مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

الإمام عبد الجليل القصري

اسمه ونسبه:
عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل الأنصاري الأوسي القرطبي أبو محمد القصري: باحث متصوف، زاهد، من المفسرين، نعته الزبيدي في التاج، بالإمام. أصله من قرطبة، ونسبته إلى قصر كتامة أو قصر عبد الكريم[1] (ويسمى الآن القصر الكبير) [2].

شيوخه:
روى الموطأ عن أبي الحسن بن حنين الكناني محدث فاس صاحب ابن الطلاع، وصحب بالقصر أبا الحسن علي بن خلف بن غالب الزاهد ولازمه، وفتح بن محمد المقرئ وروى أيضا عن ابن بشكوال وابن الفخار. [3]

تلاميذه:
وعنه أبو عبد الله الأزدي، وأبو الحسن الغافقي وغيرهما. وأجاز لأبي محمد بن حوط الله في سنة إحدى وست مائة. [4]وعنه أيضا الفقيه أبو محمد ابن الفقيه أبي الحجاج، الأنصاري، القصري، المغربي، المالكي. الفقيه القدوة، المعروف بابن رشيق، بالتصغير شيخ عالم، صالح، خير، ذو مروءة وفتوة وتعفف وفقر. حمل عن أبيه الراوي عن عياض، وأبي بكر بن العربي. وعن: عبد الجليل القصري مصنف “شعب الإيمان” [5].

مؤلفاته:
له كتب، منها (شعب الايمان) و (التفسير) و (شرح الأسماء الحسنى) و (اليقين) و (المسائل والأجوبة) و (تنبيه الأفهام في مشكل أحاديثه عليه السلام – خ) في التيمورية، وغير ذلك. [6]

مكانته العلمية:
 كان متقدما في الكلام، مشاركا في الفنون، رأسا في العلم والعمل، منقطع القرين، متصوفا، زاهدا، ورعا في الدنيا، وكان له من الصيت والذكر الجميل ما ليس لغيره، وختم به بالمغرب التصوف على طريق أهل السلف، نعته الزبيدي في التاج، بالامام [7].
فال الإمام الذهبي: وكلامه في الحقائق رفيع، بديع، منوط بالأثر في أكثر أموره، وربما قال أشياء باجتهاده وذوقه، والله يغفر له [8].
قال أبو جعفر بن الزبير: كلامه في طريقة التصوف سهل، محرر، مضبوط بظاهر الكتاب والسنة، وله مشاركة في علوم وتصرف في العربية، ختم به التصوف بالمغرب، ورزق من علي الصيت والذكر الجميل ما لم يرزق كبير أحد [9].
قال ابن الأبار: كان متقدما في علم الكلام، مشاركا في العربية وغيرها [10].
قال أبو عبد الله الأزدي: إنه صاحب أحوال ومقامات، وعلم ومعاملات وزهد وتبتل[11].

وفاته:
وكانت وفاته بسبتة، في سنة ثمان وستمائة (…- 608 ه =…- 1211 م) [12].

كتاب شعب الإيمان:
شعب الايمان – للشيخ عبد الجليل بن موسى عبد الجليل القصري الأندلسي المالكي المتوفى سنة… في مجلدين تاريخ كتابته سنة 672 اثنتان وسبعون وستمائة [13].
ولأبي عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم الحليمي ( نسبة إلى جده هذا) البخاري الجرجاني (نسبة إلى جرجان لكونه ولد بها) الشافعي العلامة البارع رئيس أهل الحديث بما وراء النهر القاضي أحد أصحاب الوجوه وأذكياء زمانه وفرسان النظر المتوفى : سنة ثلاث وأربعمائة سماها ( منهاج الدين ) في نحو ثلاث مجلدات وقد اختصرها ( أبو محمد عبد الجليل بن موسي القصري ) وغيره[14].

مضمون الكتاب:
ابتدأ الإمام عبد الجليل القصري كتابه شعب الإيمان بأول الواجبات –حسب اعتقاده- وهو أن على العبد معرفة صانعه، وكيف كان صنعه. ثم التعبد له وكيف يعبده. واستدل على هذا بقوله تعالى ﴿الله الذي خلق سبع سماوات … قد أحاط بكل شيء علما﴾ وقوله تعالى ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ وقوله تعالى ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم﴾ ثم بين أن الله تعالى ما خلق الخلق عبثا وإنما لحكمة؛ ليعلم أوّلا ويعبد ثانيا.
وطريق العلم به من وجهين: الأول: طريق السمع؛ وهو قبول ما أخبر به سبحانه عن نفسه أو رسوله عليه الصلاة والسلام مما نطقت به كتبه أو أخبرت به رسله عليهم السلام من صفاته وأسمائه بالتصديق، وإمرار الصفات كما وردت[15]، واعتقادها والإقرار بها. وأما الوجه الثاني: فهو عن طريق الدليل والنظر الذي يحصل منه البرهان العقلي – على وجوده سبحانه وعلى صفاته – وذلك بالبحث في المخلوقات والاعتبار بالمصنوعات[16]، والتدبر في الأخبار والآيات… فيشاهد العقل ما صدق به القلب، ويقوى تصديق القلب بشهادة العقل فيتزايد الإيمان وتعظم المعرفة بحصول اليقين.
ثم تحدث عن الأجساد الجزئية، ومعرفة النفس والروح والفرق بينها، واختلاف أهل العلم في حد الروح – بتفصيل كبير – ليخلص في الأخير إلى القول بأن الروح من أمر الله، وأنه جوهر روحاني منبسط، ومتى ملك الروح الجسدَ صار الجسدُ تابعا له، مما يمنح صاحبه القدرة على المشي على الماء وفي الهواء كما هي أجساد الأولياء مع أرواحهم، لأن الروح أقرب الموجودات إلى الله وعندما يملك الجسدَ يجعل هذا الأخير لا يخضع لقانون الطبيعة كما هي أجساد الأولياء.
ثم انتقل إلى الحديث عن سبب ضلال الخلق وأرجعه إلى التباس صفات الخلق عليهم بصفات الخالق، وبسبب غيبة الآخرة وحضور الدنيا، فنبه على ضرورة تمييز صفات الخالق من صفات خلقه وذلك بالنظر في أمور الباري وأمور الآخرة.
أما النظر في أمور الباري تعالى فعلى أصلين؛ النظر في الواحد، والنظر في صفات الواحد، ومن وجوه النظر في الواحد سبحانه: أن تعلم أن الشيء الواحد بالحقيقة هو الشيء الذي ليس لوجوده نهاية ينتهي إليها، والذي لا مثال له ولا نظير ولا شبيه من جميع الموجودات… ومن هنا تفهم وحدانية الصفات فإن بصره محيط بجميع الموجودات كلها على كثرتها ومحيط بذاته، وعلمه مدرك لذاته ولجميع المعلومات على كثرتها، وهكذا جميع صفاته. وبالتالي رد على الذين يقولون: إنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات. كما رد أيضا على من يقول بإضافة الأفعال إلى نفسها مثبتا بأن الفاعل هو الله تعالى.
ثم انتقل إلى الحديث عن التوحيد وجعله ثلاث مراتب؛ الأولى توحيد الأفعال: وهو إضافة الأفعال والمفعولات كلها إلى الله. والثانية: توحيد صفات الفاعل: – ذكر أنه مما لا تبينه العبارة وإنما هو من علم القلوب- وهو أن جميع الصفات أوجد على معناها في الوجود معاني يستدل بها عليه إلا اسم الله تعالى وحده وصفة الألوهية، وليس في الوجود من يستحق الوصف بالعظمة إلا الله، ولا من يستحق الوصف بالعلم ولا بالقدرة ولا بالحياة ولا بجميع الصفات حقيقة ومعنى إلا الله. والثالثة: توحيد الذات: وهذا المقام من التوحيد قليل وجوده لا يوجد إلا عند الآحاد، إلا أنه من ترقى من توحيد الأفعال إلى توحيد الصفات يرجى له وقوع العلم لأن الطريق إلى هذا المقام يكون بالتفكر في الأفعال والنظر والاستدلال، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذات الله» فإذا أُحكم النظر في الأفعال دلت الأفعال على الصفات فتتجلى معاني الصفات القائمة بالذات لأن الأفعال صادرة عن الصفات.
وقسم الخلق في مشاهدة التوحيد على سبع مقامات: العامة في أول تلك المقامات وأدناها، والخاصة في أعلاها، والناس فيما بين ذلك على قدر قربهم. واستدل على هذا بأن الله تعالى ذكر هذه المقامات وأن حديث جبريل عليه السلام جامع لهذه المقامات كلها
وذكر عبد الجليل القصري في شعب الإيمان أن الأرواح ثلاثة أقسام منعمة ومعذبة ومحبوسة حتى تتخلص من الفتانين وأورده غيره وقال إنها مدة حبسها للسؤال لا نعيم لها ولا عذاب[17].
قال الإمام عبد الجليل بن موسى القصري في شعب الإيمان ونقله عنه الإمام أبو زيد الجزولي في شرح رسالة أبي زيد : البرزخ على ثلاثة أقسام : مكان ، وزمان ، وحال . فالمكان من القبر إلى عليين تعمره أرواح السعداء . ومن القبر إلى سجين تعمره أرواح الأشقياء ، وأما الزمان فهو مدة بقاء الخلق فيه من أول من مات أو يموت من الجن والإنس إلى يوم يبعثون . وأما الحال فإما منعمة ، وإما معذبة أو محبوسة حتى تتخلص بالسؤال من الملكين الفتانين انتهى ؛ فقوله : أو محبوسة حتى تتخلص من الملكين الفتانين صريح أو ظاهر في أن فتنة القبر تكون في مدة بحيث يمكث محبوسا لأجلها إلى أن يتخلص منها وتلك المدة هي السبعة الأيام الواردة ، فهذا تأييد لذلك ، ويؤيده أيضاً ما ذكر الحافظ ابن رجب في كتاب أهوال القبور عن مجاهد قال : الأرواح على القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارقه ، فهذه آثار يؤيد بعضها بعضاً.[18]قال عبد الجليل القصري في شعب الإيمان : المعنى في سؤال الملكين الفتانين في القبر أن الخلق في التزام الشرائع وقبول الإيمان لا بد لهم من الإختبار لأمر الله ومن النظر فيه وفي أمر الرسل وما جاءت به ، وهو المعبر عنه بأول الواجبات عند عرض الشرائع على العقول ، فيعتقد كل أحد في قلبه وسره على حسب ما قدر له حين تعترضهم أفكار النظر والفكر فيما جاءت به الرسل من أمور الغيب ، فمن بين منكر جاحد أو شاك مرتاب ، ومن بين مؤمن مصدق موقن مطمئن ثابت ، هذه حال الكل مدة الدنيا من أول ما وجبت عليهم الواجبات إلى حين الموت ، فلما حصل الخلق في الآخرة فتنوا بالجزاء عن عقائدهم وأحوالهم جزاءً وفاقاً ، ولذلك يقول الملكان للمسؤول : قد علمنا أن كنت لمؤمناً ، ولا دريت ولا تليت وعلى الشك حييت وعليه مت ، على حسب اختلاف أسرار الخلق في الدنيا ثم بعد ذلك يفتح لكل أحد باب إلى الجنة وباب إلى النار وينظر إلى مقعده منهما ، ومعنى ذلك أن الرسل جاءت من عند الله وفتحت للعقول أبواب دين الإسلام حين عرضته على العقول وحين وجوب الواجبات وأمرت بالدخول فيه وأمرت بالتزام الطاعات وترك المعاصي ، وذكرت للعقول أن من التزم الطاعات جوزي بالجنة ودخلها ، ومن أعرض وأبى وقع في الكفر ودخل النار، فمن بين داخل مفتوح له بدخوله في الإسلام والشرائع ومن بين خارج نافر ، فيقال للعبد ذلك الوقت : هذا مقعدك من الجنة أو النار أبدلك الله مقعداً من النار أو الجنة كما صنع هو بنفسه في دار الدنيا فافهم.[19]

                                                                   إعداد الباحث: يوسف الحزيمري

الهوامش:

[1]  نزهة الألباب في الألقاب 2/ 306، الأعلام للزركلي 3/ 276، طبقات المفسرين – السيوطي ص: 49، طبقات المفسرين – الداودي ص: 217، سير أعلام النبلاء  41/ 396، سير أعلام النبلاء 42/ 9، الوافي بالوفيات 6/ 43، تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 43/ 295، نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص: 184.
[2] جاء في تاج العروس من جواهر القاموس  13/ 424: والقَصْرُ : مدينةٌ كَبِيرَةٌ بالمَغْرِب ، منها الإِمامُ أَبو الحَسَنِ إِسماعيلُ بنُ الحَسَنِ بنِ عبدِ الله القَصْرِيّ والإِمَامُ أَبو محمّد عَبْدُ الجَلِيلِ بنِ مُوسَى بنِ عبدِ الجَلِيلِ الأَوْسِيُّ المَعْرُوف بالقَصْرِيّ صاحبُ شعَبِ الإِيمانِ والإِمامُ أَبُو الحَسَنِ عليُّ بنُ خَلَفِ بنِ غالِب الأَنْدَلُسِيّ القَصْرِيُّ … وغَيْرُهم .
[3] طبقات المفسرين – السيوطي ص: 49، طبقات المفسرين – الداودي ص: 218، سير أعلام النبلاء 41/ 396و 42/ 9، تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 43/ 295، نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص: 184. بغية الوعاة 2/73.
[4] طبقات المفسرين – السيوطي ص: 49، طبقات المفسرين – الداودي ص: 218، سير أعلام النبلاء 41/ 396و 42/ 9، تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 43/ 295.
[5] تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 47/ 448.
[6] نزهة الألباب في الألقاب 2/ 306، الأعلام للزركلي 3/ 276، طبقات المفسرين – السيوطي ص: 49، طبقات المفسرين – الداودي ص: 218، سير أعلام النبلاء 41/ 396]، و 42/9، الوافي بالوفيات 6/ 43، تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 43/ 295، نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص: 184.
[7]  الأعلام للزركلي 3/ 276، طبقات المفسرين – السيوطي ص: 49، طبقات المفسرين – الداودي ص: 218، الوافي بالوفيات 6/ 43، تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 43/ 295.
[8] سير أعلام النبلاء  42/ 9.
[9] سير أعلام النبلاء  42/ 9، تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 43/ 295.
[10] سير أعلام النبلاء 41/ 396.
[11] نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص: 184.
[12]  نزهة الألباب في الألقاب 2/ 306، الأعلام للزركلي 3/ 276، طبقات المفسرين – السيوطي ص: 49، طبقات المفسرين – الداودي ص: 218، سير أعلام النبلاء  42/9، الوافي بالوفيات 6/ 43، بترقيم الشاملة آليا، تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 43/ 295، نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص: 184.
[13] إيضاح المكنون 2/ 49.
[14] الرسالة المستطرفة ص: 51.
[15] مثل – رحمه الله – لهذه الصفات الواجبة على كل مسلم اعتقادها والإقرار بها في حقه تعالى بجملة من الأمثلة، منها: صفات السلوب، وصفات المعاني، والصفات المعنوية. ثم قال: “واجمع إلى هذه الصفات من التنزيه والتقديس والإجلال والتعظيم إلى سائر أسمائه وصفاته ما علم منها وما لم يعلم فتصدق بجميع ذلك تصديقا جزما وتقطع به قطعا حتما فتكون من المؤمنين المصدقين”.شعب الإيمان، ص: 29.
[16] في هذا الصدد يرى الإمام عبد الجليل القصري أن الأشياء لا نهاية لها ولا غاية لأن وجود جميع الأشياء فائض عن وجود العلي، وأن صفات كل شيء مبتدعة عن صفاته الحسنى. واستدل على هذا بقول ابن عباس – رضي الله عنه – في تفسير قوله عز وجل ﴿وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه﴾ “أي كل منه –وقال- في كل شيء اسم من أسمائه، واسم كل شيء من اسمه”.
[17] .شرح السيوطي على مسلم 2/ 491.
[18] الحاوي للفتاوي ـ للسيوطى 2/ 175.
[19] نفسه 2/ 178-179.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق