مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

الأجوبة الفقهية للسكتاني

يعتبر كتاب «الأجوبة الفقهية» لمؤلفه عيسى بن عبد الرحمن أبي مهدي الرجراجي السكتاني، المالكي، (ت1062ﻫ)، من المؤلفات التي تندرج ضمن فقه النوازل أي: الأحداث التي تقع حسب الأحوال والأحداث، التي تكون مدعاة إلى الاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية الملائمة لها، عن طريق استقراء النصوص الفقهية واستنطاقها، ومقارنتها وتأويلها، فكان ظهور هذا النوع من المؤلفات التي تجمع فتاوى العالم في مجالسه العامة والخاصة.

ونظرا لأهمية النوازل والإجابات التي أوردها هذا العالم الفذ في حياتهم العامة والخاصة، فقد ارتأى تلميذه «أحمد بن الحسن السوسي الروداني» أن يقوم بجمع هذه النوازل في سفر ضخم، إذ يقول في هذا الصدد:

«أما بعد، فهذه جملة من أجوبة شيخنا الإمام، طود العلوم وكوكب الإفهام، إنسان عين المغرب، قاضي القضاة ومفتي الإسلام أبي مهدي عيسى بن عبد الرحمن السكتاني قيدتها من خط يده المباركة بعد استشارتي له في قيد حياته على جمعها، فأذن لي في ذلك وأمرني به فلم أزل أطلبها بأيد الناس بالتقييد والانتساخ».

فجاء الكتاب مقسما إلى ثلاثة أقسام:

×       القسم الأول: في العبادات وما شاكلها.

×       القسم الثاني: في الأنكحة والطلاق وما ماثلها.

×       القسم الثالث: في البيوع وسائر المعاوضات وما ضارعها من الأقضية والشهادات والتبرعات وما يتعلق بذلك.

فيكون كتاب الأجوبة بذلك، قد حقّق الإفادة وتناول جميع المباحث الفقهية، معتمدا في ذلك على:

×       أقوال العلماء مع ذكر نقط الخلاف ومنشئه، مبتدئا بها، موردا جوابه بعد قوله: «قلت». ويكون جوابه مباشرا شاملا، مطولا أحيانا إذا كان السائل من أهل العلم، ومختصرا في أحيان أخرى إذاكان السائل من عامة الناس.

×       لا يعتمد في إجابته على الدليل القرآني أو السنة النبوية، بل نجد أجوبته عقلية أكثر منها نقلية،  في غاية السهولة والبساطة، فإذا أطال الجواب فإنه يشير إلى أمهات كتب الفقه المالكي دون غيرها ودون إسهاب أو تعقيد، مستشهدا بأقوال أهل المذهب المالكي دون غيرهم: كابن فرحون، والشيخ خليل في مختصره وفي التوضيح، واللخمي في تبصرته، وابن رشد، وابن الحاجب في جامع الأمهات، وابن ناجي في «شرح المدونة» والبرزلي، وابن هلال في نوازله، وابن عرفة وابن العربي، والحطاب في «شرح المختصر» والقاضي عياض في «الشفا» وابن شاس في «جواهره» والبرادعي في «تهذيبه»، وغيرهم من علماء المالكية ومؤلفاتهم.

×       كان كثيرا ما يحث على اعتبار العرف وما جرى به العمل في كثير من المسائل، بشرط أن تتفق وروح الدين الإسلامي، يقول مثلا: «إن كان في حضانته وأنفقه عليه مضى البيع لأنه في هذه البلاد السوسية وصى العادة، والسلام». (ص: 161).

 وقال أيضا: «… على ما يفهم من حالة البربر فإن السكوت عصبة..». .(ص: 164).

والأمثلة في ذلك كثيرة.

من خلال كل هذا، نستنبط أن الشيخ أبا مهدي عيسى السكتاني كان يمتلك صفة الفقيه المعايش لأحوال الناس وتقاليدهم، والقاضي الذي يملك الصفة الإلزامية في أحكامه وفتاويه.

ولقد أثنى الكثير من العلماء على عيسى السكتاني، وتحدثوا عن فضائله وكراماته وعلمه الغزير، ووصفه الكرامي في بشارة الزائرين والرسموكي في الوفيات بـأنه: «الفقيه المدقق المتفنن المدرس العالم، قاضي الجماعة بالحضرة المراكشية ومفتيها وخاتمة المفتين بالمغرب».

أما العلامة محمد المختار السوسي فقد ذكره في المعسول بأنه: «أشهر من نار على علم»، في حين أثنى عليه قاضي تارودانت أبو زيد عبد الرحمن التمنارتي في كتابه الفوائد الجمة قائلا: «كان محققا نقادا بارعا في علم الأصول والعربية والفقه. . .».

وقال عنه تلميذه العلامة الفهامة أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي: «كان إمام وقته في فنون العلم مع سمت وهمة ونية صالحة في طريق القوم ومحبة في أهلها رحمه الله وجزاه خيرا».

إضافة إلى شهادات أخرى جاءت في حقه من أفواه كبار العلماء، سواء من حيث تكوينه العلمي، أو قدراته الفكرية مما جعل العلماء في زمانه يترددون عليه في حل المسائل والنوازل، وأخص بالذكر لا الحصر، العلامة الفقيه الكبير عبد الواحد بن أحمد الحميدي مفتي الحضرة المراكشية، والفقيه سيدي أبي القاسم بن أبي النعيم الفاسي (ت 1032هـ)، وأحمد بابا السوداني صاحب نيل الابتهاج.

فضلا عن الأمراء، ومنهم السلطان أحمد المنصور الذهبي الذي استقدمه إلى بلاطه قصد المناظرة والتحقيق مع مُشاكله ومعاصره الفقيه أحمد البوسعيدي(1046ﻫ)، كما أمره أمير المؤمنين السلطان الوليد بن زيدان (ت 1045ﻫ) بتأليف شرح على الصغرى للسنوسي.

أما أمير المؤمنين محمد الشيخ الأصغر بن زيدان (ت 1064هـ) فيسأله ويأمره بالتحقيق والبحث فيما ورد في رسالة بعض المشارقة في حكم تناول التبغ، والحسم في أمر ذلك.

 كما استفسره الأمير أبو حسون السملالي أمير إيليغ فيما إذا كان يجوز إحداث الكنائس بأرض الإسلام، وأجابه بعدم جواز فعله، ولما علم الأمير بالحكم الصادر من الشيخ، أمر بهدمها ومنع اليهود مما أرادوه.

وقد نقل عنه من جاء بعده منهم: الشيخ التسولي في كتابه «البهجة في شرح التحفة»، كما نقل عنه أبو عيسى محمد المهدي الوزاني في حاشيته على شرح التاودي للامية الزقاق، ونقل عنه كذلك صاحب «العكاز المضروب» محمد العربي الأدوزي، كما نجد العلمي في نوازله ينقل عنه في نوازله المشهورة في كثير من المسائل .

إضافة إلى بعض كتب النوازل يوجد ضمن طياتها أجوبة السكتاني، كنوازل البرجي.

ومن هذا، يتضح لنا أن عيسى السكتاني قد استفاد وأفاد وعمل على نشر العلم والفقه في زمانه بالمغرب.

 مصادر ترجمة السكتاني:

– فهرسة اليوسي (ص140)، – صفوة من انتشر (ص206)، – خلاصة الأثر للمحبي (3/235)، – الإعلام لعباس المراكشي (9/413)، – السعادة الأبدية (ص:118)، – الفكر السامي للحجوي (4/112)، – الاستقصا (6/79)،
– الفوائد الجمة للتمنارتي (ص139)، – نزهة الحادي (ص34-67-99-328)، – نشر المثاني (2/59-60)، – التقاط الدرر (ص 131- 132)، – شجرة النور الزكية (ص308)، – الأعلام للزركلي (9/416).

كتاب: «الأجوبة الفقهية» تأليف: الإمام العلامة عيسى بن عبد الرحمن السكتاني الرجراجي المالكي (ت1062ﻫ)، جمعه تلميذه أحمد بن الحسن السوسي الروداني (1037 هـ/1094 هـ) في سفر ضخم.

تحقيق: أبو الفضل الدمياطي أحمد بن علي، الطبعة الأولى: 1432ﻫ/2011م.

نشر:  مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء.

طبع بدار ابن حزم بيروت لبنان.

قال فيه العلامة محمد المختار السوسي: «أشهر من نار على علم، صاحب الفتاوى الشهيرة» و«مجموعة فتاويه مشهورة».

إعداد: ذة. نادية بومعيزة.

Science

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق