، 

2-وندب: وهو الوقوف عن الشبهات وذلك للأوساط،

3- وفضيلة: وهو الكف عن كثير من المباحات والاقتصار على أقلّ الضرورات، وذلك للمتقين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين(13).

وعلى هذا فلا يتمّ ورع الرجلُ – كما يتجلى من كلام الراغب – إلا بمراعاته لأمور ثلاثة، وهي:

الأول: اجتناب السيئات، بالكفِّ عن كل ما نهى الله عنه.

الثاني: اجتناب الشبهات، بالوقوف عند الأمور المشتبهة، بالاحتياط والاحتراز، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي ثُمَّ أَرْفَعُهَا لآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا»[متفق عليه]، ومن ذلك أيضاً ما وقع للإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله تعالى – فقد كان بمكّة ورهَن سَطْلًا عند قاضٍ فأخذَ منه شيئا يتقوَّته فجاء فأعطاه فِكَاكَه فأخرج إليه سطلين، وقال: انظُر أيّهما سطلُك فخُذهُ، قَالَ: لا أَدري، أنتَ في حلٍّ منهُ وممَّا أعطيتُكَ في حلٍّ، وَلمْ يأخذهُ، قال القاضي: واللهِ، إنّهُ لَسَطْلُهُ وَإنَّما أَرَدْتُ أَن أَمتحنَهُ فيهِ(14)”.

الثالث: اجتناب الشّهواتِ، بالكفّ عن بعض المباحات، وهذا معنى قول أبي بكر رضي الله عنه:”كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام(15)”.

ورحم الله سيدي أبا المحامد الشيخ الخديم حين قال:

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْفَتْحَ وَالْأَنْوَارَا = وَالزُّهْدَ وَالْعِرْفَانَ وَالْأَسْرَارَا

تُنَالُ بِالتَّقْوَى وَإِكْثَارِ الْوَرَعْ = لَا بِتَسَوُّفٍ وَإِكْثَارِ الْطَّمَعْ(16)

ــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1)  انظر: شرح ابن عقيل (3/122)، شرح التصريح على التوضيح (2/24)، أوضح المسالك (3/196).

(2)  المقاصد الشافية (4/322).

(3)  الذخيرة (3/246)

(4)  التوقيف على مهمات التعاريف (ص:337).

(5)  سنن ابن ماجه (2/1410).

(6)  مسند الشهاب (1/59)، الفردوس بمأثور الخطاب (4/157).

(7)  سنن الترمذي (4/668)، وسنن النسائي (8/327).

(8)  سنن الترمذي (4/634)، سنن ابن ماجه (2/1409).

(9)  الرسالة القشيرية (ص:115).

(10)  فيض القدير (5/52).

(11)  حلية الأولياء (4/84).

(12)  حلية الأولياء (7/288).

(13)  الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص:227).

(14)  حلية الأولياء (9/170).

(15)  الرسالة القشيرية (ص:115).

(16)  تَيْسِير الْغَافِر فِي جواب عَبْدِ الْقَادر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق