مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

الإحســــان

الإحسان في اللغة:

الإحسان في اللغة فعل ما هو خير للآخرين فضلاً ومحبة، وعكسه الإساءة، وهو مأخوذ من الحسن وهو كل مبهج مرغوب فيه[1].

في القرآن والحديث:

يستعمل الإحسان في القرآن والحديث بثلاثة معاني:

 الأول: الإنعام على الغير والتفضل عليه، ومنه قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾[2]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس: «أُرِيت النار، فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن، قيل: أيكفرن باللَّه؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت  إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا، قالت ما رأيت منك خيرا قط»[3]. ومن هذا المعنى أيضا العفو عن المجرمين والمنحرفين، كما ورد في قوله تعالى: ﴿والْعافينَ عَنِ النّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ[4].

 الثانى: الإحسان فى الفعل؛ أي الإتيان بالفعل على وجه يستحسنه الشرع والعقل، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾[5]، وقوله: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِين﴾[6]، ومنه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث شداد بن أوس: «إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد  أحدكم  شفرته  وليرح ذبيحته»[7].

الثالث: درجة ومقام من الدين، وهو ما دل عليه قول الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  ثُمَّ  اتَّقَوْا  وَآمَنُوا  ثُمَّ  اتَّقَوْا  وَأَحْسَنُوا  وَاللَّهُ  يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾[8]، ففرق اللَّه بين التقوى المبنية على درجة الإيمان والتقوى المبنية على درجة الإحسان، وقد حدد النبى صلى الله عليه وسلم للإحسان معنى دوامِِ المراقبة لله، فى الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فقال أبو هريرة: “كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”[9].

الإحسان في الاصطلاح الصوفي:

ارتبط الإحسان في الاصطلاح أكثر بالدلالة على معنى الدرجة القصوى من الدين المُحصّلة بعد مقامي الإسلام والإيمان، وهو ما اختص بخدمته أهل السلوك من الصوفية، حتى إنه في كثير من الأحيان يُقدَّم علم التصوف بكونه مقام الإحسان في جانبه التنزيلي العملي الباحث في مقاصد المكلف ونياته، فالإحسان هو «تهذيب القصد بعلم الشريعة والطريقة، فيكون قصده [أي العبد] مطابقا للأمر، مبرأ عن شوب الرياء والغرض، وإحكامه بالجزم وتوطين النفس على ثبات العزم، وعدم الفتور فيه، وتصفيته عن النظر إلى غير المقصود بشهود المعبود، وعدم الالتفات إلى الغير ولو نفسه»[10]، فيعبد مولاه مستشعرا مراقبته وكأنه يراه بقلبه، وهذا المعنى يدل عليه حديث جبريل السابق، إذ جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الدين بعد الإسلام والإيمان، وهو عينه المعنى المتداول بين الصوفية ـ كما يؤكد ذلك السراج الطوسي (ت:387هـ) ـ فكونك تعبد اللَّه كأنك تراه، فهذا يكون بدوام المراقبة والمشاهدة بالإيمان واليقين لا بالمشاهدة العينية، فالصوفية يشيرون برؤية القلوب إلى التصديق والمشاهدة بالإيمان وحقيقة اليقين، وأنه ينبغي أن يعلم العبد أن كل شيء رأته العيون في الدنيا من الأنوار، أن ذلك مخلوق، ليس بينه وبين اللَّه تعالى شبه، وليس ذلك صفة من صفات اللَّه عز وجل، بل جميع ذلك مخلوق[11].

 وبهذا يتضح أن الإحسان في الاصطلاح الصوفي هو بعينه المعنى النبوي الوارد في حديث جبريل. ولا أدل على ذلك من الأقوال المأثورة عن الصوفية بهذا الشأن والتي تشير إلى الأبعاد العملية السلوكية في الممارسة الدينية ومحصلاتها القلبية في تحديدها لمعنى هذا اللفظ:

قال الشيخ عبد الغني النابلسي: «الإحسان أعلى مرتبة من الإيمان، لأنه إحسان الإيمان، أي: إتقانه، فهو صفة من صفات الإيمان، ومقام من مقاماته، وله حقيقة وسر وشروط وأقسام»[12].

وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي:«الإحسان هو الاستقامة إلى الموت… وقيل: الإحسان أداء الفرائض»[13]. وقيل: «الإحسان في ثلاثة أشياء: في أن تعبده ولا تشرك به، والثاني: أن تعمل له على المشاهدة… والثالث: أن تسرع إلى أوامره وتتباعد عن مناهيه»[14].

وقال الشيخ كمال الدين القاشاني: «الإحسان هو التحقق بالعبودية على مشاهدة حضرة الربوبية بنور البصيرة، أي: رؤية الحق موصوفاً بصفاته بعين صفته، فهو يراه يقيناً ولا يراه حقيقة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ﴿كأنك تراه﴾، لأنه يراه من وراء حجب صفاته، فلا يرى الحقيقة بالحقيقة، إنما يكون الرائي هو الحق ولا يكون للعبد أثر»[15].

وقيل: «الإحسان هو أن تحسن إلى الخلق بما أعطاك الله وأراك سبل الرشاد، فترشدهم، وتسلك بهم طريق الحق للوصول أو الوصال، يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾[16]»[17].

وقيل: «هو كمال الإيمان، ومعناه: فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى الله تعالى عنه»[18].

إذا ما نظرنا إلى المعاني التي يرد بها لفظ المحسن عند أرباب السلوك، نجدها لا تخرج عن المعاني الشرعية المقررة لمعنى الدين في بعده الأخلاقي الشمولي، فهم يتحدثون عن صفات المحسن التي هي كلها صفات مستندها الكمالات الأخلاقية التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ومنها «أن لا يظلم، وإن ظُلِم لا ينتصر ولا يغضب، وإن غضب لا يأثم، قد أتعب نفسه وأعرض عن غيره فالناس منه في راحة ونفسه منه في عناء، ويكون قلبه وجلا عند الذكر، صابرا على ما يصيبه من الشدائد»[19]، هكذا يعرفون المحسن، ولو تأملنا أقوالهم بهذا الشأن نجدها لا تخرج عن هذا المعنى ومن ذلك:

قول الشيخ أبي بكر الكتاني: «المحسن: هو من أحسن إلى نفسه، فلا يوقعها في الورطات. ويحسن إلى الخلائق، فلا يؤذيهم بسوء خلقه. ويحسن عبادة ربه، فلا يشوبها شيء من الرياء»[20].

وقال الشيخ أبو عثمان المغربي: «المحسن هو المخالف لنفسه»[21].

وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي: «قال بعضهم: المحسن هو من يرى جميع ما يجري عليه من الإحسان منَّة من الحق عليه»[22].

وقال: «قال بعضهم: المحسن هو الذي صحح عقدة توحيده، وأحسن سياسة نفسه، وأقبل على أداء فرائضه، وكفى المسلمين شره»[23].

وقال الإمام القشيري: «المحسن هو الذي لا تكون للشرع منه مطالبة، لا في حق الله، ولا في حق الخلق»[24].

وقال: «المحسن هو من سلم الخلق بأجمعهم من قلبه»[25].

وقيل: «المحسن هو من يعتصم بحبل القرآن متوجها إلى الله»[26].

فهذه الأقوال جميعها تؤكد الدلالة الأخلاقية للإحسان عند الصوفية، وهي دلالة منبثقة من معين الدلالة القرآنية للكلمة.

 والإحسان بمعناه الصوفي منبن على شروط وأركان شرعية:

 فأما عن الشروط فقد قال الشيخ عبد الغني النابلسي: «أما شروط الإحسان فثلاثة: الاعتقاد الموافق للسنة، والعمل الخالي من البدعة، والقول المحفوظ من اللغو»[27].

 وأما أركانه فقال الشيخ عبد الكريم الجيلي: «الإحسان مبني على أربعة أركان: الإسلام، والإيمان، والصلاح، والركن الرابع الاستقامة في المقامات السبعة: وهي التوبة والإنابة والزهد والتوكل والرضا والتفويض والإخلاص في جميع الأحوال»[28].

الهوامش:


[1] ـ ينظر: لسان العرب، ابن منظور، دار الحديث، القاهرة، 2002، مادة (ح س ن).

[2] ـ سورة: النحل، آية: 90.

[3] ـ صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب كفران العشير، وكفر دون كفر، حديث رقم: 29.

[4] ـ سورة: آل عمران، آية: 134.

[5] ـ سورة: القصص، آية: 77.

[6] ـ سورة: السجدة، آية: 7.

[7] ـ صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، حديث رقم: 1955.

[8] ـ سورة: المائدة، آية: 93.

[9] ـ صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، حديث رقم: 50 .

[10] ـ اصطلاحات الصوفية، عبد الرزاق القاشاني، تحقيق د. عاصم إبراهيم الكيالي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط 1، 2005، ص: 131.

[11] ـ م. ن، ص: 545.

[12] ـ أسرار الشريعة (أو الفتح الرباني والفيض الرحماني)، الشيخ عبد الغني النابلسي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط 1، 1985، ص: 278.

[13] ـ زيادات حقائق التفسير، الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، تحقيق جيرهارد بودرينغ، دار المشرق ـ بيروت، ط 1، 1995، ص: 696 ـ 698.

[14] ـ نفسه، ص: 138.

[15]  ـ اصطلاحات الصوفية، القاشاني، م. س، ص: 12.

[16] ـ سورة: القصص، آية: 77.

[17] ـ روح البيان، الشيخ إسماعيل حقي البروسوي، المكتبة الإسلامية، 1330، ج 5، ص: 71.

[18] ـ طهارة القلوب، الشيخ عبد العزيز الديريني، القاهرة، 1296هـ، ص: 8.

[19] ـ زيادات حقائق التفسير، م. س، ص: 880.

[20] ـ قوت القلوب، الشيخ أبو طالب المكي، دار صادر، (د. ت)، ص: 174.

[21] ـ المصدر نفسه، ص: 584.

[22]  ـ زيادات حقائق التفسير، م. س، ص: 584.

[23] ـ المصدر نفسه، ص 384.

[24] ـ لطائف الإشارات، م. س، ج 2، ص: 53.

[25] ـ المصدر نفسه، ج 2، ص: 90.

[26] ـ روح البيان، م. س، ج 7، ص: 63.

[27] ـ أسرار الشريعة أو الفتح الرباني والفيض الرحماني، م. س، ص: 284.

[28] ـ الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل، تحقيق صلاح بن محمد بن عويض، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط 1، 1997، ج 2، ص: 84 ـ 85.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق