مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل.

 

قال الشارح رحمه الله مبينا انبناء الكرامة على أصل المعجزة، مع شرح قول الناظم:

لو انتفى التبليغ أو خانوا حتم            أن يقلب المنهي طاعة لهم

تتمة: كرامات الأولياء عندنا حق، وأنكرتها المعتزلة، قالوا لئلا تلتبس بالمعجزة، فلا يتميز النبي من غيره، والجواب أنها غير مقرونة بدعوى الرسالة ولا النبوة، وهي في الحقيقة معجزات لمتبوعهم كما قال في الهمزية:

                                  والكرامات منهم معجزات             نالــها من نوالك الأولياء

وكيف تنكر كرامات الأولياء وهي متواترة في الجملة عن الصحابة وغيرهم، وإن كانت التفاصيل آحادا كجريان النيل بكتاب عمر، ورؤيته وهو على المنبر جيشه بنهاوند حتى قال لأمير الجيش: (يا سارية الجبل)؛ محذرا له من وراء الجبل لكمون العدو هناك، وسماع سارية كلامه مع بعد المسافة، وكشرب خالد السم من غير تضرر به، وكتكليم الكلب لأصحاب الكهف وغير ذلك. وقال الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني: ما كان معجزة لنبي لا يكون للولي كإحياء الموتى وقلب العصا حية وفلق البحر، قال: وإنما مبلغ الكرامة إجابة دعوة أو موافاة ماء في بادية من غير توقع المياه ونحو ذلك مما ينحط عن خرق العادة، وقال القشيري: “الكرامات تكون خارقة، ولكن لا تنتهي إلى حصول إنسان بلا أبوين أو قلب جماد بهيمة أو نحو ذلك”. وقال جمهور أهل السنة: كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، فخصص ابن السبكي في منع الموانع عمومه بكلام القشيري، وأشار إليه في جمع الجوامع، واعترضه الزركشي بأن ما قاله القشيري مردود، وقد أنكره عليه حتى ولده أبو منصور في كتابه المرشد، فمذهب الجمهور ما أطلقوه من أن كل ما جاز كونه معجزة لنبي جاز كونه كرامة لولي، لا فرق بينهما إلا التحدي.

 “لو انتفى التبليغ أو خانوا” بفعل محرم أو مكروه، “حتم أن يقلب المنهي” عنه نهي تحريم أو كراهة “طاعة لهم”؛ لأنا مأمورون بالاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم، ففي التنزيل: (وما أتاكم الرسول فخذوه)الآية[الحشر:7]، (قل إن كنتم تحبون الله)الآية[آل عمران:31]، (واتبعوه لعلكم تهتدون)[الأعراف:158]،(الذين يتبعون الرسول)الآية[الأعراف:157]، فلو جاز أن يكتموا شيئا مما أمروا بتبليغه لصار الكتمان طاعة نؤمر به نحن بأن نكتم ما وجب علينا تبليغه من العلم النافع لمن اضطر إليه، وهو خلاف ما أخبرنا به الرسل عن الله، قال تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات)الآية[البقرة:159]، وقد شهد تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم بكمال التبليغ، فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم)[المائدة:3]، (قد تبين الرشد من الغي)الآية؟[البقرة:256]، (فتول عنهم فما أنت بملوم)[الذاريات:54]، ولو جاز عليهم أن يفعلوا محرما أو مكروها لكنا أيضا مأمورين بالاقتداء بهم في فعله، فيصير مأمورا به وقد فرض منهيا عنه وهو تناقض،  وقيل اللازم على تقدير وقوع الكتمان أو الخيانة بفعل محرم أو مكروه أن يصير المنهي مباحا أو طاعة، ولا يتعين أن يكون طاعة كما يقتضيه الناظم، قلنا لما أمرنا بالاقتداء بهم عموما دل على أن أفعالهم وأقوالهم لا تخرج عن كونها قربا وطاعة، وإن كان منها المباح بالنظر إلى ذاته، إلا أنه لا يقع منهم لداعية الشهوة أو الطبيعة، بل مصحوبا بالنيات والقصود الحميدة المدخلة له في حيز القرب والطاعات، فيأكلون بالنية، ويشربون بالنية، وينامون بالنية، وينكحون بالنية، إلى غير ذلك، بل آحاد العارفين يصلون إلى أن تصير بالنية حظوظهم حقوقا، وعاداتهم عبادات، حتى قال الشيخ أبو العباس المرسي: “أوقاتنا والحمد لله كلها ليلة القدر”، فما بالك بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن قيل قد يذكر الفقهاء والمحدثون والأصوليون أن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل المكروه لبيان الجواز كالشرب قائما، قلت إذا قصد بفعله بيان الجواز لا يكون في تلك الحالة مكروها بل واجبا، لأنه أدى به تعليم الواجب، وإنما هو مكروه للأمة بعد معرفة أنه جائز، أي لا عقاب في فعله.”

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ

 سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227

 على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين.

 ص 105- 106.

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق