مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

الابتلاء في القرآن الكريم سياقاته ودلالاتها

إن في الابتلاء أسرارا عظيمة في المحاسبة بين العبد وربه سبحانه كما يقول الطاهر ابن عاشور في تحريره وتنويره، وقد ورد لفظ البلاء أو الابتلاء في القرآن الكريم مصرحا به في آيات متعددة، وفي سياقات مختلفة، تحمل دلالات متنوعة، نوردها في الجدول أسفله، معتمدين في ذلك على تفسير (التحرير والتنوير) للإمام الطاهر ابن عاشور:

الآية السورة ورقم الآية سياقه دلالاته
(وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) البقرة: 49 سياق الشر اختبار مقدار الصبر والأناة على المصيبة.
(وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) البقرة: 124 سياق الخير اختبار التكليف.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 155 سياق الشر اختبار الصبر على المصائب الدنيوية.
(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) البقرة: 249 سياق الخير اختبار الطاعة والصبر لمصلحة ما.
(ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) آل عمران: 152 سياق الخير اختبار الثبات على الإيمان من عدمه.
(وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) آل عمران: 154 سياق الخير اختبار الأخلاق والضمائر ما فيها من خير أو شر.
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) آل عمران: 186 سياق الشر اختبار مقدار الثبات على الفقد.
(وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ) النساء: 6 سياق الخير اختبار التصرف.
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) المائدة: 48 سياق الشر اختبار اختيار طرق الخير وأضدادها.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ) المائدة: 94 سياق الخير اختبار التكليف.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) الأنعام: 165 سياق الشر الاختبار في درجات النعم المنعم بها على العباد.
(وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) الأعراف: 141 سياق الشر اختبار مقدار الصبر والأناة على المصيبة.
(وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) الأعراف: 163 سياق الشر اختبار الطاعة والتمسك بشرائع الدين.
(وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف: 168 سياق الخير والشر معا. اختبار الصبر والشكر أو الجزع والكفر.
(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا) الأنفال: 17 سياق الخير اختبار الشكر على العطاء الحسن.
(هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ) يونس: 30 سياق الخير والشر معا. اختبار العمل الحسن النافع أو القبيح الضار.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) هود: 7 سياق الخير اختبار الأعمال.
(وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) إبراهيم: 6 سياق الشر اختبار مقدار الصبر والأناة على المصيبة.
(إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل: 92 سياق الشر اختبار صدق الإيمان.
(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الكهف: 7 سياق الخير والشر معا. اختبار العمل الصالح النافع أو القبيح الضار.
(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء: 35 سياق الخير والشر معا. اختبار الشكر والكفر على اللذات والنعم.
(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) المومنون: 30 سياق الخير اختبار تمييز الله للناس الخبيث من الطيب.
(قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) النمل: 40 سياق الخير اختبار الشكر على الفضل والنعم.
(هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) الأحزاب: 11 سياق الشر اختبار الثبات والصبر.
(إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) الصافات: 106 سياق الخير اختبار التكليف والامتثال لأمر الله.
(وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ) الدخان: 33 سياق الخير والشر معا اختبار الشكر على النعمة أو مقابلتها بالكفران.
(وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) محمد: 4 سياق الشر اختبار ثبات المومنين وصبرهم.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) محمد: 31 سياق الشر الأول: اختبار التكليف والامتثال له بالجهاد والصبر.

الثاني: الاختبار بالأعمال كلها.

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الملك: 2 سياق الشر اختبار الأعمال.
(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) القلم: 17 سياق الخير اختبار شكر النعم.
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) الإنسان: 2 سياق الخير اختبار التكليف.
(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) الطارق: 9 سياق الشر اختبار الأعمال وتمييز الصالح منها عن الفاسد.
(فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) الفجر: 15 سياق الشر اختبار شكر النعم.
(وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) الفجر: 16 سياق الشر اختبار الصبر على تقتير الرزق.

تعليقات على الجدول أعلاه:

جاء في (لسان العرب): “بلا: بلوت الرجل بلوا وبلاء وابتليته اختبرته، وبلاه يبلوه بلوا إذا جربه واختبره” [مادة: بلا].

الابتلاء يكون بالشر ويكون بالخير أيضا، لكنه شاع في اختبار الشر لأنه أكثر إعناتا للنفس، وأشهر استعماله إذا أطلق أن يكون للشر فإذا أرادوا به الخير احتاجوا إلى قرينة أو تصريح. [انظر التحرير والتنوير 2/493].

الابتلاء من حِكَم الله، يقول ابن عاشور: “الابتلاء من آثار الحكمة الإلهية لترتاض به نفوس أوليائه وتظهر مغالبتها للدواعي الشيطانية فتحمد عواقب البلوى، ولتتخبط نفوس المعاندين وينزوي بعض شرها زمانا” [انظر التحرير والتنوير 18/48].

الابتلاء في القرآن الكريم قد يرد في سياق الخير لأن فيه مرضاة لله تعالى على الممتثل المطيع لذلك الاختبار الصابر عليه، وفيه أيضا غضب على العاصي.

ورد الابتلاء في القرآن الكريم في سياق الخير بقدر متساوي مع وروده في سياق الشر لكن استعماله في الشر أشهر، كما ورد في سياق الخير والشر معا في خمسة مواضع.

قد يرد الابتلاء في القرآن الكريم في سياق الخير والشر معا في آية واحدة كما في قوله تعالى: (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون).

البلاء مستعمل في شدة المكروه من تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه على طريقة المجاز المرسل، وقد شاع إطلاق هذا بصيغة اسم المصدر بحيث يكاد لا يطلق إلا على المكروه. وما ورد منه مستعملا في الخير فإنما ورد بصيغة الفعل [انظر التحرير والتنوير 13/192]، غير أن أغلب الآيات التي ورد فيها البلاء في القرآن جاءت بصيغة الفعل، وهي مع ذلك واردة في سياق الشر أو في سياق يحتمل الوجهين أي الخير والشر معا كقوله تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).

غالبا ما يكون سياق الخير واردا في اختبار مقدار الصبر، وكذلك في اختبار التكليف، أما سياق الشر فيكون غالبا في اختبار الطاعة وكذلك الأعمال.

الابتلاء في القرآن الكريم أنواع كثيرة منها الابتلاء بالنعم كما في قوله تعالى: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة)؛ ذلك أن الله شبه حال أهل مكة وقد أنعم عليهم بنعمة الأمن والرزق وإرسال رسول منهم بحال أصحاب الجنة الذين أنعم الله عليهم أيضا لكنهم أعرضوا عن طلب مرضاته تعالى وعن شكر نعمه الكثيرة. وفي المقابل يكون الابتلاء أيضا بفقدان النعم، والعبد مأجور على الصبر على هذا الاختبار فإن صبر كان ابتلاء خير.

وفيما يلي تمثيل لأنواع الابتلاء في القرآن الكريم انطلاقا من الجدول أعلاه، ونشير هنا إلى أن هذه أنواع كبرى تدخل تحتها أنواع فرعية صغرى مثبتة في الجدول:

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول إننا نحمد الله على كل ابتلاء شرا كان أم خيرا، وعلينا أن نتقبله بالرضا، وأن نستخلص منه الحكمة والموعظة، وأمر المسلم كله خير بإذن الله فإن أصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر، ورُبَّ بلوى ظاهرها شر وفي باطنها خير كثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق