مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

الانفصالُ اللغويّ والصَّفاءُ الصَّوتي

اَلانفصالُ اللغويّ والصَّفاءُ الصَّوتي للكلام المَنطوق في حُكم النّادِر، غالباً ما تجدُ نفسَكَ مشدوداً إلى مَن يُخاطبُك أويُحاضرُ وهو يُخرج الأصوات من مخارجها، ويُحسن انتقاءَ الكلمات المعجمية، ويُطبِّقُ المَقالَ على مُقتَضى المَقام، لا شكّ في أنّ هذه العادةَ الحَسَنَةَ تحتاج إلى دُربةٍ طويلةٍ يَرقى بها المتكلمُ إلى منزلة القُدرَة على التّخلُّص من المؤثِّرات الصَّوتية الأخرى والخصائصِ اللَّهَجيّةِ التي تُصاحبُه. فالقُدرةُ على التخلُّص من العادات اللهَجية العاميّةِ يُمكن تفسيرُه بالقُدرة على الانفصال والتّجرُّد وبالقُدرَة على التّحكُّم، والقُدرَة على توسيعِ نطاقِ المُخاطَبِيَّة؛ فيَفهَمُ عنك ذوو لهجتك وغيرُهم من العَرَب الوافدين عليك أو المُستمعين إليك.


الصفاءُ اللغويُّ قدرةٌ عاليةٌ تحتاجُ إلى دُربةٍ ومَهارةٍ ومراسٍ، يشتغلُ فيها العَقْلُ عندَما يتأمّل في صفاتِ الأصوات ومَخارجها، ويتحكّم فيها اللسانُ عندَما يكتسبُ القُدرَةَ على البَيان والإبانَة والمُبايَنَة. 


لا شكَّ أنّ لكلّ لغةٍ درجةَ صفائها، وأنّ المتكلِّمَ بها يَحتاجُ إلى تجربةٍ ومراسٍ، ولكنّ هذا الأمرَ المطلوبَ لا يتحكَّمُ فيه بسهولَة ولا يَستطيعُه المتكلِّمُ وحدَه، بل لا بدَّ من أن تكونَ عمليةُ تعليم اللغة منذ الصغَر واستعمالِها مُستحضَراً فيها أدوات الإدراك السمعي البَصَريّ، كما يَفعلُ الذين يَحترمون لُغاتِهِم مثل الإنجليز والفَرنسيس والألمان.


لماذا أقولُ إنّ درجَة الصّفاء اللغّويّ لا تحصلُ إلاّ باكتسابِ القُدرَة على الانفصالِ اللغّويّ؛ لدَرْءِ الخَلْطِ والإسقاطِ، وتجنُّبِ قياسِ اللغةِ على اللهجة في بناء النَّظم وفي إخراج الأصواتِ من مَخارجِها الصَّحيحَة، وهو ما يُمكنُ تسميتُه بالتّلوُّث الصَّوتيّ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق