مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

البعد التربوي لألفية ابن مالك الطائي الجياني (الحلقة الحادية عشرة)

10-  إكرام الضيف:
قال الناظم – رحمه الله تعالى -:
وَالْأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنًى كَمَنْ
 
  
مِن (أَلْبِسَُنْ مَنْ زَارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ)
  
*   *   *
ورد البيتُ في باب «تعدي الفعل ولزومه»، ومعناه – كما قال ابن عقيل– رحمه الله تعالى –أنه “إذا تعدَّى الفعل إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل فالأصلُ تقديمُ ما هو فاعل في المعنى نحو:”أعطيت زيدًا درهمًا”، فالأصلُ تقديمُ “زيد” على “درهم” لأنه فاعل في المعنى، لأنه الآخذ للدرهم. وكذا “كسوتُ زيداً جبّةً” و”ألبسن من زاركم نسج اليمن” فـ”مَنْ” مفعول أول، و”نَسْجَ” مفعول ثان، والأصل تقديم “من” على “نسج اليمن” لأنه اللابسُ، ويجوز تقديم ما ليس فاعلًا معنًى لكنه خلافُ الأصل  (1)”.

 

10-  إكرام الضيف:

قال الناظم – رحمه الله تعالى -:

وَالْأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنًى كَمَنْ   ///  مِن (أَلْبِسَُنْ مَنْ زَارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ)

  *   *   *

ورد البيتُ في باب «تعدي الفعل ولزومه»، ومعناه – كما قال ابن عقيل– رحمه الله تعالى –أنه “إذا تعدَّى الفعل إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل فالأصلُ تقديمُ ما هو فاعل في المعنى نحو:”أعطيت زيدًا درهمًا”، فالأصلُ تقديمُ “زيد” على “درهم” لأنه فاعل في المعنى، لأنه الآخذ للدرهم. وكذا “كسوتُ زيداً جبّةً” و”ألبسن من زاركم نسج اليمن” فـ”مَنْ” مفعول أول، و”نَسْجَ” مفعول ثان، والأصل تقديم “من” على “نسج اليمن” لأنه اللابسُ، ويجوز تقديم ما ليس فاعلًا معنًى لكنه خلافُ الأصل  (1)”.

وقوله:«ألبسن» يُضبطُ – كما قال الصبان رحمه الله تعالى – إما”بضمِّ السِّين أمرًا للجماعة ليُطابقَ من زاركم، ويجوزُ فَتحُها على أنَّ الميم للتعظيم، أو أن المأمور بالإلباس واحدٌ من الجماعة  (2)”.

ويحضُّ الناظم ابن مالك – رحمه الله تعالى – في البيت على المبالغة في إكرام الضيف والاحتفاء بالزائر، والإحسان إليه، وهو من سَنيِّ الخصال، وبهيِّ الأخلاق والخلال، ومن هدي الصالحين، وسنن المرسلين، فكان سيدنا إبراهيم عليه السلام – مكرما للضيف، حتى سمي أبا الضيفان؛ فهو أول من ضيف الضيفان، وكان يتشوَّق إلى الضيف، وإذا أراد أن يأكل خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يتغدّى معه(3)، وقد حكى لنا القرآن ذلك بقوله:(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (*) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (*) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (*) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ)[الذاريات:24-27].

وكان على هديه النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – الذي كان مثلا أعلى في إكرام الضيف، وحثّ في أحاديث كثيرة على التحفّي به، وجعل ذلك مما لا يتم إيمان العبد إلا به، وقال:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»[متفق عليه]، حتى إنه رهن درعه عند يهوديّ ليسْتسْلِف منه ما يُكرم به ضيفًا نزلَ به، قال الزرقاني – رحمه الله تعالى – في شرحه على «المواهب اللدنية»:”إن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعث إلى يهودي ليُسلفه طعامًا لضيف نزل عليه فأبى إلا برهْن، فرهنه درعه، وهذه عادة اليهود  (4)”.

وقد ربى صحابته على هذه الخصلة الحميدة والخلة المجيدة؛ فقد روى الشيخان: أنَّ رَجُلاً أتَى النبي – صلى الله عليه وسلم – فَبَعَثَ إلى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -:”مَنْ يَضُمُّ هَذَا أوْ يُضِيفُ هَذَا؟” فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا، فانْطَلَقَ بهِ إِلى امْرأتِهِ، فَقَالَ أكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: ما عِنْدَنا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئي طَعَامَكِ وَأصْبِحِي سِرَاجَكِ، ونَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأتْ طَعَامَهَا، وأصْبَحَت سِرَاجَهَا، ونَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كأنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فأطْفَأتْهُ، فجعلا يُرِيَانِهِ أنَّهُمَا يَأكلانِ، فَباتا طَاوِيَيْن، فلَمَّا أصبَحَ غَدا إِلى رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ أو عَجبَ مِنْ فَعَالِكُمَا فأنزلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[متفق عليه].

هذا، ولا تقتصر الضيافة على بذل القرى، بل يندرج فيها حسن الترحيب ببشاشة الوجه وطيب الكلام، وكل ما يجلب للضيف انشراح النفس وراحة الجسم وطمأنينة البال؛ فقد قيل للأوزاعي-رحمه الله تعالى-: ما إكرامُ الضيفِ؟ قال: طلاقة الوجه, وطيب الكلام  (5).

وكل أولئك تكلم عنه العلماء، فذكروا في كتبهم آداب الضيف والمضيف  ، وحفلت أشعار العرب بأبياتٍ، تغنى فيها الشعراء بإكرامهم للضّيف وافتخروا بشدة تحفيهم بمن طرقهم ونزل برحابهم، كما مدحوا الجواد المضياف، وهجوا البخيل الذي لا يضيف ولا يقري!

ومما جاء في التفاخر بإكرام الضيف  قول حاتم الطائي(7)  :

سَلي الجائعَ الغَرْثانَ يَا أُمَّ منذرٍ ***  إِذَا مَا أَتَانِي بَيْنَ نَارِي وَمَجْزَرِي

هَل اَبْسُطُ وَجْهِي إِنَّهُ أَوَّلُ الْقِرَى ***   وَأَبْذُلُ مَعْرُوفِي لَهُ دُونَ مُنْكَرِي

وقول دعبل  (8):

اَللّهُ يَعْلَمُ أَنَّني ما سَرَّني ***  شيءٌ كطارقةِ الضُّيوفِ النُّزَّلِ

مَا زِلْتُ بالتَّرحيبِ حَتَّى خِلْتُني ***  ضَيفاً لهُ، وَالضَّيفَ ربَّ المنزلِ

وقول الآخر  (9):

وَإِنِّي لَطلْقُ الوَجْهِ للمُبْتغِي القِرَى  ***   وإنَّ فنائي للقِرَى لَرَحِيبُ

أُضاحكُ ضيفِي قبلَ إنزال رَحْلهِ  ***   فَيُخِصِبُ عِندِي وَالمكانُ جَديبُ

وما الخِصبُ للأضْيافِ أَنْ يَكْثُرَ القِرى ***  ولكنما وجهُ الكريم خَصيبُ

وهذا غيض من فيضٍ، ويدل على أن إكرام الضيف حلّة رفيعة، وحلية بديعة، ولذلك وصى به القرآن والنبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الآية والحديث السابقين-، ووصى به أهلُ المروءة، وحسبك من ذلك قول عبد قيس بن خُفاف البرجميُّ الذي وصى ابنه جُبيلًا قائلا له  (10):

والضَّيْفَ أَكْرمْهُ فإِنَّ مَبِيتَهُ *** حَقٌّ ولا تَكُ لُعْنَةً لِلنُّزَّلِ

واعلمْ بأَنَّ الضيفَ مُخْبِرُ أَهْلِهِ *** بِمَبيتِ لَيلتِهِ وإِنْ لم يُسْأَلِ

وقول أبي المحامد الشيخ الخديم رحمه الله تعالى(11):

وَأَكْرِمِ الْأَضْيَافَ بِالتَّـرْحِيبِ *** وَبِالْقِرَى وَالْبِشْرِ وَالتَّقْرِيبِ

لَا يَسْتَضِقْ لِلْضَّيْفِ مِنْكَ الْكَلْكَلُ *** فَإِنَّهُ عَمَّا قَرِيبٍ يَرْحَلُ

ـــــــــــــ

الهوامش:

1.  شرح ابن عقيل، 2/118-119.

2.  حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك، 2/134.

3.  إحياء علوم الدين، 2/12.

4.  شرح المواهب اللدنية، 7/146، والحديث في: مسند البزار، 9/315، المعجم الكبير، 1/331.

5.  روضة العقلاء، ص:261.

6.  انظر: المستطرف، ص:191 وما بعدها، فقد تكلم في الباب الخامس والثلاثين عن الطعام وآدابه والضيافة وآداب المضيف وأخبار الأكلة وما جاء عنهم وغير ذلك. وكذلك: إحياء علوم الدين، 2/12، فقد تكلم في الكتاب الأول من ربع العادات: كتاب آداب الأكل في الباب الرابع عن آداب الضيافة.

7.  ديوان حاتم الطائي، ص:284، وينسب البيتان أيضا لغيره.

8.  ديوان دعبل بن علي الخزاعي، ص:116.

9.  روضة العقلاء، ص:261-262.

10.  المفضليات، ص:384.

11.  منظومة:نهج قضاء الحاج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق