مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

الأخذ من الأظافر والشعر في العشر من ذي الحجة

روى شعبة عن مالك بن أنس عن عمر بن مسلم بن أكيمة عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا».

ففي هذا الحديث: أنه لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعرا ولا يقص ظفرا. وفي حديث عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم حين قلد هديه وبعث به، وهو يرد حديث أم سلمة ويدفعه. ومما يدل على ضعفه ووهنه: أن مالك روى عن عمارة بن عبدالله عن سعيد بن المسيب قال: لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة، فترك سعيد لاستعمال هذا الحديث، وهو راويته، دليل على أنه عنده غير ثابت، أو منسوخ.

وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي فما دونه، أحرى أن يكون مباحا. ومذهب مالك: أنه لا بأس بحلق الرأس وتقليم الأظفار وقص الشارب في عشر ذي الحجة، وهو مذهب سائر الفقهاء بالمدينة والكوفة.

وقال الليث بن سعد: وقد ذكر له حديث سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أهل عليه منكم هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي»، فقال الليث: قد روي هذا والناس على غير هذا. وقال الأوزاعي: إذا اشترى أضحتيه بعد ما دخل العشر فإنه يكف عن قص شاربه وأظفاره، وإن اشتراها قبل أن يدخل العشر فلا بأس.

واختلف قول الشافعي في ذلك: فمرة قال: من أراد أن يضحي لم يمس في العشر من شعره شيئا ولا من أظفاره، وقال في موضع آخر: أحب لمن أراد أن يضحي أن لا يمس في العشر من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي لحديث أم سلمة، فإن أخذ من شعره وأظفاره فلا بأس؛ لأن عائشة قالت: كنت أفلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.

وذكر الأثرم أن أحمد بن حنبل كان يأخذ بحديث أم سلمة هذا فقيل له: فإن أراد غيره أن يضحي وهو لا يريد أن يضحي، فقال: إذا لم يرد أن يضحي لم يمسك عن شيءن إنما قال: إذا أراد أحدكم أن يضحي.

وقال ذكرت لعبدالرحمن بن مهدي حديث عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث بالهدي، وحديث أم سلمة: إذا دخل العشر، فبقي عبدالرحمن ولم يأت بجواب، فذكرته ليحيى بن سعيد فقال يحيى: ذاك له وجه، وهذا له وجه: حديث عائشة إذا بعث بالهدي وأقام، وحديث أم سلمة إذا أراد أن يضحي بالمصر.

قال أحمد: وهكذا أقول، قيل له فيمسك عن شعره وأظفاره، قال: نعم كل من أراد أن يضحي، فقيل له: هذا على الذي بمكة فقال: لا بل على المقيم، وقال: هذا الحديث رواه شعبة عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن عيينة عن عبدالرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقد رواه يحيى بن سعيد القطان عن عبدالرحمن بن حميد هكذا، ولكنه وقفه على أم سلمةن قال: وقد رواه محمد بن عمرو عن شيخ مالك، قيل له: إن قتادة يروي عن سعيد بن المسيب أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا اشتروا ضحاياهم أمسكوا عن شعورهم وأظفارهم إلى يوم النحر، فقال: هذا يقوي هذا، ولم يره خلافا ولا ضعفه.

قال أبو عمر: حديث قتادة هذا اختلف فيه على قتادة، وكذلك حديث أم سلمة مختلف فيه وفي رواته من لا تقوم به حجة، وأكثر أهل العلم يضعفون هذين الحديثين.

وقد ذكر عمران بن أنس أنه سأل مالكا عن حديث أم سلمة هذا فقال: ليس من حديثي، قال فقلت لجلسائه: قد رواه عنه شعبة وحدث به عنه وهو يقول ليس من حديثي، فقالوا لي: إنه إذا لم يأخذ بالحديث قال فيه ليس من حديثي.

• كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد(17/233-237). طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تحقيق محمد بوخبزة وسعيد أعراب1406هـ1986م.

إنجاز: د.طارق طاطمي.

Science

الدكتور طارق طاطمي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

منسق تحرير مجلة لسان المحدث التابعة للرابطة المحمدية للعلماء

منسق تحرير موقع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث

أستاذ السيرة النبوية بمؤسسة دار الحديث الحسنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق