مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

البعد التربوي لألفية ابن مالكٍ الطائيّ الجياني (الحلقة الأولى)

كتبه: أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي
الباحث بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية
*   *   *
اشتهرت ألفية ابن مالك – رحمه الله – أيَّ اشتهار، وانتشرت في المجالس العلمية غاية الانتشار؛ فقد نالتْ عنايةَ الكُتاب، واهتمام الدارسين والطلاب، كما أقبل العلماء على شرح مبانيها، وإماطة اللثام عن مكنوناتها ومعانيها، وذلك لما اشتملت عليه من الفوائد، وما بين دفتيها من الدرر والفرائد، فلا يجوع النازل برحابها ولا يعرَى، ولا يظمأُ المثافنُها ولا يضحى.
 وقد تضمنت الألفية إلى القواعد النحوية أمثلةً مقمنةً بالتشوّف، ومجدرةً بالتأمل والتعرّف، فهي تدعو إلى كرم الفعال، وتحثّ على حميد الأخلاق والخصال، وتُؤكِّدُ أنّ العلمَ والدِّينَ شيءٌ واحدٌ ولا ينفكُّ أحدُهما عن الآخر، بمعنى أنه يجب الجمع بين التربية والتعليم، وبين تلقِّي العلم وأخذ الهَدْيِ، لأن العلمَ النافع هو ما أورثَ صاحبه الأدب والخشية ومكارم الأخلاق، وما خلا من ذلك ففتنةٌ وفسادٌ كبيرٌ.

كتبه: أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي

الباحث بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية

*   *   *

اشتهرت ألفية ابن مالك – رحمه الله – أيَّ اشتهار، وانتشرت في المجالس العلمية غاية الانتشار؛ فقد نالتْ عنايةَ الكُتاب، واهتمام الدارسين والطلاب، كما أقبل العلماء على شرح مبانيها، وإماطة اللثام عن مكنوناتها ومعانيها، وذلك لما اشتملت عليه من الفوائد، وما بين دفتيها من الدرر والفرائد، فلا يجوع النازل برحابها ولا يعرَى، ولا يظمأُ المثافنُها ولا يضحى.

 وقد تضمنت الألفية إلى القواعد النحوية أمثلةً مقمنةً بالتشوّف، ومجدرةً بالتأمل والتعرّف، فهي تدعو إلى كرم الفعال، وتحثّ على حميد الأخلاق والخصال، وتُؤكِّدُ أنّ العلمَ والدِّينَ شيءٌ واحدٌ ولا ينفكُّ أحدُهما عن الآخر، بمعنى أنه يجب الجمع بين التربية والتعليم، وبين تلقِّي العلم وأخذ الهَدْيِ، لأن العلمَ النافع هو ما أورثَ صاحبه الأدب والخشية ومكارم الأخلاق، وما خلا من ذلك ففتنةٌ وفسادٌ كبيرٌ.

وقد كان سلفنا الصالحُ لذلك واعين، وعليه حاثِّين وإليهِ داعِين؛ فكانوا يدركون أهمية الأدبِ، وكونَه الطريقة المثلى إلى الفوز بالأرب، وأن العلم دونه غُرور، والمحرومَ منه عرضةُ للخسران والثّبور، فحثُّوا الطلبة على الأخذ بسمْت أهل العلم وهديهم، ومن ذلك قول ابن سيرين -رحمه الله تعالى-:”كانُوا يتعلَّمونَ الهَدْيَ كما يتعلَّمون العلمَ”، وقول الحسنِ -رحمه الله تعالى-:”إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيخرُجُ فِي أدبٍ يَكْسِبُهُ السِّنِينَ ثمَّ السِّنِينَ”، وقال بعضهم لابنه:”يا بُنيَّ، لَأَنْ تَتَعَلَّمَ بَابًا من الأدبِ أحبُّ إليّ من أن تتعَلَّمَ سَبعينَ بابًا من أبوابِ العلمِ”، وقال مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ لابن المبارك -رحمهما الله تعالى-:”نحنُ إِلى كثيرٍ منَ الأدبِ أَحوجُ مِنَّا إلى كثيرٍ من الحديث  “(1)، وقال حبيب بن الشهيد لابنه إبراهيمَ -رحمهما الله تعالى-:”يَا بُنَيَّ، اِيتِ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَتَعَلَّمْ مِنْهُمْ، وَخُذْ مِنْ أَدَبِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَهَدْيِهِمْ، فَإِنَّ ذَاكَ أَحَبُّ إِلَيَّ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ  “(2). وقال الثَّوْرِيُّ-رحمه الله تعالى-:”كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ الْحَدِيثَ تَأَدَّبَ وَتَعَبَّدَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً  “(3)، وقال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله تعالى:”كانتْ أُمّي تُعمِّمني وتقول لي: اذهبْ إلى ربيعةَ فتَعلَّمْ مِنْ أَدبهِ قَبلَ عِلْمِهِ  “(4)، وقال أيضا لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ:”يَا ابْنَ أَخِي تَعَلَّم الْأَدَبَ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ  “(5). وقال شيخنا أبو المحامد الشيخ الخديم – رحمه الله تعالى –:[الرجز]

عَلَيْكُمُ بِكَثْرَةِ الْآدَابِِ       =         فَإِنَّهَا جَالبَةُ الثَّوَابِ

       فكَثْرَةُ الْعِلْمِ بِغَيْرِ أَدَبِِ      =      جَالِبَةٌ إِلَى الْأَذى وَالتَّعَبِ(6)  

وكلّ ذلك يدل على شرف الأدب، وأنه حليةُ طالب العلم، فعسى أن يَنتفعَ بِهِ وَينفَعَ.

ــــــــــــ

الهوامش:

*  انظر ترجمته في: بغية الوعاة، 1/130، الوافي بالوفيات، 3/285، فوات الوفيات، 3/407، تاريخ الإسلام، 15/249.

1.  تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّم في أَدَب العَالِم والمُتَعَلِّم، ص:31-32.

2.  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، ص1/80، تَذْكِرَةُ السَّامِعِ، ص:32.

3.  حلية الأولياء، 6/361.

4.  ترتيب المدارك، 1/130.

5.  حلية الأولياء، 6/330

6.  تزود الصغار إلى جنان الله ذي الأنهار، منشور ضمن «منظومتان في العقيدة والفقه والتصوف، ص:55».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق