وحدة الإحياءقراءة في كتاب

الأخلاق في مواجهة الاقتصاد”La morale face à l’économie”

يتناول كتاب “الأخلاق في مواجهة الاقتصاد” (La morale face à l’économie)  لمؤلفه برتراند لمونيسيي (Bertrand Lemennicier)، الصادر عن دار (éditions d’Organisation) الطبعة الأولى2006، إشكالية بالغة الأهمية قلما يتم التصدي لها في الكتابات الاقتصادية؛ يتعلق الأمر بعلاقة الأخلاق، باعتبارها مبحثا فلسفيا يعنى بالمعيارية القيمية التي تميز بين الخير والشر من جهة ،وبين الاقتصاد من جهة أخرى.

ففي مقدمة كتابه ينطلق “برتراند لمونيسيي” من ملاحظة أنه من غير المألوف خوض الاقتصاديين في القضايا المتعلقة بالفلسفة الأخلاقية، في حين لا يتورع الفلاسفة والأخلاقيون (les moralistes) عن الخوض فيها ومناقشتها وفقا لمنظورهم المعياري الخاص..

 وفي نفس السياق يرصد المؤلف مفارقة مفادها؛ أنه إذا لم يكن من طبيعة الاقتصاديين مناقشة المسائل الأخلاقية، فإن القليل من الفلاسفة يفهم ماهية السوق، و بدرجة أقل الأخلاق التي تحكمه؛ فحينما يحرم المشرع، على سبيل المثال، قيام سوق حرة للأعضاء، بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية، فإن الفيلسوف أو الأخلاقي، في حقيقة الأمر، هو الذي يقتحم مجال الاقتصاد بوسائل مقاربته و تحليله الخاصة وليس العكس.  وتبعا لذلك فمن غير المقبول أن نآخذ الاقتصادي على تدخله في القضايا الأخلاقية والقيمية بدعوى أنه غير مؤهل لمعالجتها..

 كما يؤكد المؤلف “برتراند لمونيسيي” أن الاقتصاد علم أخلاقي خلافا للأطروحات القائلة بلا أخلاقية الاقتصاد
(Immoralité de l’economie)  وتلك التي تقول بـ”الحياد الأخلاقي للاقتصاد”
(La neutralité de L’economie) وفي هذا الإطار، أشار الكاتب إلى أن الاقتصاديين يتوافرون على آليتين للتحليل تقعان في صميم نظام السوق: مفهوم “حق الملكية”(La notion de droit de propriété)  ومفهوم التراضي (La notion de consentement)؛ حيث أن الشخص لا يمكنه أن يبادل إلا ما يملكه. كما أن عملية التبادل تستند على مبدأ استقلالية الإرادة(le principe  d’autonomie de la volonté)  وعلى مفهوم التراضي. واحترام هذين المبتدئين يسمح بإصدار الحكم حول مدى جدوى ونجاعة وكذا مشروعية الفعل الإنساني..

وتبعا لذلك، فحينما نستعمل الخدمات المقدمة من طرف الآخرين كوسيلة للوصول إلى أهدافنا، فإن إمكانية تحقيق هذه الأهداف  تظل مرتبطة ،بشكل أساسي، برضاهم وموافقتهم..

  ونظرا لوجود تراضي يرتقي إلى مستوى الإجماع بين الأطراف حول عقد تبادل حقوق الملكية، فإن نتائج السوق، حسب الكاتب، يمكن الحكم عليها وتنظيمها بشكل إيجابي، من منطلق أن كلا الطرفين قد حقق أو اعتقد أنه قد حقق أهدافه بفضل هذا العقد؛ذلك أن مسألة أخلاقية التبادل الإرادي (L’échange  volontaire)  تعد أساسية بالنسبة للاقتصادي (L’économiste) لأن التوافق بين المرامي الفردية والتنسيق فيما بينها يعد أمرا مركزيا في الاقتصاد. وهكذا فبفضل التوزيع والتبادل الإرادي لحقوق الملكية يتحقق هذا التنسيق..

إلى هذا المستوى من التحليل يصل الكاتب إلى طرح مكثف للإشكالية المحورية لمؤلفه المتميز متسائلا:

ـ ما هو التبرير الأخلاقي الذي بمقتضاه نمنع التبادل بين بالغين راشدين رغم تراضيهم وتوافقهم؟

ـ ألا يستدعي اعتراضنا هذا أخلاقا مناقضة لتلك التي تقوم على التراضي وحق الملكية؟

ـ كيف يمكننا التمييز بين أخلاقين (deux morales) بناء على زعم المفاضلة والتمييز بينهما؟

لقد شكلت الإجابة على مختلف هذه التساؤلات مادة الفصل الأول، الذي يعتبره الكاتب أهم من فصول كتابه الأخرى التي اتخذت طابعا تطبيقيا وانصبت على قضايا من قبيل؛ زراعة الأعضاء (الفصل الثاني والثالث)، وقضايا الإجهاض (الفصل الرابع)، كما انصب الفصلان الخامس والسادس على مناقشة بعض التشريعات المناهضة للتمييز، وتلك المتعلقة بتجارة المخدرات. في حين تطرق الفصل السابع لخوصصة الطرق. أما الفصل الثامن فقد قابل فيه بين الديمقراطية والحرية الفردية. و أخيرا فقد تمحور الفصل التاسع حول استعراض بعض العناصر الأساسية الحاكمة للمنطق الاقتصادي..

Science

د. عبد السلام طويل

  • رئيس وحدة بحثية بالرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، ورئيس تحرير مجلتها الإحياء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق