مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

 

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل. 

 

بعد أن بين الشارح الأوصاف الواجبة للرسل عليهم الصلاة والسلام المضمنة في قول ابن عاشر:

 يَجِبُ لِلرُّسْـــلِ الْكِرامِ الصِّدْقُ                    أَمانَةٌ تَبْلِيـــــــــــغُهُمْ يَحِـــقُّ

شرع في بيان ما يستحيل عليهم من الأوصاف التي تضمنها قول الناظم رحمه الله:

مُحـــالٌ الْكَـــذِبُ وَالمَنْهـــــــِىُّ                    كَعَدَمِ التَّبْلِيــــغِ يا ذَكِــــــــيُّ

قال الشارح رحمه الله مستكملا بيان مفهوم الكذب ومعنى استحالته على مقام النبوة والرسالة:

الحديث الثاني حديث أبي هريرة في الصحيحين والموطأ أنه صلى الله عليه وسلم صلى إحدى الظهرين فسلم من اثنتين، فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال: كل ذلك لم يكن. وروي: ما قصرت ولا نسيت، فقال ذو اليدين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فقال: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فأتم وسجد بعد السلام. فنفيه القصر والنسيان معا غير مطابق للواقع؛ إذ قد تبين وقوع أحدهما وهو النسيان، وقد منعنا الكذب مطلقا، فنقول من جوز الغلط فيما ليس طريقه البلاغ فلا إشكال عنده في الحديث أصلا، ومن منع عدم المطابقة في خبر الأنبياء وهو المختار أجاب بأجوبة أحسنها أن في الكلام حذفا تقديره كل ذلك لم يكن في اعتقادي أو في ظني، بقرينة سؤاله واستثباته بعد، وليس هذا على قول النظام أن الصدق مطابقة الاعتقاد؛ لأنه عند النظام صادق بلا تقدير شيء، بل حاصل هذا الجواب أن المقدر من تتمة الخبر، فهو لم يخبر بانتفاء الأمرين، بل إنما أخبر بظنه انتفاءهما وهو مطابق للواقع؛ لأن الواقع أنه كان حين الإخبار يظن ذلك وعلى هذا الجواب اقتصر السيد الجرجاني، واختار عياض جوابا آخر وهو أن نفي القصر مطابق للواقع ولا إشكال، ونفي النسيان إنكار على السائل اللفظ الذي نفاه عن نفسه وأنكره على غيره في قوله: بئس ما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا، ولكنه نسي، وقوله: لست أنسى ولكني أنسى لأسن، فكأنه قال: لم تقصر ولم أنسى من قبل نفسي، ولكن إن وقع شيء فقد نسيت لأسن لكم، وذلك كله مطابق للواقع، إذ لم تقصر ولم ينس حقيقة، ولكنه نسي.

الحديث الثالث حديث أبي هريرة أيضا في الصحيح: لم يكذب إبراهيم النبي قط إلا ثلاث كذبات، اثنتين في ذات الله، قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وواحدة في شأن سارة، فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس، فقيل له إن ههنا امرأة لا ينبغي أن تكون إلا لك، فأرسل إلى إبراهيم يسأله عنها، فقال من هذه، قال: أختي، ثم أوصاها أن تقول ذلك إذا سألها، قال: فإنك أختي في الإسلام، ثم أرسل إليها فأتى بها وقام إبراهيم إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة، فقال: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرك ففعلت، فعاد فقبضت أشد من القبضة الأولى، فقال مثل ذلك ففعلت، فعاد فقبضت أشد من الأولين، فقال ادعي الله أن يطلق يدي فلك الله ألا أضرك ففعلت فأطلقت يده، فدعا الذي أتاه بها فقال: إنما أتيتني بشيطان ولم تأتني بإنسان، فأخرجها من أرضي وأعطها هاجر، فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم انصرف فأقبلت تمشي، فقال مهيم، قالت خيرا كف الله يد الفاجر وأخدم خادما. والجواب أن تسميتها كذبات إنما هو بحسب الصورة فقط، وكلها من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب، فأما قوله إني سقيم فقد كان لقومه عيد يجتمعون فيه ويعظمون آلهتهم، وكانوا نجامين، فقالوا لإبراهيم: ألا تخرج معنا إلى عيدنا غدا؟ فنظر في النجوم إيهاما إذ لم يعتمد عليها؛ لئلا ينكروا عليه ويكذبوه فلا يدعونه يتخلف، فقال: إني سقيم أي ساقم، إذ كل حي معرض لذلك ولو عند النزع، أو سقيم القلب بما أشاهد من كفركم وعنادكم، أو سقيم الحجة عليكم من جهة أنكم لا تنصفون للدلائل القاطعة. وأما قوله: (بل فعله كبيرهم)[الأنبياء، الآية:63] هذا فهو معلق بشرط نطقه، أي إن كان ينطق فهو فعله عن طريق التبكيت لهم، وليس الشرط في قوله: فاسألوهم، بل هذا جملة اعتراضية، أو أسند الفعل إليه لأنه معظم السبب الحامل على الكسر، وعن الكسائي أنه كان يقف على فعله، أي فعله من فعله كائنا من كان، ثم يبتدئ: كبيرهم هذا على أنه جملة مستقلة، ثم يقول: فاسألوهم الخ. قال ابن حجر: ولا يخفى تكلفه. وأما قوله: أختي فالمراد كما بينه في الحديث أنها أخته في الإسلام وهو صدق، والله يقول (إنما المومنون إخوة)[الحجرات، الآية:10] 

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ

 سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227

 على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين.

 ص:97-98.

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق