مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

البعد التربوي لألفية ابن مالك الطائي الجياني (الحلقة الثالثة عشرة)

– في الحث على الدّعاء:
قال الناظم – رحمه الله تعالى -:
وَالْحَالُ إنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا
  أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا
  
فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهُ كَمُسْرِعَا
  ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا
  
*   *   *
ورد البيتان في باب «الحال»، ويبين فيهما الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – أن الأصل تأخر الحال عن عاملها، لكن يجوز تقدمها عليه في موضعين اثنين، وهما:
الأول: أن يكون العامل في الحال فعلا متصرفا، نحو: دعا زيد مخلصا، فتقول: مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا.
الثاني: أن يكون العامل فيها وصفاً يشبه الفعل المتصرف، نحو: هَذَا رَاحِلٌ مُسْرِعًا، فتقول: مُسْرِعًا هَذَا رَاحِلٌ.
وأما إذا كان العامل في الحال فعلاً غير متصرف، أو وصفاً يشبه الفعل غير المتصرف فلا يجوز تقدم الحال على هذا العامل.

 

12- في الحث على الدّعاء:

قال الناظم – رحمه الله تعالى -:

وَالْحَالُ إنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا /// أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا 

 فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهُ كَمُسْرِعَا /// ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا

  *   *   *

ورد البيتان في باب «الحال»، ويبين فيهما الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – أن الأصل تأخر الحال عن عاملها، لكن يجوز تقدمها عليه في موضعين اثنين، وهما:

الأول: أن يكون العامل في الحال فعلا متصرفا، نحو: دعا زيد مخلصا، فتقول: مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا.

الثاني: أن يكون العامل فيها وصفاً يشبه الفعل المتصرف، نحو: هَذَا رَاحِلٌ مُسْرِعًا، فتقول: مُسْرِعًا هَذَا رَاحِلٌ.

وأما إذا كان العامل في الحال فعلاً غير متصرف، أو وصفاً يشبه الفعل غير المتصرف فلا يجوز تقدم الحال على هذا العامل.

وقد أحسن الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – في مثاله:«مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا» الذي حض فيه على الدعاء، وهو:”طلب الأدنى بالقول من الأعلى شيئا على جهة الاستكانة(1)”، بمعنى لجوء العبد الضعيف الفقير إلى ربه القويّ الغني بطلب حاجة دينيةٍ أو دنيويةٍ أو أخرويةٍ، قال الخطّابي – رحمه الله تعالى -:”ومعنى الدعاء: استدعاءُ العبد ربه -عز وجل- العناية واستمداده إياه المعونة. وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمةُ العبوديّة، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود والكرم إليه(2)”.

والدعاءُ أمر مستحبٌّ ومندوبٌ إليه، وحثّ اللهُ تعالى في محكم تنزيله عليه، ودعا إلى اللياذ إلى جنابه، وإدمان قرع بابه، وقال:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:186]، وقال:(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)[الأعراف:55]، وقال:(وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا)[الأعراف:56]، وقال:(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر:60]، وقال:(هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر:65]، وكذلك حضّ عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وندب إليه أمته، فقال:«ليسَ شيءٌ أَكرمَ على الله من الدُّعاء»[المستدرك، 1/666]، وقال:«إِنَّ الدُّعاءَ هُو العبادةُ»[المستدرك، 1/667]، وقال:« الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤمْنِ»[المستدرك، 1/669]، وقال:«إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يبسُطَ إليهِ يَدَيْهِ ثُمَّ يَردُّهُمَا خَائِبَتَيْنِ»[المستدرك، 1/675]، وكلُّ أولئك يدل على مكانة الدّعاء ويحث على التوجه إلى الله بالمسألة من غير فتورٍ ولا استعجالٍ ولا اعتداءٍ.

ولكلِّ أولئك فعلى العبد أن يقبل إلى ربه بالدعاء، قبل أن يحيق به غضبُه، فقد قال – صلى الله عليه وسلم -«مَن لا يدعُو الله يغضب عليه»[المستدرك، 1/ 667]، وكذلك أن يراعي شروط الدعاء وآدابه، ومنها – كما يقول ابن الجزري رحمه الله تعالى -:”آكدُهَا تجنُّب الْحَرَام مأكلًا ومشربًا وملبسًا، وَالْإِخْلَاصُ لله، وَتَقْدِيم عمل صَالح، وَالْوُضُوء، واستقبالُ الْقِبْلَة، وَالصَّلَاة، والجثُوُّ على الرّكب، وَالثنَاء على الله تَعَالَى، وَالصَّلَاة على نبيّه – صلى الله عليه وسلم – أَولا وآخرا، وَبسطُ يَدَيْهِ ورفعُهما حَذْو مَنْكِبَيْه، وكشفهما مَعَ التّأدّب والخضوع والمسكنة والخشوع، وأن يسأل الله بأسمائه العظام الحسنى والأدعية المأثورة، ويتوسّلَ إلى الله بأنبيائه والصالحين، بخفضِ صَوتٍ واعترافٍ بذنبٍ، وَيبدأَ بِنَفسِهِ وَلَا يخصّ نَفسَه إِن كَانَ إِمَامًا، وَيسْأل بعزمٍ ورغبةٍ وجدٍّ واجتهادٍ، ويحضر قلبهُ وَيحسن رَجَاءَهُ، ويكرِّر الدُّعَاء ويُلِحَّ فِيهِ، وَلَا يَدْعُو بإثم وَلَا قطيعة رحمٍ وَلَا بِأَمْر قَدْ فُرغ مِنْهُ وَلَا بمُستحيلٍ، وَلَا يَتحجَّرَ وَيسْألَ حاجاتِه كلَّهَا، ويُؤمّن الدَّاعِي والمستمع، وَيمْسَح وَجهه بيدَيْهِ بعد فَرَاغه، وَلَا يستعجل أَو يَقُول: دَعَوْت فَلم يُستجبْ لي(3)”.

وقد أحسن الناظم – رحمه الله تعالى – في قوله «..مُخْلِصًا…»، وحضّهِ على الإخلاص عند الدعاء؛ لأنه عماده وذروة سنامه، ولقوله تعالى:(هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر:65]، قال الإمام الشوكاني في قول ابن الجزري – رحمهما الله تعالى – “والإخلاص لله” شارحًا:”هذا الأدبُ هو أعظم الآداب في إجابة الدعاءِ؛ لأن الإخلاص هو الذي تدور عليه دوائرُ الإجابة، وقد قال عز وجل (فادعوا الله مخلصين له الدين)، فمن دعا ربَّه غيرَ مخلصٍ فهوَ حقيقٌ بأَنْ لا يجابَ إلَّا أن يتفضَّل الله عليه، وهو ذو الفضل العظيم(4)”.

ـــــــــــــــــ

الهوامش 

  (1) مرقاة المفاتيح، 4/1523.

  (2) شأن الدعاء للخطابي، ص:4.

  (3) الحصن الحصين، لابن الجزري، ص:30-32.

  (4) تحفة الذاكرين، ص:56.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق