مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

 

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل. 

نعم السلف يطلقون الإيمان على الكامل المنجي وهو المشتمل على الأعمال، فيقولون ومنهم ابن أبي زيد في رسالته الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح. ومما ينبغي التنبيه عليه هنا مسئلة زيادة الإيمان ونقصانه، واعلم أنه اختلف في العلم الحادث وهو علم المخلوق هل يتعدد بتعدد المعلوم وإليه ذهب الأشعري وكثير من المعتزلة، أو هو صفة واحدة تتعدد متعلقاتها وهي المعلومات الكثيرة، وبه قال بعض الأشاعرة، وعلى كل فقال الأكثرون يتفاوت من حيث الجزم، فإن الجزم في كون الواحد نصف الإثنين مثلا أقوى منه في كون العالم حادثا، وقال المحققون كما في جمع الجوامع لا يتفاوت، وإنما التفاوت بكثرة المتعلقات إن قلنا باتحاد العلم مع تعدد المعلوم، أو بقلة تخلل الغفلات ونحو ذلك إن قلنا أن العلم يتعدد بتعدد المعلوم.

 إذا تمهد هذا فعلى قول الجمهور إن العلم يتفاوت فالإيمان يزيد وينقص، أي يكون بعض أفراده أقوى من بعض في الجزم، ونسبه السعد لبعض المحققين، وعليه فلا إشكال في قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم:﴿ولكن ليطمئن قلبي﴾[1]، أي ليزداد طمأنينة، وإلا فأصل الطمأنينة كان حاصلا، وعليه أيضا يظهر أن إيمان النبي  صلى الله عليه وسلم كآحاد الأمة، وأن إيمان أبي بكر أقوى من إيمان غيره من الأمة، (ما فضلكم أبو بكر بصلاة ولا صيام وإنما فضلكم بشيء و قر في صدره)، وعنه وعن علي:(لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا)، وهذا القول مختار النووي، وعلى قول المحققين أن العلم لا يتفاوت من حيث الجزم فالإيمان لا يزيد ولا ينقص، قالوا لأن ما يقبل الزيادة يتطرق إليه احتمال النقيض، فلا يكون جزما، وأجابوا عن الآيات والأحاديث الدالة على زيادته ونقصه كقوله تعالى:﴿ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم﴾[2]،﴿ويزداد  الذين آمنوا إيمانا﴾[3] بأوجه:

 أحدها، أن ذلك باعتبار كثرة المتعلقات وقلتها، فإن الصحابة آمنوا في الجملة، ثم كان يأتي فرض بعد فرض، فيؤمنون بكل فرض تجدد، وهذا يتصور في عصره عليه الصلاة والسلام وبعده، لأن الإيمان واجب إجمالا فيما علم إجمالا، وتفصيلا فيما علم تفصيلا، والتفاصيل يطلع عليها شيئا فشيئا، ولا خفاء أن التفاصيل أزيد أي أكمل.

ثانيها أن الثبات والدوام على الإيمان زيادة له في كل ساعة، وحاصله أنه يزيد بزيادة الأزمان؛ لأنه عرض لا يبقى إلا بتجدد الأمثال، وقول السعد في اعتراض هذا الوجه أن حصول المثل بعد انعدام الشيء لا يكون من الزيادة في شيء كما في سواد الجسم، يرد بأن توالي الأمثال كثرة في آحادها، ولا شك أن ذلك تزايد.

ثالثها، أن المراد زيادة ثمرته وإشراق نوره وضيائه في القلب، فإن ذلك يزيد بالأعمال وينقص بالمعاصي.

رابعها، أن الزيادة والنقص في الأعمال التي هي داخلة في مسمى الإيمان الكامل أو في مسمى مطلق الإيمان عند المعتزلة.

 خامسها، أن الزيادة والنقصان باعتبار قلة تخلل الغفلات وكثرتها كما أشار إليه في حديث مسلم :«لو تدومون على ما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في الطرق»[4]، فنبه على أن الغفلة تختلسهم في غيبتهم عنه، وتتحاماهم  بحضرته الشريفة.

 سادسها، أن ذلك باعتبار كثرة الأدلة  أو وضوحها في نفسها وعدم ذلك، وقيل إن  الإيمان يزيد ولا ينقص رعاية للإطلاقات الشرعية، والثلاثة رويت لمالك قاله زروق في شرح الرسالة، واشتهر عنه أنه كان يقول يزيد ولا ينقص، وسأله ابن نافع عند موته فقال:أبرمتمونا .

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227 على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين، ص: 123- 124. 

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

الهوامش:

 


[1]سورة البقرة، الآية: 260.

[2]سورة الفتح الآية: 4.

[3]سورة المدثر: الآية: 31.

[4] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا، رقم: 2750.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق